يومية سياسية مستقلة
بيروت / °31

مهلة أيام أمام “الحزب” للتأقلم!

Thursday, January 16, 2025 10:07:55 AM

مأزق “حزب الله” هو أنّ التوازنات التي في ظلها سيطر على البلد وأسكت المعترضين، قد انقلبت رأساً على عقب. وهذا الانقلاب سيدوم طويلاً جداً، لسببين أساسيين:

1- زوال نظام الأسد وانقطاع قناة الإمداد الوحيدة من إيران، بالسلاح والذخائر والمعدات والمال. وحتى إشعار آخر، سيستحيل الرهان على قلب الموازين مجدداً وعودة حلفاء إيران إلى حكم سوريا.
2- الضربات التي تلقّاها “الحزب” في الحرب الأخيرة ودمرت غالبية القدرات التي بها يستقوي سياسياً، وأجبرته على توقيع اتفاق “ملغوم” لوقف النار ويمنح إسرائيل امتيازاً مثيراً للقلق، وهو قدرتها على الضرب في لبنان حتى بعد انتهاء مهلة الـ60 يوماً، وفق نموذج الـ 50 يوماً الفائتة. وفوق ذلك، تحتفظ إسرائيل لنفسها بامتياز الرصد الجوي للأراضي اللبنانية، 24 / 24، بما في ذلك بيروت، وسط صمت كامل وشامل داخلياً وخارجياً. ولا شيء يضمن أن تتوقف عمليات الرصد بعد 26 كانون الثاني.


في الخلاصة، واضح أنّ نسخة 2025 من “حزب الله” لا تشبه النسخة السابقة، لا من حيث هيكليته القيادية ولا قدراته العسكرية. ففيما كان “الحزب” يصر خلال العام الفائت على “التحرش” بإسرائيل على الحدود لإشغالها عن قتال “حماس” في غزة، هو اليوم يتجنب إطلاق رصاصة واحدة على القوات الإسرائيلية المتوغلة في لبنان، لئلا تتذرع بذلك لاستكمال التدمير في جنوب الليطاني وشماله، بما في ذلك الضاحية الجنوبية والبقاع. ويتحتم على “الحزب” اليوم أن يرسم خطة واقعية ليحافظ على وجوده، تراعي التحولات العميقة التي شهدها لبنان في الحرب، وما يتجه إليه الشرق الأوسط، وإيران تحديداً.
لقد خسر “الحزب” سيطرته على القرار اللبناني، وهي آخر ورقة كان يحمي بها امتيازاته. وللإيضاح، إنّ اللبنانيين الرافضين لهذه السيطرة كانوا دائماً الغالبية عددياً، لكنهم لطالما انقسموا نتيجة اضطرار الكثيرين منهم إلى موالاة “الحزب” أو مهادنته بدافع الخوف أو تأمين المصالح. ولم تصمد في هذه المواجهة سوى الفئة المعروفة، والتي تعرضت دائماً للتخوين والتنكيل. وحالياً، أتيح لهذه الغالبية بمكوناتها كافة أن تتحرر من عقدتي الخوف والرهان على المصالح، ونجحت في اختيار رئيس للجمهورية ورئيس للحكومة يتمتعان بالقوة الشجاعة ويؤمنان باستعادة الدولة. وهذا الأمر وضع “الحزب” أمام مفترق حاسم: إما أن ينخرط في الإجماع اللبناني، معترفاً بمساواته للجميع في الحقوق والواجبات، وإما أن ينقضّ انتحارياً على كل شيء.
ما جرى حتى الآن يؤشر إلى أنّ “الحزب” لم يقتنع تماماً بالخيار اللبناني وهو يحاول التملص من أي التزام تغييري، ويناور ليُخضع “الدولة الجديدة” كما كان يُخضع “الدولة القديمة”. لكن البعض يعتقد أنّ “الحزب” ربما يحتاج إلى فترة “روداج” أو نقاهة ليخرج من الصدمة ويتخلى عن عادات الاستقواء التي عاش عليها عشرات السنين وتربَّت عليها أجياله، فيعتمد سلوكاً جديداً يحترم فيه قواعد العيش المشترك بدقة. وثمة من يراهن على أنّ هذا الأمر سيتحقق في النهاية لأن أحداً لن يحتضن “الحزب” بصدق سوى اللبنانيين، فيما رهاناته الأخرى كلها كانت قاتلة ومدمرة.
في الواقع، “الحزب” مضطر إلى حسم خياراته بواقعية وجرأة، ولكن ضمن مهلة أيام قليلة. فإذا اختار النهج السابق، سيكتب لنفسه وبيئته ولبنان مصيراً مظلماً في مواجهة إسرائيل، كذاك الذي عاشه في الحرب الأخيرة. وأما إذا اختار نهج الانخراط في الدولة، فإنّ لبنان بأكمله سيتحمل المسؤولية موحداً في هذه المواجهة، وستكون له فرصة لتحرير الجنوب بالكامل، أو على الأقل سيوقف مسار الهزائم والدمار الذي جلبه قرار خوض الحرب لاعتبارات غير لبنانية.
وفي كل يوم، بخبثٍ كبير، تتعمد إسرائيل تسيير طائراتها الاستطلاعية فوق العاصمة، على مستويات منخفضة جداً، ليتسبب أزيزُها الدائم بإزعاج الناس في حياتهم اليومية، وفحوى هذه الرسالة هو التحدي الآتي: هذه الـ MK رمز رعايتنا لاتفاق وقف النار الذي سننفذه وفق مصلحتنا. فنحن نَراكم ونسمعكم حتى في بيروت. وافعلوا أي شيء إذا كنتم تستطيعون لمنعنا من ذلك.
قبل أيام، هدد “حزب الله” بأنه في اليوم الـ61 لوقف النار سيخرج عن صمته ويرد على إسرائيل، إذا لم توقف عملياتها العسكرية. لكن العارفين يقولون إنّ “الحزب” لن يفعل ذلك، لأن عواقبه يصعب تقديرها. وخياره الوحيد الآمن هو أن يضع كل أوراقه ورهاناته في يد الدولة. وعليه أن يتأقلم مع الواقع الجديد بسرعة لئلا تسبقه التحوُّلات الدراماتيكية التي يشهدها لبنان والشرق الأوسط والعالم: فالحكومة هنا منتظرة خلال أيام، ومعها تنتهي مهلة وقف النار، فيما يولد الاتفاق في غزة، ويدخل ترامب إلى البيت الأبيض. فوسط هذه التحولات الدراماتيكية، تبدو المهلة قصيرة جداً أمام “الحزب”، ولا مجال لرهانات كتلك التي أدت إلى الكوارث.


طوني عيسى -”هنا لبنان”

يلفت موقع "اللبنانية" انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر الّا عن وجهة نظر كاتبه او مصدره.

 

مقالات مشابهة

ايهاب مطر: تمنّيت من الرئيس المكلّف أن يُعطي اهمية للشمال

الرئيس عون: إسرائيل عودتنا على التملص من التزاماتها والتنكر للقرارات الدولية

ميقاتي استقبل وفداً من الإتّحاد العمالي العام... وهذا ما قِيلَ عن رفع الحدّ الأدنى للأجور

الصفدي من قصر بعبدا: كلّ الدعم للبنان ليستعيد دوره الحضاري والثقافي والريادي

نواف سلام: أمامنا حلّان!

في اليوم الثاني من الاستشارات... إليكم أبرز ما طرحه النواب على سلام

إتحاد الخماسي الحديث يُطلق خطة عمله للنهوض باللعبة

القوات متمسكة بهذا الشرط الحكومي ..!