في 27 تشرين الثاني الماضي دخلت هدنة الـ 60 يوماً بين إسرائيل وحزب السلاح الإيراني بلبنان حيز التنفيذ. بعد يوم واحد دعا الرئيس نبيه بري المجلس النيابي إلى انتخاب رئيس للجمهورية في 9 كانون الثاني الجاري، لكن بين الموعدين تهاوى محور الشر الأسدي-الفارسي في سوريا، فضرب الموعد الثالث كالصاعقة في 8 كانون الأول الماضي مفاعيل كل ما سبقه، ما حرّك بداية صراعٍ بين مرتزقة الماضي البائد والشعوب الساعية إلى مستقبل واعد.

الصراع المحتمل، الذي ما زال فاتراً، تدل إليه فقاقيع الدخان الرمادي الصادرة عن توترات متفرقة تشهدها غير منطقة لبنانية بين وطنيين، من جهة، وعملاء يهربون أتباع المحور الأسدي-الفارسي المنهار في سوريا إلى لبنان، من جهة أخرى، ما يطرح سيلاً من التساؤلات التي ترسم الإجابات عنها الخطوط العريضة لمستقبل لبنان والمنطقة:

* هل سينجح المجلس النيابي عندما يلتئم بعد أسبوع في “إنتخاب” رئيس للجمهورية بالإقتراع التنافسي غير التحاصصي المسمى تمويهاً بالـ “توافقي”؟ ما يعتبر الخطوة الأولى لتعافي لبنان من تجربة بؤس نصف القرن البائد الذي بدأ باجتياح قوات حافظ الأسد للبنان في حزيران العام 1976 وتعزز بانضمام قوات الولي الفقيه الفارسي إليها في العام 1982 ثم ورث سيطرتها على لبنان، وما زال بانسحابها في نيسان العام 2005 ؟

* أم هل ستنجح منظومة تحالف سلاح الغدر والمال القذر في الحفاظ على شغور رئاسي بلغ عمره 26 شهراً حتى الآن ما يبقي لبنان أسير نصف القرن البائد من الخضوع لقرارات قوى الإستبداد؟

* هل ستخضع الشرائح السيادية إذا نجحت قوى الإستبداد في الحفاظ على الإمساك بلبنان؟ أم ستقرر المواجهة لتحقيق حلمها بغد واعد خارج معتقلات الماضي البائد؟

* هل سيقبل محور الممانعة الأسدي-الفارسي بالهزيمة في لبنان بعد انهياره في سوريا، ما سيؤدي عملياً إلى تهاوي النفوذ الإيراني في بقية دول الهلال الأخضر الثلاث، أي لبنان والأردن والعراق، قبل استكمال تقليم مخالب الحرس الثوري الفارسي في بلاد العرب بالقضاء على تمرد الإنفصاليين الحوثيين في اليمن؟

يتوقّع أن يؤدي التهاوي الزلزالي لمحور الشر الأسدي الفارسي في سوريا إلى تبدّل المشهدية السياسية في بقية دول الهلال الأخضر.

ليس سراً أنّ أكثر الدول سعادة بالإنعكاسات الفورية لإنهيار المحور الأسدي-الفارسي في سوريا هي المملكة الأردنية الهاشمية التي إرتاحت حدودها مع سوريا البالغ طولها 375 كيلومتراً من محاولات تهريب الكبتاغون شبه اليومية التي كانت تنفذها قوات النظام التابعة للفرقة الرابعة بقيادة ماهر الأسد، شقيق الرئيس المخلوع بشار الأسد، بالتعاون مع العصابات التابعة لإيران والتي إستخُدمت فيها أحياناً الطائرات المسيّرة.

أما العراق فإنه كلبنان، واقع بين المطرقة والسندان، لا يسمح لإيران أن تسيطر عبر حشدها الشعبي على سياسته الداخلية والعربية كي لا يستفز السنّة، كما لا يسمح لإسرائيل بإستخدام أجوائه، التي لا يستطيع حمايتها أصلاً، لضرب إيران كي لا يستفزّ الشيعة.

إيران تستفيد من حدودها السائبة مع العراق البالغ طولها 1،281 كيلومتراً لتزويد الحشد الشعبي بترسانته التي تمكّنه من السيطرة النسبية على السياسة الداخلية ومساعدة نظام الولي الفقيه على تمرير شحناته العسكرية عبر الأراضي العراقية إلى سوريا ومنها إلى لبنان، قبل أن يفقد هذا الإمتياز بإقفال البر السوري بوجهه بعد سقوط الحلف الأسدي-الفارسي في 8 كانون الأول الماضي.

خسارة إيران للبر السوري لم توقف تهريب البشر إلى لبنان عبر منطقتي البقاع وعكار حيث تتداخل القرى والبلدات اللبنانية والسورية على طول الحدود البالغ أيضاً 375 كيلومترا وهي غير مرسّمة نهائياً، أو مرسّمة من دون إظهار خط الحدود بشكل كامل والتي أطلق عليها دبلوماسي أجنبي لقب “Bandolero Territory” أو “منطقة قطاع الطرق” ، وهي عبارة إسبانية تطلق على الحدود الأميركية-المكسيكية التي يرغب الرئيس دونالد ترامب ببناء سور على طولها البالغ 3،145 كيلومتراً نظراً لفشل الولايات المتحدة في وقف تدفق المهاجرين غير الشرعيين عبرها واستقرارهم في ولاية كاليفورنيا التي صارت تعرف شعبياً بـ “ماكسيفونيا.”

لبنانياً، ذكر وزير الشؤون الإجتماعية هكتور حجار أنّ 85 ألف شخص عبروا الحدود من سوريا إلى منطقة البقاع اللبنانية منذ سقوط المحور البائد في 8 كانون الأول، منهم 20 ألف لبناني و 65 ألف سوري.

وأوضح حجار في مقابلة صحافية أنّ غالبية اللبنانيين العائدين من سوريا هم من الطائفة الشيعيىة وتم إستيعابهم في محافظة بعلبك-الهرمل في مراكز إيواء ولدى أقارب.
ولم يشر حجار إلى عدد الذين عبروا من سوريا إلى عكار في أقصى شمال لبنان وغالبيتهم العظمى من السوريين, وقدّر عددهم بـ 12 ألف شخص تم تسللهم إلى قرية علوية تقع على ضفة النهر الكبير حيث المياه ضحلة ما يتيح عبور النهر مشياً.

النصف الثاني عبر إلى قرية شيعية في وادي خالد ترتبط بسوريا بطريق سريع ومختارها يقيم في سوريا، ومعروفة بولائها لحزب السلاح الفارسي الذي فقدت إثنين من مواطنيها كانوا يقاتلون في صفوفه.

ولم يعرف عدد مقاتلي حزب السلاح الفارسي الذين سُحبوا من سوريا بعد سقوط النظام، لأنهم عادو إلى لبنان عبر الخط العسكري للمعابر الحدودية اللبنانية الرسمية قبل أن تتسلم السلطات السورية الجديدة المعابر السورية المقابلة.

ولفت حجار إلى أنّ عدد النازحين السوريين إلى لبنان قبل إشعال حرب مساندة حركة حماس من الجنوب في 8 أكتوبر العام 2023 كان قد قارب المليونين إلا أنه خلال تلك الحرب التي استمرت 66 يوماُ غادر 400 ألف سوري إلى بلادهم عبر المعابر الشرعية كما دخلوا لبنان، ما يعني أنهم من الشريحة غير المتعارضة مع النظام البائد الذي لم يُذكر أنه اعتقل أيًّا منهم.

ولم يُعرف عن المنظومة اللبنانية الحاكمة توقيفها أتباع المحور الأسدي-الفارسي المنهار المتسربين إلى أراضيها إلا بعدما أحرجتها شرطة بلدية مدينة جبيل التابعة لمحافظة جبل لبنان بتوقيفها أواخر الأسبوع الماضي شاحنة تقل 67 ضابطاً وجندياً من جنود وأجهزة النظام البائد برفقتهم إمرأة وطفلين كانوا قد دخلوا لبنان من الشمال متوجهين إلى بيروت فتمت إعادتهم إلى سوريا عبر معبر العريضة في عكار حيث أوقفتهم السلطة السورية الجديدة.

يذكر أنّ الحدود السورية عند النهر الكبير في عكار تقع على بعد 80 كيلومترا شمالي مدينة جبيل التي تبعد 40 كيلومتراً إلى الشمال من العاصمة بيروت، ما يطرح التساؤلات التالية:
كيف قطعت الشاحنة مسافة الـ 80 كيلومتراً من النهر الكبير بأقصى عكار إلى جبيل من دون أو يوقفها أي حاجز عسكري؟ وكيف كانت ستعبر مسافة الـ 40 كيلومترا من جبيل إلى بيروت من دون أن تتعرض للتفتيش؟ وأين سيستقر ركابها عندما توصلهم إلى بيروت؟

الجواب عند السائق اللبناني العامل على خط نقل السوريين الهاربين من دولة أحمد الشرع الجولاني إلى أحضان لبنان … ومنه إلى أين؟؟

محمد سلام - هنا لبنان