يومية سياسية مستقلة
بيروت / °19

إدانة مع وقف التنفيذ

Friday, March 6, 2020 11:14:44 PM

بقلم حبيب البستاني

وأخيراً صدر قرار الإدانة ومن أعلى سلطة مالية قضائية والقاضي بتجميد ووضع إشارة على الأصول المالية والأملاك المنقولة والغير المنقولة لحوالي 21 مصرفاً وأصحابها، مما يعني أن الممارسات المالية والنقدية لهذه المصارف إن بتمنعها عن السداد مخالفة بذلك قانون النقد والتسليف وإن بمساهمتها في التحويلات المالية إلى الخارج، وبالتالي حرمان السوق من السيولة والعملات الصعبة، وكذلك لبيعها بالتواطؤ والتكافل مع مصرف لبنان قسماً كبيراً من محفظتها باليوروبوند، مما أدى إلى استحواذ الخارج على أكثر من 70% من هذه السندات مما يتيح التحكم بها، أضف إلى ذلك ما يقوم من شبهات على دور المصارف في تزويد السوق الموازي بالدولار، ومساعدته في أخذ عمولة على الشيكات بالدولار لتحصيلها وصلت إلى 40% . صحيح أن القاضي علي ابراهيم احتفظ لنفسه بالأسباب الموجبة التي دفعته لاتخاذ قراره، إنما هذه الأمور باتت على كل شفة ولسان وبالتالي فهي تشكل سبباً كافياً للظن واتخاذ الإجراءات الاحترازية المؤقتة لحماية الناس وودائعهم بالدرجة الأولى، وحماية أموال الدولة وحرية سيطرتها على سندات اليوروبوند باعتبارها في أكثريتها ديناً داخليا، وذلك قبل إقدام المصارف على بيع قسم من سنداتها إلى شركةً أشمور Ashmore.
وبغض النظر عن تعليق تطبيق هذا القرار أو تجميده لا فرق، وذلك لأسباب تتعلق بانعكاسات القرار على علاقات المصارف مع البنوك المراسلة، والهيئات المالية وليس لأسباب تتعلق بقانونية القرار الذي اتخذه القاضي علي ابراهيم، فإن الإجراءات القانونية كي لا نقول " الحكم " قد صدرت بحق المصارف، وما قرار التجميد الذي اتخذه مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات إلا بمثابة إعطاء فرصة لهذه المصارف لتسوية أوضاعها، ويخطىء من يظن أن قرار القاضي ابراهيم قد ألغي ولكنه تم تعليق تنفيذه الفوري.

خطوة جريئة
تعتبر خطوة المدعي العام المالي خطوة جريئة لم يسبقه عليها أحد فهو قد هز عرش " السلطة الخامسة" وهي السلطة المالية التي تتحكم بالبلاد والعباد، ولقد جاء هذا القرار بالتزامن مع اتخاذ الحكومة في جلستها الأخيرة قراراً بوضع مشروع قانون برفع السرية المصرفية مما سيتيح، إذا طبق، معرفة من يمول السوق الموازي بالدولار وما هي المصارف المتورطة بذلك. وهكذا نرى أن الخطوة القضائية لم تكن يتيمة، بل ضمن إطار متكامل من الإجراءات الحكومية لتعزيز الشفافية ومكافحة الفساد، وكشف الفاسدين والمتورطين كل المتورطين مهما كانت صفتهم ومراكزهم.

ماذا بعد؟
إن الخطوة الغير المسبوقة للمدعي العام المالي جاءت لا سيما في التوقيت والشكل، لتشكل حافزاً للمصارف لإبداء أقصى درجات التعاون مع الدولة اللبنانية، وذلك عشية اتخاذ قرار بشان سندات اليوروبوند، وهي ستشكل عامل ضغط لقرار استرداد المصارف السندات التي باعتها من شركة أشمور، ليعود ويصبح الدين العام ولا سيما السندات بأكثريتها في أيد داخلية، مما يعني سهولة التفاوض بشأنها مع المصارف وسهولة إعادة الهيكلة والجدولة، ومن ناحية ثانية إن هذا الإجراء القانوني المعلق التنفيذ، سيجبر المصارف على إعادة موقفها بالنسبة لتأمين ودائع المودعين، وبالتالي تأمين السيولة اللازمة وإعادة الأموال التي حولتها إلى خارج البلد.

ما هي العبرة من ذلك؟
أن المصارف لم تعد "سلطة مستقلة" بحد ذاتها لا تخضع للسلطات المالية والسياسية في الدولة، تتحكم بالناس وتتصرف على هواها وأنه آن الآوان كي يفكر أصحاب المصارف أنه يمكن ملاحقتهم في أي وقت كان، وإن إمكانية الملاحقة ليست بالأمر المستحيل بمعنى أنه وكما قال القاضي أبراهيم " لا غربال فوق رأس أحد ". وهكذا من المؤكد أننا سنرى وفي المستقبل القريب إداءاً مغايراً لما دأبت على ممارسته المصارف اللبنانية منذ 17 تشرين.
ينبغي على أصحاب المصارف التفكير جيداً بأنه آن الآوان للمضي بإجراءات بنيوية لا سيما بالنسبة لرسملة هذه المصارف، علماً أن حاكم المصرف كان قد دعاهم لذلك ولكنهم استعملوا طرقاً ملتوية لتحقيقها، فقامو ببيع اليوروبوند بلاً من البحث عن شركاء استراتيجيين حقيقيين لهذه المصارف من طريق إشراكهم برأس المال، وهذا يتطلب من المصارف أكثر من قرار بحيث أنه يجب ممارسة سياسة دمج المصارف merging ، وهذا من شأنه تقليص عدد المصارف الصغيرة التي يمكن أن تهتز بسهولة من جهة، وخلق مجموعات مصرفية كبيرة تتمتع بالملاءة والقوة للتفاوض مع البنوك العالمية بسهولة أكبر لزيادة رسملتها. وهذه الخطوة قد أثبتت فعاليتها في كثير من الدول.
ضرورة أن تقوم الدولة بوضع سياسة مالية ونقدية جديدة تلتزم بها المصارف ويلتزم بها مصرف لبنان، إن السياسة التي اتبعها المصرف المركزي ربما قد تكون أثبتت جدواها طيلة السنوات الماضية، ولكنها أظهرت عدم إمكانيتها في إدارة الأزمات المالية المستجدة، لا سيما الأزمة النقدية الغير مسبوقة التي نتخبط فيها.
ضرورة أن تقوم لجنة المراقبة على المصارف بدورها كاملاً إن من ناحية الرقابة، وكذلك من ناحية التأكد من التزام المصارف بقانون النقد والتسليف، ومراقبة العمليات الاستثمارية التي تقوم بها المصارف بحيث تتلاءم مع الإجراءات والنظم المالية المعمول بها عالمياً.
لقد حان الوقت لتقوم السلطة السياسية بالتعاون الجدي والمجدي مع السلطات المالية والنقدية فلا تتفرد هذه الأخيرة بإدارة شؤون الناس بحجة الاستقلالية، إن النتائج غالباً ما تكون مقياس النجاح وإن فشل إدارة النظام المالي والنقدي يدعونا جميعاً للتفكير بأطر جديدة بعيدة عن الأفكار والثوابت الكلاسيكية البالية، فلا محرمات ولا جزر مالية نقدية بعد الآن، فالجميع يجب أن يكون "تحت الغربال" لا سيما المؤسسات المالية والنقدية في البلد.

يلفت موقع "اللبنانية" انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر الّا عن وجهة نظر كاتبه او مصدره.

 

مقالات مشابهة

خاص- هكذا تستهدف إسرائيل قدرات حزب الله

خاص- تغيير الوضع الراهن بين إسرائيل ولبنان: الخيارات الأمريكية

خاص- إيران تستعد للضربة المنتظرة ضد اسرائيل.. تقرير يكشف

خاص- عمليات حزب الله تحولت الى نوعية.. كم عسكري اسرائيلي قتلت؟

خاص- تقارب محتمل بين الإمارات وحزب الله؟

خاص- اقرأوا هذه التفاصيل.. هكذا تستعدّ إسرائيل للحرب مع "الحزب"

خاص- أسلحة أميركية جديدة إلى إسرائيل

خاص- الولايات المتحدة قلقة على لبنان من إسرائيل.. لماذا؟