يومية سياسية مستقلة
بيروت / °19

المحامي الياس سليم طعمه - جرم "التهديد"

Monday, March 29, 2021 2:18:48 AM

بقلم المحامي الياس سليم طعمه


اعتبر المشترع اللبناني أن التهديد جريمة قائمة بذاتها، إضافة إلى أعتباره ظرفاً مشدداً في بعض الجرائم المحددة . وقد حددت المادتين 375و 875 من قانون العقوبات اللبناني الأحكام العامة لجريمة التهديد، كما نصّت على الوسائل التي ترتكب بها هذه الجريمة.

ولم يضع القانون اللبناني تعريفاً محدداً للتهديد، تاركاً مهمة ذلك للحقوقيين ولتقدير المحاكم، لكن يمكن تعريف التهديد بأنه كل فعل من شأنه بث الرعب أو الخوف في نفس شخص آخر من خطر يُراد ايقاعه بشخصه أو بماله أو بشخص يعنيه أمره، ويـكون التهديد مرتـكباً بأحـد الوسائل التي حددها القانون.

ويعتبر التهديد نوعاً من الإكراه الأدبي أو المعنوي، بقصد الحصول على مطلب محدد أو بقصد ازعاج الشخص المهدد والمساس بحريـته الشخصية.

يستلزم لقيام جريمة التهديد وتحققها توافر ثلاثة عناصر أساسية ، هي: الفعل أو السلوك المادي، القصد الجرمي، واستعمال احدى الوسائل التي نص عليها القانون.

وتختلف عقوبة جرم التهديد بأختلاف الوسائل المستعملة والفعل المهدد بأرتكابه، كما انه قد يكون ركناً أو ظرفاً مشدداً لجرم آخر.

عناصر جرم التهديد:

* أولاً: الفعل المادي للتهديد:

لم يحدد المشترع اللبناني الأفعال التي تعتبر تهديداً مكوناً لهذه الجريمة ، فكل فعل أو سلوك من شأنه بث الرعب عند الشخص المهدّد أو إحداث الخوف لديه من جريمة يُراد ارتكابها أو من ضرر يُراد ايقاعه به أو بماله أو بمن يعنيه أمرهم، يعتبر تهديداً معاقباً عليه إذا توفرت فيه الشروط التي تنص عليها المادة 375 وما يليها من قانون العقوبات، فقد يكون التهديد بالكلام الشفهي أو الخطي أو بالإشارات أو بالأعمال أو بغيرها.

إن نوع الجرائم أو الأضرار المهدد بارتكابها لا يؤثر في تحقيق الركن المادي لجريمة التهديد، بل يؤثر في تحديد العقوبة الواجبة التطبيق على فعل التهديد المرتكب. وقد يكون فعل التهديد صريحاً، كما قد يكون ضمنيا" ، ويعتبر التهديد صريحاً عندما يدل صراحة في العبارات الخطية أو الشفهية على ارتكاب جريمة ضد النفس، كالتهديد بالقتل مثلاً أو بالإيذاء أو بغيرها، ويكون التهديد ضمنيا" عندما يتضمن اشارات رمزية مفهومة الدلالة على الفعل المنوي ارتكابه، كارسال صورة سكين  أو بمسدس، إنما يجب أن يكون التهديد معبراً عن نية الجاني في تهديد المجنى عليه ، ويستدل على ذلك من الظروف التي صدر فيها فعل التهديد والأسلوب الذي تم استعماله ونفسية الجاني والمجنى عليه ، ويعود للمحكمة تقدير وقوع التهديد من عدمه بالاستناد الى وقائع كل قضية.

ويجب أن يكون فعل التهديد جدياً مؤثراً في نفسية شخص عاقل، أي من شأنه أن يؤثر في الشخص المهدّد، وهو قد يكون مباشراً عندما يوجه إلى المجنى عليه نفسه، أو غير مباشر عندما يوجه إلى شخص يعنيه أمره، كأن يوجه إلى زوجه أو أولاده أو أقربائه أو صديق ، إنما يجب في هذه الحالة أن يكون من شأن التهديد بث الذعر والرعب في نفس المجنى عليه من الجرم أو الفعل المنوي أرتكابه (كالتهديد بقتل ابن الشخص المهدّد، أو التهديد بإفشاء سر ارتباط ابنته بعلاقة غير مشروعة، أو التهديد بتفجير سيارته أو تخريب محله ).

ولا يشترط وقوع فعل التهديد علانية، بل تعتبر جريمة التهديد واقعة عندما يكون التهديد سرياً وأمكن أثباته أو أمام شهود ولو واحد فقط  لأن ذلك قد يكون كافياً لإلقاء الرعب في نفس المجنى عليه وتخوفه من ارتكابه الجريمة أو الضرر المحدق بنفسه أو بماله أو بمن يعنيه أمره.

ولا فرق في أن يكون لمرتكب التهديد مصلحة شخصية في ما يطلبه أم لم تكن له مصلحة فيه ، ولا فرق كذلك  إذا كان الطلب أو الأمر المُراد تحقيقه من وراء التهديد مشروعاً أو غير مشروع، كأن يهدد رجل امرأة بالقتل إذا لم تتزوجه، أو تهديد مستأجر بالإيذاء إذا لم يقم بإخلاء المأجور لسقوط حقه بالإجارة، أو تهديد فتاة بفعل مناف للحشمة إذا لم تسرق مبلغاً من النقود ، إلا أن الطلب المشروع قد يُعد ظرفاً مخففاً إذا تحققت شروطه القانونية يعود للمحكمة تقريره.

وهنا يجب التنبه جيدا" بأنه إذا قام شخص بأستعمال حق مشروع فلا نكون أمام جريمة تهديد، كأن ينذر شخص آخر برفع دعوى قضائية عليه لأسترداد دينه إذا لم يدفعه خلال فترة محددة فذلك لا يعتبر تهديداً بالمعنى القانوني، بل هو عبارة عن أنذار بوجوب دفع الدين المستحق بذمة المدين.

* ثانياً: القصد الجرمي في التهديد:

يجب أن يتحقق الركن المعنوي في التهديد، وهو القصد الجرمي العام، أي انصراف إرادة الجاني إلى تهديد المجنى عليه مع العلم بما يفعله وما يحدثه في نفس الشخص المهدّد. كأن يكون الجاني مدركاً وقت ارتكابه جرم التهديد أن قوله أو كتابته أو فعله، من شأنه خلق الرعب والذعر في نفس المجنى عليه أو اكراهه على القيام بما هو مطلوب منه أو الامتناع عمّا كان ينوي أن يقوم به، كتهديد شخص بالقتل إذا ما رفع دعوى قضائية على من تعدى على عقاره.
ولا يشترط أن يكون لدى مرتكب جرم التهديد نية تحقيق الفعل المهدد بارتكابه، لأن التهديد جريمة قائمة بذاتها ويعاقب عليها القانون ، فيكفي أن يكون من شأن التهديد التأثير في نفس المجنى عليه، وأن يكون الجاني عالماً بما يمكن أن يحدثه ذلك التهديد.

والقصد الجرمي في جريمة التهديد يعتبر موجوداً متى ثبت أن الجاني أرتكب التهديد وهو مدرك لأثره، من حيث ايقاع الرعب في نفس المجنى عليه وبهدف أكراهه على القيام بعمل أو الامتناع عن القيام بعمل معين، بغض النظر عما إذا كان الجاني قد قصد تنفيذ التهديد فعلاً أو لا.

* ثالثاً: استعمال احدى الوسائل التي نص عليها القانون:

نصت المادة 573 وما يليها من قانون العقوبات اللبناني على الوسائل التي يرتكبها الجاني في جرم التهديد، وهي:

– استعمال السلاح:

نصت المادة 573 عقوبات على أنه «من هدد آخر بالسلاح عوقب بالحبس مدة لا تتجاوز الستة أشهر. وتتراوح العقوبة بين شهرين وسنة إذا كان السلاح نارياً واستعمله الفاعل».

– التهديد بالكتابة:

وتطرّقت المواد 574 و577 و578 عقوبات الى ارتكاب جريمة التهديد بواسطة الكتابة. ويقصد بالكتابة كل محرر أياً كان شكله ونوعه، سواء أكانت الكتابة بخط اليد أم بآلة كاتبة أم بواسطة الكمبيوتر، وسواء أكانت مكتوبة على ورق أم على حائط أم على باب، وسواء أيضاً إذا كانت مسلّمة باليد أو مرسلة بالبريد أو بواسطة الانترنت أو منشورة في وسائل الاعلام، وسواء كذلك إذا كانت موقعة بخط الجاني أو مغفلة الامضاء وفقاً للمادة 574 عقوبات التي اعتبرت التهديد واقعاً «بواسطة الكتابة ولو مغفلة»، حيث يعود للمحكمة تحديد مرتكب الجرم بالاستناد الى الأدلة والبراهين والخبرة والقرائن.

ويعتبر التهديد بالكتابة أشد خطورة من التهديد الشفهي، لأنه يصدر دائماً عن سابق تصور وتصميم ولأنه يتم في هدوء وبعد تفكير عميق بارتكاب فعل التهديد.

- التهديد مشافهة:

أشارت المادتان 575 و578 عقوبات الى وقوع جرم التهديد الحاصل مشافهة، أي بالقول أو بالكلام الشفهي. وهو يكون عادة أقل خطورة من التهديد الخطي، لأنه يرتكب في حالة انفعال نفسي مؤقت عارض لا ينبئ عن خطورة خاصة عند صاحبه، كما قد لا يبعث دائماً على القلق والاضطراب لدى من وجه إليه. لكن هذا التهديد الشفهي يشكل جرم التهديد المعاقب عليه إذا توافرت كافة عناصره القانونية، وقد تكون عقوبته أخف من عقوبة التهديد الخطي.

– التهديـد بواسطـة شخص ثالث:

تطرقت المادتان 574 و577 عقوبات الى هذه الوسيلة. ويقصد بها توسط شخص ثالث في نقل التهديد من الجاني الى المجنى عليه، أي انها تستلزم تدخل شخص آخر ينقل التهديد من الجاني الى المجنى عليه، ويكون ذلك عندما يكلّف الجاني هذا الشخص بإيصال التهديد إلى الشخص المراد تهديده. وقد يكون ذلك التكليف صريحاً بعبارات جازمة بتكليف الشخص الثالث بنقل التهديد إلى المجنى عليه، كما قد يكون ضمنياً عندما يثبت توافر قصد الجاني إيصال التهديد إلى الشخص المهدد عن طريق الشخص الثالث.

ويعود هنا للمحكمة تقدير مسؤولية وعقوبة الشخص الثالث بالاستناد إلى وقائع وظروف كل قضية على حدة.

 

عقوبة جرم التهديد

تختلف عقوبة جرم التهديد باختلاف الوسائل المستعملة والفعل المهدد بارتكابه، وهي:

* الحبس مدة لا تتجاوز الستة أشهر إذا كان التهديد مرتكباً بالسلاح.

* الحبس بين شهرين وسنة إذا كان التهديد بسلاح ناري واستعمله الفاعل (573 عقوبات).

* الحبس من سنة إلى ثلاث سنوات لمن توعد آخر بجناية عقوبتها الإعدام، أو الأشغال الشاقة المؤبدة أو أكثر من خمس عشرة سنة، أو الاعتقال المؤبد، سواء بواسطة كتابة ولو مغفلة، أو بواسطة شخص ثالث، إذا تضمن الوعيد الأمر بإجراء عمل ولو مشروعاً أو بالامتناع عنه (574 عقوبات).

* الحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين إذا لم يتضمن التهديد بإحدى الجنايات المذكورة أعلاه أمراً أو تضمن أمراً، وكان التهديد مشافهة بدون واسطة شخص آخر (575 عقوبات).

* الحبس من شهر إلى سنة إذا كان التهديد بجناية أخف من الجنايات المذكورة في المادة 574 المذكورة أعلاه، وتم ارتكابه بإحدى الوسائل المبينة في المادة نفسها (576 عقوبات).

* الحبس مدة لا تتجاوز ستة أشهر إذا كان التهديد بجنحة، وتضمن أمراً، وكان وقوعه كتابة أو بواسطة شخص ثالث (م577 عقوبات).

* غرامة لا تتجاوز المئة ألف ل.ل. إذا كان التهديد بإنزال ضرر غير محق، إذا حصل بالقول أو بإحدى الوسائل المذكورة في المادة 209 عقوبات، وكان من شأنه التأثير في نفس المجنى عليه تأثيراً شديداً، وبناء على الشكوى (م875 عقوبات).

وقد حددت المادة 209 عقوبات وسائل النشر بأنها:

1- الأعمال والحركات التي حصلت في محل عام أو مكان مباح للجمهور أو معرّض للأنظار أو شاهدها بسبب خطأ الفاعل من لا دخل له بالفعل.

2- الكلام أو الصراخ سواء جهر بهما أو نقلا بالوسائل الآلية بحيث يسمعهما في كلا الحالين من لا دخل له بالفعل.

3- الكتابة والرسوم والصور اليدوية والشمسية والأفلام والشارات والتصاوير على اختلافها إذا عُرضت في محل عام أو مكان مباح للجمهور أو معرّض للأنظار، أو بيعت أو عُرضت للبيع على شخص أو أكثر.

ختاما" لا بد من الأشارة أيضا" بأن القانون اللبناني في بعض الجرائم نص على أعتبار التهديد ركناً أو ظرفاً مشدداً لجرم آخر حيث نص المشترع اللبناني في بعض مواد قانون العقوبات على أعتبار التهديد ركناً أو ظرفاً مشدداً لجرم آخر، من دون أعتبار التهديد جريمة مستقلة قائمة بذاتها ما لم تتوافر في الفعل المرتكب الشروط القانونية اللازمة لقيام جرم التهديد،

ومن أهم هذه الجرائم : جريمة السرقة ، جريمة الأغتصاب ، جرم التعدي على الحقوق والواجبات المدنية، جرائم الفحشاء وأعمال الشدة والحض على الفجور ، جرائم الشدة على القضاة والمحامين وموظفي الأدارة العامة ، جرائم أغتصاب كتابة وتوقيع والتهويل ، جريمة عرقلة حرية البيوع بالمزايدة ، جرائم نزع التخوم واغتصاب عقار.

 

 

 

 

 


يلفت موقع "اللبنانية" انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر الّا عن وجهة نظر كاتبه او مصدره.

 

مقالات مشابهة

خاص- هكذا تستهدف إسرائيل قدرات حزب الله

خاص- تغيير الوضع الراهن بين إسرائيل ولبنان: الخيارات الأمريكية

خاص- إيران تستعد للضربة المنتظرة ضد اسرائيل.. تقرير يكشف

خاص- عمليات حزب الله تحولت الى نوعية.. كم عسكري اسرائيلي قتلت؟

خاص- تقارب محتمل بين الإمارات وحزب الله؟

خاص- اقرأوا هذه التفاصيل.. هكذا تستعدّ إسرائيل للحرب مع "الحزب"

خاص- أسلحة أميركية جديدة إلى إسرائيل

خاص- الولايات المتحدة قلقة على لبنان من إسرائيل.. لماذا؟