يومية سياسية مستقلة
بيروت / °19

الاحتكار : مفهومه، آثاره وعقوبته: دراسة واعداد المحامي الياس سليم طعمه

Monday, March 22, 2021 1:08:33 PM

بقلم الياس سليم طعمه
 

يقصد بالأحتكار كل عمل من شأنه سوء استغلال المركز الاقتصادي للحد من المنافسة المشروعة، بهدف جني أرباح خيالية، وبصورة مخالفة للمبادئ الأساسية التي يقوم عليها السوق بالاستناد إلى قاعدة العرض والطلب.

يمكن تعريف الأحتكار بأنه حبس الشيء أو السلعة والامتناع عن بيعها، رغم شدة حاجة الناس إليها، حتى يرتفع سعرها أو تنقطع عن السوق، وذلك لغرض اقتصادي أو سياسي أو غيرهما.
ويمـكن القول ان جريمة الاحتكار هـي من أكـثر الجرائم قدمـاً وأبـعدها ايغالاً في تاريـخ التبادل التجاري البشري، نظراً لارتباطها بالمعاملات اليومية لكافة الناس المتعلقة بالبيع والشراء للسلع الضرورية والكمالية.

 

المفهوم القانوني للأحتكار:

رغم أن أغلبية التشريعات الداخلية والدولية حظّرت وجود أي نوع من أنواع الأحتكار بصورة مخالفة للقوانين المرعية الاجراء، فقد اختلف المفهوم القانوني للأحتكار في تلك التشريعات ، ومنها الولايات المتحدة الأميركية التي اعتبرت أن القيام بذلك يعتبر جناية يعاقب عليها بالغرامة التي قد تصل إلى مليون دولار للشخص المعنوي ومئة الف دولار للشخص الطبيعي، أو بالسجن مدة لا تزيد على ثلاث سنوات، أو بكلا هاتين العقوبتين على حسب تقدير المحكمة.
أما القانون الأوروبي فقد حظرت اتفاقية السوق الأوروبية إساءة استغلال المركز المسيطر للملتزم أو للمشروع في السوق المشتركة للتأثير على التجارة بين الدول الأعضاء، بقصد بيع أو شراء المنتوجات بأسعار أو بشروط غير عادلة، أو خفض كمية الانتاج إضراراً بالعملاء، أو فرض مراكز تنافسية سيئة على العملاء، أو فرض شروط لا تتفق مع العادات التجارية.
واعتبرت محكمة العدل الأوروبية أن المركز المسيطر هو الذي يؤدي إلى امتلاك مقدرة اقتصادية تمكّن التاجر من تحديد الأسعار أو السيطرة على الإنتاج أو على توزيع جزء كبير من السلع، وإعاقة دخول منافسين إلى السوق نتيجة التأثير البالغ الذي يمارسه التاجر المحتكر.
أما اتفاقية الشراكة الأوروبية وهي الاتفاقية الموقعة في اللوكسمبورغ في شهرحزيران من العام 2002  ، والمتعلقة بالتجارة بين المجموعة الأوروبية والدول الأخرى، والتي وافق عليها لبنان قد حظّرت في المادة 63 من وجود أي احتكار ذي طابع تجاري، أو وجود تمييز بين رعايا الدول الأعضاء، وفرضت على أعضائها أن يعدّلوا تدريجياً أية احتكارات موجودة في ما خصّ شروط شراء السلع وتسويقها.

 

أما القانون اللبناني فقد  حدّد المشترع اللبناني الأحتكار في المادة 41 من المرسوم الاشتراعي رقم 37 تاريخ 1983\9\9 (المتعلق بحيازة السلع والمواد والحاصلات والاتجار بها)، فنصت على أنه يعتبر احتكاراً:
1- كل اتفاق أو تكتل يرمي للحد من المنافسة في انتاج السلع والمواد والحاصلات أو مشتراها أو استيرادها أو تصريفها، ويكون من شأنه تسهيل ارتفاع أسعارها ارتفاعاً مصطنعاً أو الحيلولة دون خفض هذه الأسعار.
2- كل اتفاق أو تكتل يتناول الخدمات بغية الحد من المنافسة في تأديتها ويكون من شأنه تسهيل ارتفاع بدلاتها بصورة مصطنعة أو الحيلولة دون خفض هذه البدلات.
3- كل عمل يرمي إلى تجميع المواد أو السلع أو الحاصلات أو اخفائها بقصد رفع قيمتها، أو غلق مكاتب أو مستودعات لأسباب غير مشروعة بغية اجتناء ربح، لا يكون نتيجة طبيعية لقاعدة العرض والطلب.
وبذلك، يتبين أن المشترع اللبناني منع كل عمل من شأنه الحد من المنافسة بهدف رفع الأسعار أو البدلات أو منع خفضها بغية اجتناء أرباح بصورة غير طبيعية وغير مشروعة.

 

الاستثناءات على قاعدة حظر الأحتكار:

قاعدة حظر الاحتكار لم تأت مطلقة، بل ان المشترع اللبناني اجاز في حالات معينة احتكار بعض السلع والمواد لأسباب لها علاقة بالمصلحة العامة، إلا أنه منع منح أي احتكار إلا بموجب قانون يصدر عن مجلس النواب، فنصت المادة 98 من الدستور اللبناني على أنه «لا يجوز منح أي التزام أو امتياز لاستغلال مورد من موارد ثروة البلاد الطبيعية أو مصلحة ذات منفعة عامة أو أي احتكار إلا بموجب قانون وإلى زمن محدود».
ويعرف هذا النوع بـ «الاحتكار القانوني»، لأنه يستند في وجوده إلى نصوص قانونية تمنح المحتكر حق الانفراد في شراء بضاعة معينة أو إنتاج سلعة محددة أو تقديم خدمة، ويحظر على أي شخص منافسة الممنوح حق الاحتكار القانوني في الموضوع الذي يتناوله ذلك الاحتكار.
وخير مثال على ذلك، احتكار إدارة الريجي في لبنان شراء وصناعة وبيع التبغ ، وكذلك انفراد مؤسسة كهرباء لبنان بإنتاج ونقل وتوزيع الطاقة الكهربائية في جميع الأراضي اللبنانية .

 

 

آثار الاحتكار:

تتعدد الآثار السلبية للاحتكار، وأهمها الحد من المنافسة المشروعة، والسيطرة على النشاطات التجارية، والتحكم بالأسعار عبر رفعها أو منع خفضها، ، وعدم استغلال كافة الموارد الطبيعية والإنتاجية بقصد التحكم بقاعدة العرض والطلب، وسوء توزيع الثروة والدخل، فمن الممكن أن نجد فقراً مدقعاً مقابل ثراء فاحش.

كما قد يؤدي الاحتكار إلى الحؤول دون تبوء أصحاب الكفاءات مجالات العمل نتيجة سيطرة المحتكرين على هذه الأسواق، وقد يصل الأمر إلى درجة التحكم بالشؤون الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في الدول وفي العالم بأسره.
 

مكافحة الأحتكار:

بصدور المرسوم الاشتراعي رقم 37 المذكور آنفا" ، أعطت المادة 71 وما يليها منه مهمة ضبط جرائم الاحتكار وتنظيم محاضر الضبط إلى موظفي مصلحة حماية المستهلك في وزارة الأقتصاد وأفراد الضابطة العدلية المكلفين رسمياً القيام بهذا النوع من العمل.
ويمارس هؤلاء الموظفون الصلاحيات المعطاة لهم في جميع المؤسسات والمحلات التجارية والمستودعات التي تخزن فيها مواد وحاصلات وسلع وفي مؤسسات الخدمات المسعرة.

وفي مطلق الأحوال يحق لهؤلاء الموظفين الاستعانة بقوى الأمن الداخلي كلما دعت الضرورة.
ويحق لموظفي مصلحة حماية المستهلك، المكلفين رسمياً، مطالبة أصحاب العلاقة بتقديم جميع الوثائق والمستندات التي تثبت صحة المعلومات المدلى بها وتضبط المخالفة بموجب محاضر ضبط وفقاً لنموذج معين يحدد بقرار من وزارة الاقتصاد والتجارة في ما يعود لمراقبي مصلحة حماية المستهلك وتُحال محاضر الضبط إلى النيابة العامة الاستئنافية ذات الصلاحية، من قبل رئيس المصلحة بواسطة رئيس مصلحة الاقتصاد والتجارة في المحافظات بعد التأكد من استيفائها الشروط القانونية مع كافة المستندات والإفادات والمعلومات الضرورية المتعلقة بها، أو ترفع للمدير العام في الوزارة في ضوء التدقيق والتحقيق الإضافي عندما ترتئي رئاسة المصلحة حفظ المحضر لتقترن بقرار المدير العام.
وتنظر في جرائم الأحتكار المحاكم الاستئنافية المختصة في المحافظة التي وقعت فيها الجريمة، وتطبق بشأنها أصول المحاكمات الموجزة المتعلقة بالجرائم المشهودة، وتكون أحكامها غير قابلة للمراجعة إلا لتصحيح الخطأ المادي، وفي مطلق الأحوال لا يجوز الحكم بأقل من الحد الأدنى للغرامة ، ويمكن اثبات الجريمة بجميع الطرق القانونية.

 

عقوبة جرائم الاحتكار:

حددت المادة 43 من المرسوم الاشتراعي رقم 37/38 عقوبة جرائم الاحتكار بالغرامة من عشرة ملايين إلى مئة مليون ليرة، وبالسجن من عشرة أيام إلى ثلاثة أشهر، أو بإحـدى هاتين العقوبتـين، وعنـد التكرار تضاعف العقوبة.
وكل ممانعة للموظفين المكلفين بتنفيذ أحكام هذا المرسوم الاشتراعي أثناء قيامهم بوظائفهم، يعاقب عليها بغرامة من مليونين إلى عشرين مليون ليرة، وبالسجن من سبعة أيام إلى ثلاثة أشهر أو بإحدى هاتين العقوبتين، وإذا رافق الممانعة الإهانة أو التهديد أو الاعتداء، تضاعف العقوبة (مادة53).
وكـل من يخفي الوثائق والمسـتندات التي يحـق لموظـفي مصلحـة حمـاية المستهلك الاطلاع عليها، أو يرفض تقديمها، يعاقب بغرامة من مليونين إلى عشرين مليون ليرة، وبالسجن من ثلاثة أيام إلى شهر، أو بإحدى هاتين العقوبتين. وكل تذرع بعدم وجود الدفاتر التجـارية الإلزاميـة أو الفواتيـر يشكل سبباً لتشديد العقوبة (مادة 63).

وتحجز المواد والسلع والحاصلات التي هي من نوع وصنف البضاعة التي ارتكبت بها المخالفة في أي مكان وجدت، ويمكن الحكم بمصادرة الكمية المحجوزة كلياً أو جزئياً حسب الحالة (مادة 40).

ويوضع على المحجوزات خاتم رسمي، وتودع أمانة لدى المخالف أو لدى شخص ثالث على ذمة بت المخالفة. إلا أنه إذا كانت الكمية المحجوزة ضرورية للتموين أو قابلة للتلف السريع، فيقتضي بيعها بمعرفة مصلحة حماية المستهلك، التي تحفظ الثمن حسب الأصول القانونية على ذمة بت المخالفة (مادة14).
وإذا تكررت المخالفة خلال السنة الواحدة يمكن، بالإضافة إلى العقوبات المنصوص عليها في هذا المرسوم الاشتراعي، الحكم بإغلاق المركز التجاري الذي ارتكبت فيه المخالفة، ويمنع مزاولة المهنة خلال مدة تتراوح بين ثلاثة أيام وشهر (مادة 24).




يلفت موقع "اللبنانية" انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر الّا عن وجهة نظر كاتبه او مصدره.

 

مقالات مشابهة

خاص- هكذا تستهدف إسرائيل قدرات حزب الله

خاص- تغيير الوضع الراهن بين إسرائيل ولبنان: الخيارات الأمريكية

خاص- إيران تستعد للضربة المنتظرة ضد اسرائيل.. تقرير يكشف

خاص- عمليات حزب الله تحولت الى نوعية.. كم عسكري اسرائيلي قتلت؟

خاص- تقارب محتمل بين الإمارات وحزب الله؟

خاص- اقرأوا هذه التفاصيل.. هكذا تستعدّ إسرائيل للحرب مع "الحزب"

خاص- أسلحة أميركية جديدة إلى إسرائيل

خاص- الولايات المتحدة قلقة على لبنان من إسرائيل.. لماذا؟