بقلم فيصل طالب

عندما تضرع الأمّهات إلى الله ليحفظ فلذات أكبادهنّ، تنفتح أبواب السماء لأدعية الرجاء الصاعدة إليها من أعماق الروح وصميم القلب والوجدان. وعندما يفيق الفجرمع تفتّح عيونهنّ على لهفة الاطمئنان إلى أبنائهنّ وبناتهنّ، تشرق الشمس في القلوب الحائرة، فتقيم فيها منازل للدفء والرضى، وتندفع غدران البذل وجداول البرّ لتغذّيَ نهرَ الحبّ الذي يجري لمستقرّ له في بحر الخيرات والفضائل.

تُرى كيف ننفذ إلى عيون أمّهاتنا ولا نرى ضوء السماء، وقد تكثّف بريقه في نظرات الحب الذي يغمر الوجود؟!

هل ثمّة عزاءٌ في الحزن أنفذ من عزائها، ورجاءٌ في اليأس أعظم من رجائها، وقوّةٌ في الضعف أقوى من حنانها؟!

أمّي .. أخبريني كيف يمكن لعطفك أن يكون رذاذ الحياة المتجدّدة كلّما شابها الشحوب والكدر؟! وكيف يغفو التعب على صدرك راضياً مرضيّاً؟! وكيف يتوسّدُ خدُّك الصبرَ، فيصير قوّةً لا يدانيها صبرُ العالمين؟!
أمّي .. أخبريني كيف يُطردُ الخوفُ بضمّة، ويُبلسمُ الجرحُ بلمسة، ويُودَعُ الفرحُ بنظرة، ويُستولدُ الرجاءُ ببسمة؟!
أمّي .. أخبريني كيف يمكنك أن تجمعي في حناياك كلّ أبجديّات العطاء، وقُزَحيّات الألوان، وكلّ خصوبة الأرض، وفيء الشجر، ومدى البحر، ورحابة السماء، وقوّة الحصن، وأمان الموئل، ودفْق الينبوع، وضوء الأمل، وضوْع الياسمين، وترياق السقيم، وزاد الحياة؟!
في قلب الأمّ يخفق الحبّ بنبض انتشال القلوب الهائمة على غير هدىً، ونثر الأمل في مواسم الضَنْك، لتنفتح الفضاءات لمن ضاقت بهم الدنيا، أو صاروا شَتاتاً أو شعثاً أو بقايا…!
أمّي.. أوّل وطن، وأوّل وسادة، وأوّل مدرسة، وأوّل معلم، وأوّل كتاب، وأوّل قصّة، وأوّل حبيبة، وأوّل صديقة، وأوّل طوق للنجاة.
أمّي التي يصيرالخريف في زمانها ربيعاً، والاعتكار صفاءً، والقلق رضى، والحزن فرحاً، والوجوم بِشْراً، والظلمةَ نوراً!
أمّي.. وينهزم الكلامُ منكفئاً، وينسحب بذْلُ الآخرين حييّاً، … ويهطل المطر!
دائماً عندما تلهج الأفئدة باسمك، وتُخفض لكِ جَناحَ الذلّ من الرحمة، ينتفض الإحساس برعشة الحياة، … ويهطل المطر!
دائماً من مُزْنِ رِضاكِ يا أمّي يهطل المطر !

* المدير العام السابق لوزارة الثقافة