يومية سياسية مستقلة
بيروت / °31

إذا أُصيب المُشرّعون بأخلاقِهم فلا تُرجي الخيرَ في تَشريعاتِهم

Monday, January 13, 2025 7:56:16 AM

ليس هناك أبشع من أن يُقاطعَ نائبٌ لزميلة له من دون أي موجب، بينما هي تُبدي مُداخلةً تُعبِّرُ فيها بشكل موزون عن رغبتها في التَّصويتِ لمُرشَّحٍ رئاسي ترى فيه خلاصاً للوطن من مأزقه خلافاً لنصِّ دستوريٍّ، متعمِّداً توجيه المَهانة لها على مَرأى ومسمعٍ من العالم أجمَع، حيث كانت مُجرياتُ الجَلسةِ تُتابَعُ عبر فضائيَّاتٍ محليَّةٍ ودوليَّة، فجاءت مُقاطعتُه لها خارجَ الأصول المعتمدة ووضيعةً تافهةً وغير مُبرَّرة مَشحونةً بالكراهيَةِ والسَّفالَة والنَّذالة... ردَّت النائب على ذاك المُتنمّر بكلامٍ يتناسبُ مع ما تعرَّضت له من وقاحةٍ وقلَّةِ أدب، وإن أكَّدت عن تَرفُّعِها عن بذاءةِ التَّعابيرِ التي استعملَها بإشارتِها إلى أنها ترفض أن توجَّه ذاتُ التَّعابير لوالدته أو لشَقيقتِه، إلَّا أنه لم يَعتبِر، وتابع بَرمي ألفاظه الجارِحةِ والتي تنمُّ عما ينضحُ به مَخزونه الأخلاقي والثقافي.
وبغضِّ النَّظرِ عن مدى وجاهَةِ مضمونِ المُداخلةِ التي أبدتها النائب يعقوبيان وغيرها ممن تناولوا دُستوريَّةَ العَمليَّةِ الانتخابيَّة، والأسباب الوجيهةِ التي أملت تَجاوزَ التَّحفُّظاتِ الدُّستوريَّة والسَّير قدُماً بانتخابِ رئيسٍ قادرٍ على انتشال الوطن من المأزق الذي يتخبَّطُ فيه، وخاصَّةً أن انتخاب رئيس للجمهوريَّةِ أصبح حاجةً مُلحَّةً لإنعاش الدَّولة المُتهالكةِ والنُّهوض مُجدَّداً بالوطن.

أن يُقاطِعَ أحدُ النُّواب زميلًا له لأسباب وجيهةٍ أو دفاعاً عن موقِفٍ مقتنع به أمرٌ جائزٌ وإن جاء خارجَ أدبيَّاتِ التَّحاور ولياقاتِ النِّقاشِ إن كان يُعتبرُ سلوكُهُ مُستهجناً، أما أن يتعمَّد المُقاطعةَ لمُجرَّدِ التَّطاول الشَّخصي والتَّشنيعِ وتوجيه الشَّتائم بسيدة بحضور زملائها وهو يعلم بأن الجلسة علنيَّة، فهذا أمرٌ مدانٌ ومرفوضٌ وينبغي ألا يُسكت عنه.
إنها ليست المَرَّة الأولى التي تحصلُ فيها مناوشاتٌ بين أعضاء المجلس النيابي نتيجةَ اختلاف بالتَّوجُّهات، إلَّا أن تكرارِ مُهاوشاتِ نُواب ذكوريين تجاه نوابٍ إناث بفواحِشِ الكِلام يدُلُّ عن ذكوريَّةِ مرضيَّةٍ تستدعي العلاج نفسيًّا وربما جِراحيًّا.
في الواقع إن ظاهرة تبادل الشَّتائمِ بين المُتحاورين في لبنان عامَّةً وخلال مُداولات مجلس الأمَّة لم تكن مألوفة في الحياة السياسيَّة في لبنان قبل عهد الميليشيات، وأولُ بوادِرها كان مع صبيان مُخابراتِ النِّظام السوري البائد، بحيث كان ضُباطُ مُخابراتِه يستعينون بزمرٍ من الشَّتَّامين لترويضِ من يخالف توجيهاتهم، بالتَّطاولِ عليهم عبرَ وسائلِ الإعلام قدحاً وذمًّا وتخويناً، وانتقلت عدوى هذه الظَّاهرة إلى بعضِ الإعلاميين والسِّياسيين، واستساغَها بعضٌ من وسائلِ الإعلام التَّقليدي كما الرقمي لكونها تزيدُ من أعدادِ المُتابعين، وإن كانت تُضرُّ بصورة لبنان الثَّقافيَّةِ والحضاريَّة وتُشوِّه المُمارسَةَ الديمقراطيَّة وخاصَّة في إطارِ أدبيات النِّقاشِ داخلَ النَّدوة البرلمانيَّة، وتؤثِّر سلباً على السُّلوكيَّاتِ الأخلاقيَّةِ للأجيالِ القادمة التي تتابعُ ما ينشرُ من برامجَ حواريَّةٍ ونقاشاتٍ سياسيَّة عبر وسائل الإعلام.
إن العباراتِ الهابِطَةِ التي اعتمدَها المُتنمِّرُ مُستغلًّا حصانته النِّيابيَّة لتعطيل جلسةِ الانتخاب، في الواقعِ أحطَّت من قدرِ مَجلسِ النُّواب ككل تجاه عموم اللبنانيين الذين يرفضون أن يكون بين مُمثليهم أشخاصٌ بهذا المُستوى من الإنحطاط الأخلاقي، وهي تمسُّ جميعَ النُّوابِ الحاضرين باعتبار التَّطاولِ على إحدى زميلاتم تعرُّضٌ لكرامتهم، خاصّةً وأنها لا تَقِلُّ عنهم قَدراً وشأناً وعلماً وحضوراً سياسِيًّا سواء مواقفها أو مُداخلاتها أو مشاريع القوانين التي تتقدّمُ بها، وعليه فإن المَهانَةِ التي وجِّهت للنائب يعقوبيان في الحقيقةِ طاولت جميع النُّوابِ باستثناء فراس حمدان الذين لم يسكت على الإهانة.
أعتقد إنها المرَّة الثَّالثةُ التي أضطرُّ فيها للكتابةِ بهذا الخصوص، رافضاً لهذه السُّلوكيَّات التي تخرجُ عن أدبياتنا كمثقفين، سواء حصلت عبر شاشات وسائل الإعلام أو المواقع الإعلاميَّة الإلكترونيَّة أو داخلَ قاعَةِ مجلِسِ النُّواب أو أيَّةِ مواقع عامَّةٍ أُخرى، لأنها ظاهرةٌ مقيتةٌ ومرفوضَةُ، وينبغي العملُ على عدمِ تِكرارِها والمُحاسبَةِ عليها. وإن كان النَّائبُ مُحصَّناً تجاه المواقف السِّياسيَّةِ التي يطلِقُها تحت قبَّةِ البرلمان، إلَّا أن تلك الحَصانة لا تُعفيه من المُساءلةِ المَسلكيَّةِ من قبلِ المَجلسِ ذاته، وفي مثلِ الحالة التي نحن بصددها ينبغي ألّا يُكتفى بشطبِ كلامه من مَحضرِ الجلسة، كونه لم يؤذن له بالكلام (وفق منطوق المادة 55 من النظام الداخلي للمجلس)، إنما ينبغي مساءلته مَسلكيًّا، وفق منطوق المادَّة 109 من النِّظام الداخلي للمجلسِ والتي تنص على إمكانية اتِّخاذ إحدى التدابير التاليَة: التَّنبيه الشفهي، التنبيه مع تسجيله في محضر الجلسة، اللوم وتسجيله في المحضر، الإخراج من الجلسة، في حال أخلَّة النائبُ بواجبات التَّخاطُبِ والكلام، مع الإشارة إلى أن عقوبات التَّنبيه تقعُ ضمنَ صلاحيَّاتِ الرئيس أما الثلاثة الباقيَة فتستوجبُ اتِّخاذَ قرارٍ من المَجلس.
وبما أن النائب المَصون كان يتصدى بمقاطعته الكلاميَّة لإحدى زميلاته ولم كلامه موجَّهاً للرئيس وفق الأصول، كما أنه تصدّيه لكلامها من دون إذن الرئاسة وبما يخالف البندين 1 و3 من المادَّة 56 من النِّظام الداخلي للمجلس، وامتنع لأكثر من مرَّة عن الاستجابة لإشارات دولة رئيس المَجلس بالسكوت، وكان يمكن للرئيس أن يخرجه من الجلسة أو يمنعَه من حضورِ الجلسات لمدَّة معيَّنة عملاً بأحكام المادة 57 من النظام، ولم يُصر إلى ذلك لاعتباراتٍ نجهلها، لذا نتوجَّه للحريصين على الإلتزام بروحيَّة النِّظام الدَّاخلي لمجلس النُّواب وبأدبيات التَّخاطُبِ خلال المُداولاتِ والنِّقاشات التي تحصل في قاعتِه العامَّة كما على سمعة اللبنانيين عامَّة، أن يتقدَّموا بعريضة لرئاسةِ المَجلِس يطالبون بموجبها بعرضِ ما حصلَ على الهيئةِ العامَّةِ للمَجلس لاتِّخاذِ التَّدبيرِ المَسلكي المُناسب، منعاً من تِكرارِ حالاتِ التَّنمُّرِ وكُلِّ أشكالِ الذَّمِّ والتَّحقيرِ مُستقبلاً.

يلفت موقع "اللبنانية" انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر الّا عن وجهة نظر كاتبه او مصدره.

 

مقالات مشابهة

الخطيب من بعبدا: واثق بأن الرئيس جوزاف عون يحمل الإرادة لتطبيق خطاب القسم

بري: مزاعم إغلاق البرلمان "مختلقة" و"غير أخلاقية"

بالفيديو.. بري ونواف سلام في قصر بعبدا

جمعية تجار بيروت تهنىء رئيس مجلس الوزراء القاضي نوّاف سلام

سلاح دروز السويداء... العقدة المنيعة في وجه سوريا الجديدة

خاص- بكلمة.. هكذا قُلبت الموازين

"ألو من الرياض".. أمير سعودي يعلّق على اختيار رئيس حكومة لبنان

وزارة الزراعة: حملة مشتركة للوزارة وأمن الدولة على أسواق الجملة لمكافحة التهريب