يومية سياسية مستقلة
بيروت / °13
آخر أرقام مصرف لبنان: مستقبل قاتم ينتظر الليرة

Friday, October 22, 2021 10:01:34 PM

اعتاد مصرف لبنان على نشر ملخّص لميزانيّاته على نحو نصف شهري، أي كل خمسة عشر يوماً. وفي هذه الأرقام، يمكن العثور على آخر التطوّرات التي طرأت على قيمة احتياطات العملات الأجنبيّة التي يملكها المصرف، بالإضافة إلى حجم النقد المتداول بالليرة في السوق، وقيمة التزامات وموجودات الميزانيّة.

آخر الأرقام التي جرى نشرها في منتصف الشهر الحالي، تكشف الكثير من المعطيات المقلقة بخصوص الطريقة التي يقوم من خلالها حاكم مصرف لبنان بالخروج من مرحلة دعم الاستيراد، وعلاقة ذلك بالتحولات في حجم احتياطات العملة الأجنبيّة المتبقية، وكمية السيولة الموجودة بالليرة في الأسواق. أما الأهم، فهو ما تؤشّر إليه هذه الأرقام من ناحية المستقبل القاتم الذي ينتظر الليرة اللبنانيّة، بفضل السياسات النقديّة المتبعة حاليّاً.

الإنفاق من الاحتياطات انتهى
حسب أرقام الميزانيّة النصف شهريّة، يتبيّن أن المصرف المركزي لم ينفق من سيولته بالعملات الأجنبيّة خلال النصف الأوّل من هذا الشهر سوى قيمة لا تتخطى حدود 20 مليون دولار. وهو ما يعني من الناحية العمليّة أن المصرف توقّف منذ بداية هذا الشهر عن تأمين الدولارات لاستيراد البنزين والغاز من احتياطاته بشكل تام. أما قيمة الاستنزاف الضئيلة التي ظهرت خلال تلك الفترة، فتعبّر عن حجم السيولة التي ما زال مصرف لبنان يوفّرها لاستيراد بعض أصناف الدواء القليلة، أو تمويل بعض الحاجات الملحّة جداً للدولة اللبنانيّة، التي يفترض أن يتم تمويلها بالعملة الصعبة.

الجانب الإيجابي من هذا التطوّر يرتبط بوقف استنزاف الاحتياطات بشكل نهائي هذا الشهر، بعد أن استمرّ هذا الاستنزاف لغاية الشهر الماضي. فخلال الأشهر الماضية، وحتّى بعد أن تم الانتقال إلى بيع الدولارات لمستوردي البنزين من خلال منصّة مصرف لبنان، وبسعر الصرف المعتمد فيها، استمر مصرف لبنان بتأمين الدولارات المطلوبة للمستوردين من احتياطاته، لتجنّب رفع الطلب على دولارات السوق الموازية بشكل سريع ومفاجئ. أما اليوم، وحسب ما تظهره أرقام النصف الأوّل من الشهر الحالي، فيبدو أن مصرف لبنان انسحب من مهمّة تأمين الدولارات لمستوردي البنزين من احتياطاته كليّاً. وهو ما سمح له بوقف استنزاف السيولة المتبقية لديه بالعملات الأجنبيّة. وهذا التطوّر بحد ذاته يُعد منعطفاً كبيراً في مسار الأزمة النقديّة في لبنان.

لكن، في مقابل هذا الجانب الإيجابي (وقف استنزاف السيولة الدولارية)، ثمّة جانباً مقلقاً جدّاً من ناحية التطورات المرتقبة على صعيد سعر صرف الليرة اللبنانيّة في السوق السوداء. فوقف استنزاف الاحتياطات لتأمين الدولار للمستوردين، يعني في المقابل أن المصرف المركزي بدأ باللجوء إلى السوق الموازية لتأمين هذه الدولارات وبيعها للمستوردين. وهو ما يعني ارتفاع الضغط على سعر صرف العملة المحليّة، ودفع سعر صرف الدولار في السوق الموازية للارتفاع. ومن هذه الزاوية بالتحديد، يمكن الآن فهم أسباب عودة سعر صرف الليرة للهبوط في السوق الموازية بشكل يومي ومتدرّج، منذ منتصف الشهر الماضي. ومن هذه الزاوية أيضاً، يمكن توقّع استمرار الهبوط التدريجي في سعر صرف الليرة طوال الفترة المقبلة، بالنظر إلى حجم الطلب المرتفع والمستجد على الدولار، لتمويل استيراد البنزين.

السيناريو الأخطر: وقف بيع الدولار عبر المنصّة
في كل الحالات، بالنسبة إلى استيراد البنزين، استمرّ مصرف لبنان حتّى الآن ببيع الدولارات من خلال منصّته وبسعر الصرف الخاص بها، ولو أنّه لجأ –كما تظهر الأرقام الأخيرة- إلى تأمين الدولارات التي يتم بيعها من السوق الموازية لا من احتياطاته. وهذه الآليّة مختلفة بشكل جذري عن الآليّة التي تم اعتمادها لاستيراد المازوت، والتي قامت على دفع المستوردين لشراء الدولار النقدي من السوق الموازية بشكل مباشر.

لكن السيناريو الأخطر في المرحلة المقبلة سيتحقق في حال قرر مصرف لبنان وقف الاعتماد على المنصّة كلياً لبيع الدولارات لمستوردي البنزين، ودفع المستوردين إلى شراء الدولار النقدي للاستيراد من السوق بشكل مباشر، تماماً كما يحدث الآن بالنسبة إلى عمليات استيراد المازوت. ففي هذه الحالة، سيكون المصرف المركزي قد أطلق العنان لموجة من الفوضى غير المسبوقة في السوق الموازية، نتيجة اندفاع المستوردين لطلب الدولارات النقديّة بشكل فوضوي وسريع. فحجم عمليات السوق الموازية يُعد ضئيلاً جداً قياساً بكميات السيولة التي تحتاجها عمليات استيراد البنزين شهريّاً. وهو ما سيؤدّي إلى تسابق المستوردين على طلب كميات الدولارات المحدودة المتوفّرة، ولو حدث ذلك على حساب قيمة الليرة في السوق.

عودة إلى خلق النقد
منذ شهر نيسان الماضي، تمكّن مصرف لبنان من إبطاء وتيرة زيادة السيولة المتداولة في السوق بالليرة اللبنانيّة. فمع الارتفاع التدريجي في أسعار الصرف المعتمدة لبيع الدولارات لمستوردي المحروقات، ارتفعت كمية السيولة بالليرة اللبنانيّة التي يدفعها المستوردون مقابل شراء هذه الدولارات، وهو ما سمح للمصرف المركزي بزيادة كمية النقد بالعملة المحليّة التي يمتصّها من السوق من خلال آليات الدعم. ولهذا السبب بالتحديد، تمّ ضبط حجم الكتلة النقديّة الموجودة في السوق بالعملة المحليّة إلى حد كبير خلال الأشهر الستة الماضية، مقارنة بجميع الفترات السابقة. ورغم أن مصرف لبنان استمر بخلق النقد خلال هذه الفترة لأسباب أخرى، كتمويل إنفاق الدولة مثلاً، كان امتصاص السيولة بالليرة بهذه الطريقة كافياً لتقليص الزيادة في حجم النقد المتداول في السوق.

لكن في النصف الأول من هذا الشهر انعكست الآية تماماً، وعاد حجم السيولة المتداولة بالليرة إلى الارتفاع بوتيرة متسارعة. فحسب ميزانيات مصرف لبنان، ارتفع حجم الكتلة النقديّة المتداولة خلال هذه الفترة بنحو 642 مليار ليرة لبنانيّة، وهو ما رفع حجم الكتلة النقديّة الإجماليّة إلى نحو 42346 مليار ليرة. وبذلك، يمكن القول أن مصرف لبنان عاد إلى مسار التوسّع في خلق النقد، وفقد القدرة على ضبط الكتلة النقديّة كما فعل طوال الأشهر القليلة الماضية.

أما سبب هذا التطوّر، فهو ببساطة توقّف مصرف لبنان عن بيع الدولارات من احتياطاته لمستوردي المحروقات، ما عنى توقّف امتصاص السيولة بالليرة من السوق من خلال آليات الدعم السابقة. مع الإشارة إلى أن تأمين الدولارات التي يتم بيعها للمستوردين من السوق الموازية يعني إعادة ضخ الليرات في السوق، بدل امتصاصها كما كان يجري سابقاً. وهكذا، ومع استمرار مصرف لبنان بطبع الليرة لتمويل نفقات الدولة، وتمويل سحوبات المودعين بالليرة من الودائع المدولرة، وبعد توقّف مصرف لبنان عن امتصاص الليرات من السوق، عادت الكتلة النقديّة المتداولة بالليرة إلى التوسّع من جديد من دون أي ضوابط. وهذا بالتحديد ما ظهر في الميزانية النصف الشهريّة التي نشرها المصرف.

الضغط على الليرة
مجدداً، ستكون النتيجة الطبيعيّة لهذا التطوّر الضغط على سعر صرف الليرة اللبنانيّة، ودفع سعر صرف الدولار إلى الارتفاع في السوق الموازية. فأي زيادة في كمية السيولة المتداولة بالليرة في السوق، ستنعكس لاحقاً في زيادة الطلب على الدولار الأميركي، إما للاستيراد من الخارج عبر الاستهلاك، أو للإدخار. ومع انسحاب مصرف لبنان كلياً من مهمة تأمين الدولارات لمستوردي المحروقات، سيكون المصرف قد فقد أهم أداة كانت تسمح له سابقاً بالتدخّل في السوق للجم حجم الكتلة النقديّة، وهو ما سيصعّب على المصرف مهمّة ضبط سعر الصرف في السوق الموازية.

كل هذه التطورات تدفعنا إلى التشاؤم في كل ما يتعلّق بمستقبل سعر صرف الليرة اللبنانيّة، في ظل غياب أي خطة واضحة لدى مصرف لبنان لتفعيل منصّة التداول بالعملات الأجنبيّة، وجعلها أداة قادرة على استيعاب جميع عمليات السوق الموازية. باختصار، ما ندفع ثمنه اليوم لم يعد كلفة الخروج من مرحلة دعم استيراد السلع الأساسيّة فقط، بل عدم وجود سياسة نقديّة متزنة ومدروسة، ومتكاملة مع خطة ماليّة شاملة تتبناها السلطة التنفيذيّة. ومع كل تأخّر في صياغة هذه الخطة والتوافق عليها مع حاكم مصرف لبنان، تتأخّرالبلاد أكثر في تعامل مع أخطر أوجه الأزمة، المتعلّق بسعر صرف الليرة وقدرة الأجور الشرائيّة.

المدن

يلفت موقع "اللبنانية" انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر الّا عن وجهة نظر كاتبه او مصدره.

 

مقالات مشابهة

حركة الأسواق التجارية خجولة!

ارتفاع سعر الذهب بشكل جنوني!

لماذا تتعمّد شركة توتال تأخير تقرير الحفر بالبلوك 9؟

"الزومبي»:شبح سلبي يعبرعن واقع المصارف في لبنان

بالتعاون مع وزارة الاتصالات اختتام النسخة السابعة من مسابقة هواوي لتقنية المعلومات والاتصالات في لبنان

"مشروع وطن الإنسان" احذروا إحياء الشوائب..

بروتوكول تعاون بين جمعية بيروت بخير وجامعة بيروت العربية لتوفير الخدمات الصحية للمرضى المحتاجين

جمعية تجار صيدا أعلنت فتح الأسواق ليلا بدءا من الإثنين وحتى ليلة عيد الفطر