يومية سياسية مستقلة
بيروت / °13

هل تعاني باريس الانفصام السياسي في لبنان؟ الفرنسيون يريدون معاقبة الفاسدين فيأتون بميقاتي رئيسا!  

Wednesday, August 11, 2021 4:56:03 PM

خاص اللبنانية

يحتار المراقبون في فهم حقيقة الموقف الفرنسي من الازمة اللبنانية خصوصا منذ ان طرح الرئيس ايمانويل ماكرون مبادرته الشهيرة لحل هذه الازمة اثر انفجار مرفأ بيروت في 4 آب 2020 . فهذا الموقف يعتريه تناقض غريب عجيب الى يصل الى حدود الانفصام في تعاطيه مع القضايا الللبنانية ومع افرقاء الازمة.

فمنذ ان طرح ماكرون مبادرته، بل وقبيل طرحها، يحمل الفرنسيون على المنظومة السياسية اللبنانية ويتهمونها بالتسبب بالانهيار المالي والاقتصادي وحتى السياسي الذي اصاب لبنان نتيجة الفساد الذي امتهنته على مدى عشرات السنين، الى ان درجة انهم، اي الفرنسيين، وكل المانحين، قدموا مساعداتهم المادية والاغاثية الى منظمات المجتمع المدني لتتولى تقديمها مباشرة للمنكوبين والمتضررين من الانفجار، ولم يسلموها  للأجهزة والادارات المختصة في الدولة اولا ً لعدم ثقتهم بها وبالمنظومة السياسية الحاكمة، وثانيا لخشيتهم من ان لا تصل هذا المساعدات الى مستحقيها وإنما تصل الى  المحسوبين على هذه المنظومة بكل احزابها وقواها السياسية التي لا يستبعد عنها ان تجيير هذه المساعدات لخدمة مصالحها الخاصة والسياسية والانتخابية المهددة فعليا من الحراك الشعبي الناقم عليها.

ولقد حرص الفرنسيون منذ البداية على الفصل بين قوى المجتمع المدني التي انخرطت في الحراك الشعبي وبين الدولة والمنظومة السياسية التي تتهمها بالفساد وبالتسبب بإنهيار لبنان ماليا واقتصاديا ومعيشياً. ولكن لوحظ ان هذا الفصل راح يتلاشى أولاً مع فشل أو إفشال الدكتور مصطفى اديب في تأليف الحكومة. وثانيا، التعثر وتاليا الفشل في تأليف الحكومة ايام تكليف الرئيس سعد الحريري الذي اعتذر عن المهمة الشهر الماضي على وقع تلويح فرنسي واوروبي منذ تكليفه بفرض عقوبات على معرقلي حل الازمة اللبنانية بدءا بتأليف "حكومة المهمة" التي نصت عليها المبادرة الفرنسية. 

والآن بعد تكليف الرئيس نجيب ميقاتي تأليف الحكومة وشيوع ان الفرنسيين يدعمونه وانهم لعبوا دورا بارزا على الصعيدين العربي والدولي في تسويقه لهذه المهمة، فانهم دفعوا كثيرين الى التساؤل عن سر ذلك التناقض في مواقفهم والانفصام في شخصيتهم السياسية لبنانيا. فبينما هم يعملون ويلوحون بفرض عقوبات على المنظومة السياسية اللبنانية لتعطيلها حل الازمة عبر "حكومة مهمة" تنفذ الاصلاحات التي وردت بنودها في المبادرة الفرنسية، اذ بهم يدعمون وصول ميقاتي وهو احد اركان هذه المنظومة المتهمة بالفساد الى رئاسة الحكومة الموقع الثالث في هرم السلطة اللبنانية، ما يعني ان كل كلامهم المعارض لهذه المنظومة هو مجرد كلام لن يقدم ولن يؤخر في معالجة الازمة ومكافحة الفساد والمفسدين. علما ان نظرة الى نوعية العقوبات التي يلوح الفرنسيون والاوروبيون بفرضها على قيادات لبنانية رسمية وسياسية من مثل منعهم من السفر الى الدول الاوروبية يظهر انها عقوبات لن يكون لها اي فعالية وبالتالي فإن الفرنسيين وربما الغربيين عموما يريدون الضغط على اركان هذه المنظمة رغم ادراكهم لفسادها بغية اخضاعها لارادتهم ودفعها الى العمل ضمن السياق الذي يخدم مصالح فرنسا والدول الغربية  في لبنان وربما في المنطقة.
ولذلك لن يطول الوقت حتى يبدأ الحراك الشعبي ومعه كل منظمات المجتمع المدني الثائرة على المنظومة السياسية بتوجيه الانتقاد الى الفرنسيين ومبادرتهم بسبب تعاملهم مع المنظومة الفاسدة والمساهمة في ابقائها في السلطة، لان ميقاتي في حال شكل حكومة فإنه سيكون ملزما بحماية القوى الفاسدة التي سمته لرئاسة الحكومة وعين لها وزراء في الحكومة، ما يعني ان اقامة المنظومة السياسية وفسادها في السلطة وادارات الدولة ستستمر حتى الى ما بعد الانتخابات النيابية في ربيع السنة المقبلة لأن الفاسدين لا يمكن ان يحاسبوا انفسهم او بعضهم بعضا.

ولقد توسّم اللبنانيون خيرا من المبادرة الفرنسية ومن "طحشة" ماكرون "الاصلاحية" في اتجاههم، ولكنهم بعدما تبين لهم ان الفرنسيين هم من ساهم في تأمين تسمية ميقاتي لتشكيل الحكومة خلفا لسعد الحريري، قرأوا المكتوب من عنوانه، وبدأوا يفقدون الامل في الخلاص من الازمة ومن المنظومة الفاسدة. بل تبين للبنانيين ان الفرنسيين والاوروبيين وعلى عكس ما يعلنون من مواقف تهاجم القيادات والقوى السياسية التي تعرقل حل الازمة اللبنانية، مستعدون للتعامل والتعايش مع منظومة الفساد اللبناني الى امد طويل وان كل ما يقومون به في هذا الاتجاه الآن انما يهدفون من خلاله الى بناء مصالح جديدة مع هذه المنظومة للمستقبل.
ولذلك يردد بعض السياسيين الظرفاء هذه الايام مقولة: "اذا ألّف ميقاتي الحكومة فتلك مصيبة واذا لم يؤلفها  فالمصيبة اعظم"... المصيبة الاولى ان هذه الحكومة لن  تكون الحكومة الانقاذية الموعودة وانما ستكون حكومة الحفاظ على الفاسدين وحمايتهم. والمصيبة الثانية ان عدم تأليف الحكومة الانقاذية وبقاء البلاد تحت رحمة حكومة تصريف الاعمال الفاقدة الصدقية سيؤدي الى مزيد من الانهيار بما يهدد المجتمع كله والكيان بخطر الزوال.
 

يلفت موقع "اللبنانية" انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر الّا عن وجهة نظر كاتبه او مصدره.

 

مقالات مشابهة

خاص- لماذا ينتخب الثنائي مرشّح باسيل؟

خاص- احتفالات أحد الشعانين عمت لبنان.. ماذا عن أسعار الشموع والملابس؟

خاص- هل ضغط "التيار" أدى إلى تراجع الحكومة؟

خاص- أدوية خطيرة تغزو السوق.. انتبهوا!

الخازن لـ"اللبنانية": النافعة بجونية ستفتح بوقت قريب

خاص- حرب الجنوب.. مخاطر تداعيات لا يمكن التنبّؤ بها

خاص - اقترب الحل... وينتظر اختيار رئيس الحكومة

خاص- إسرائيل مستعدة لحرب الأثمان الباهظة