بقلم المحامي لوسيان عون - كاتب ومحلل سياسي


إن كان فريق العهد سيتجرع سم القبول على مضض بتكليف نجيب ميقاتي لترؤس الحكومة العتيدة ،فإن مسيرة الرجل الذي عانى ما عاناه قبل وخلال وبعد ترؤسه حكومة اللون الواحد الشهيرة منذ عقدين، وهو المطلع عن كسب على مجريات اللعبة السياسية، كما انه العالم من الباطن السني ماذا يريد العماد عون وفريقه تحديداً وهو المنتظر لينقض على دستور البلاد رغم حلفه اليمين على تطبيقه.
الرئيس ميقاتي سيسير على درب مكللة بالالغام والمتفجرات. واليوم يضاف لهذه الالغام النيترات نفسها التي انفجرت في ٤ آب لكنها لم تتحلل بل بقيت تداعياتها جاسمة في كل يوم تنفجر في اروقة قصر العدل وفي ساحة الشهداء وفي مبنى إطفائية بيروت وفي كل لبنان، حيث ارواح شهداد ذاك اليوم المشؤوم تنادي الضمائر وتهز عروش المسؤولين ممن لم يتصوروا أن قوام هذه الكراسي ستتزعزع يوماً وما خشيتهم من المحاسبة الا خير دليل على ذلك.
ماذا ينتظر الرئيس إن كلف قريباً : - ينتظره اولا صندوق النقد الدولي لرفع الدعم كلياً عن المحروقات والدواء والطحين وكل ما لا يزال مصرف لبنان يدعمه حتى الساعة وهذا ما سوف يفجر غضب الشارع في أقوى من ثورة ١٧ تشرين لطالما لن تتحمل الاوضاع الاجتماعية والاقتصادية زيادة ليرة واحدة على رواتب الموظفين وبالاخص القطاع الخاص الذي شارف على لفظ أنفاسه
- تنتظره معارك طائفية ومذهبية وحزبية للمحاصصة وتقاسم الحقائب الوزارية كالعادة، وهو سوف يكون رهينة مواقف متشددة لدار الفتوى ولنادي رؤساء الحكومات السابقين أبرزهم الرئيس الحريري الذي سينتهزها فرصة للانتقام من فريق رئيس الجمهورية
- سيكون في مواجهة رئيس الجمهورية الذي وجد في اعتزال الحريري انكساراً للسنة ولن يختلف مواجهة ميقاتي عن مواجهة الحريري في الاصرار على تخطي صلاحياته كتلك التي استخدمها خلال الاشهر الماضية من تفعيل عمل مجلس الدفاع الاعلى واتخاذه سلطة بموازاة السلطة التنفيذية ، ناهيك عن تمسك عون بالثلث المعطل وفرضه على ميقاتي وهنا لب المعضلة السياسية وقمة المواجهة فيما تبقى من اشهر قبيل انتهاية العهد الحالي ما يراه رئيس الجمهورية فرصة سانحة للتحكم بقرارات مجلس الوزراء وتعطيلها تمهيداً لتحسين وضع مرشحه للعهد المقبل جبران باسيل وهو ما يراه المكسب الفيصل في معركة الوجود السياسي بالنسبة له في مواجهة المجتمع الدولي الضاغط بعقوباته وإجراءاته السياسية والدبلوماسية والميدانية في الداخل اللبناني.
- سيكون بمواجهة الثوار الذين اعادوا فتح ملفاته القضائية التي شهرها في وجهه فريق العهد نفسه قبل ان تنام في ادراج قصور العدل، فاستعادوا الابراء المستحيل والشعارات الزائفة التي تحللت مع تبدل السياسات وفق المصالح والاهواء، كما استعادوا تاريخ احياء التسويات، وهم وجدوا في التسوية الجديدة مع الرئيس ميقاتي دفناً لشعار مكافحة الفساد في مهده، وها هي الفرصة الجديدة التي كان يفترض بفريق العهد استغلالها عبر تشكيل حكومة من الاختصاصيين تتبدد ،ويعاد تركيب المحاصصات بالحقائب والطوائف وتوزيع قالب الجبنة بين الموالين فيتعايش الفاسدون في خلال ما تبقى من اشهر لعمر العهد، وتذهب فرص الاصلاح والتغيير مع الريح، لتتجه الانظار الى آخر امل باجراء انتخابات في الربيع المقبل تحمل بعض الامل في تغيير مرتقب رغم ان امل التوافق على تشكيل حكومة محاصصة يقارب الصفر في جو ملبد يسابقه انفجار ازمة معيشية خانقة غير مسبوقة مع اختفاء الدواء والبنزين والمازوت والرغيب... وحتى الليرة اللبنانية التي تلاشت قدراتها على اعتاب مخازن المواد الغذائية والصيدليات.
ربما تنتظر اللبنانيين اشهر من أصعب الحقبات إلى حين يأتي ترياق من بعيد. والى ذاك الحين لم يبق الا الصلاة..... وفقط الصلاة والدعاء لله.