يومية سياسية مستقلة
بيروت / °19

عن "السياسة" في لبنان وبديلها في "مشروع وطن الإنسان"

Tuesday, July 20, 2021 9:33:42 AM



أنطوان العويط – النهار


اجعلوا السياسة فنّاً شريفاً في خدمة الإنسان ولبنان.
لماذا؟
لأنّه أوّلاً، ليس من سياسة في لبنان ولا مشروعاً سياسيّاً ولا مشروعيّة لأيّ عمل سياسيّ، إذا لم يكن في أساس تكوينه وعلّة وجوده، تطوير مستوى حياة الإنسان وتحقيق كرامته البشريّة. ولأنّه ثانياً، لا سياسة ولا سياسيين في لبنان، إذا لم يكن المشروع الأساس ليس تخفيف أوجاع المواطنين فحسب، بل البحث عن سعادتهم المطلقة.
كلّ شيء سوى ذلك، ودونه، يكون لخدمة المصالح الصغيرة والمآرب الشخصيّة. وخارج نبل هذا الهدف، مافيا تنهب لبنان وإنسانه. أقول أكثر، عربدة وابتزاز واستكبار وإرهاب وتدمير وقتل وموت.
أتدرك معظم الطبقة السياسيّة المعلومة التي تتباهى باحترافها "السياسة"، أنّها في امتحان التقييم لا ولن تحوز على درجة المراهقة؟ في الواقع، لن أتحدّث علانيّة عن تصنيفها لدى الإنسان اللبناني، فقد أتعرّض للمراجعة القضائيّة بجرم القدح والذمّ وتشويه السمعات! عليه، سأكتفي بالتوصيف المعتمد بين الدول على ألسنة مسؤوليها، وفي الصحافة العالميّة، ولدى مؤسّسات الرصد والأبحاث والمنظمّات الأمميّة، والتي مجتمعة، ولياقة وتهذيباً ودبلوماسيّة، تقيّمها ما دون المراهقة. لا بل إنّها في القعر، لا بل تحت القعر.
عندما تمتهن "السياسة" فعل سرقة وقتل لبنان نفسه، بإنسانه، وبكلّ مَن فيه، وبما فيه، وعن بكرة أبيه، من قبل منظومتها المحترفة التي توحّدت على فعل السرقة والقتل، وبمعظمها ودون تعميم، ولو تعدّدت مشاربها أو تنافرت وتعادت ما بينها... لا يمكن لها - هذه "السياسة" - أن تكون هي السياسة، بل دون السياسة، بل خارجها، بل نقيضها على الإطلاق، وضدّ الوطن وإنسانه.
هل من جديد في تبيان هذه الواقعة اليقينيّة، التي جعلت أبشع أنواع السياسيّين وأقذرهم وأكثرهم دناءةً وانعدام أخلاق يحكمون لبنان؟ طبعاً لا.
وعليه، ما هي السياسة إذن؟

شرعة السياسة

السياسة في جانب من عملها ومفهومها، تستند إلى شِرْعات (جمع شرعة) نشأت، بعد نزاعات محلّية داخليّة أو جرّاء حروب، في قالب من المبادئ العامّة والقوانين المحليّة أو ضمن اتفاقات إقليميّة أو معاهدات أو قوانين دوليّة.
تشرح هذه الشِرْعات حاجة كل جماعة بشريّة إلى سلطة تنظّم شؤونها وتؤمّن خيرها العام من خلال ممارسة العمل السياسي. وتذكّر أصحاب السلطة بأن ممارستهم لها تخضع للشريعة الأخلاقيّة وللقيم الإنسانيّة، مع الالتزام بقضيّة السلام القائم على العدالة والمصالحة والغفران، وتحاشي الفوضى الأدبيّة والسياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة.
كما تفصّل ما يجب أن تكون عليه الممارسة السياسيّة كي لا تنحرف عن جوهرها وأهدافها ودورها في خدمة الانسان والمجتمع. وتوضح للمسؤولين واجباتهم العامّة وتضعهم أمامها وتدعو إلى محاسبتهم على أساسها، كما تضع أيضاً المواطن أمام مسؤوليّاته في حسن الإختيار الديمقراطي وواجب المساءلة...

...والسياسة علم

والسياسة في جانب آخر منها، علم يدرّس في الجامعات. يختلط فيه بسياق مترابط ومنتظم، المعنويّ بالواقعيّ، والقيميّ بالرقميّ، والأخلاقيّ بالعمليّ.
ففي مؤشّرات الدول مثلاً عن هذا الاختلاط الخلاّق ومدى نجاح السياسيين أو فشلهم في القيادة، نجد مؤشّر المرونة في اتخاذ القرارات وسرعتها، ومؤشّر الحريّة الاقتصاديّة، ومؤشّر الدولة الهشّة، ومؤشّر الاستقرار السياسي، ومؤشّر السعادة العالميّة، ومؤشّر استدامة منظّمات المجتمع المدني، ومؤشّر الاستدامة البيئيّة، ومؤشّر إدراك الفساد، ومؤشّر التنميّة البشريّة، ومؤشّر حرّية الإنسان، ومؤشّر التنمية بين الجنسين، ومؤشّر عدم المساواة بين الجنسين، ومؤشّر الصحّة العالميّة، ومؤشّر جودة الحياة، ومؤشّر المرأة والسلام والأمن...
وفي ترتيب الدول من المتفوّقة إلى الناجحة مروراً بالمقصّرة وصولاً إلى الفاشلة، قياسات حول قدرتها التنافسيّة، ورأس مالها الطبيعيّ، ورأس المال الفكريّ، وواقعها الثقافي والفنّي، وكفاءة الموارد وكثافتها، وكفاءة الحوكمة والتماسك الاجتماعيّ، والحكم الديمقراطي الجيّد، والمشاركة والتمثيل الصحيح ونزاهة الانتخابات، والاستجابة، والكفاءة والفعاليّة، والكفاءة والقدرة، والانفتاح والشفافية، وحكم القانون، والسلوك الأخلاقيّ، والابتكار والانفتاح على التغيير، والاستدامة والتوجيه الطويل المدى والتخطيط، والإدارة الماليّة السليمة، وحقوق الانسان، والتنوّع الثقافيّ ، والتماسك الاجتماعي، والمحاسبة...

المطلوب

أيجوز السؤال بعد هذا العرض عن موقع لبنان من الشٍرْعات السياسيّة الأخلاقيّة والإنسانيّة والقانونيّة، أو واقع تصنيفه بفضل "سياسييه" وفق المؤشّرات العلميّة وترتيبه بين الدول؟!
ما المطلوب وما البديل إذن؟
المطلوب بات واضحاً في لبنان. نحن بحاجة إلى مشروع يعيد تشييد جمهوريّة الإنسان والحرّية والرسالة والسيادة في لبنان، على القواعد القيميّة، وأيضاً على مرتكزات الشِرْعات السياسيّة والمؤشّرات والبيانات والقياسات العالميّة والعلميّة المذكورة أعلاه.
في هذا الإطار، أُطلق قبل أيام "مشروع وطن الانسان"، وفّق الله من كانوا وراءه. فهو مشروع يلتزم بناء دولة المؤسّسات المنتجة والرّائدة، ودولة الخدمات المتفوّقة. الإنسان أوّلاً في كرامته وسعادته وازدهاره هو جوهر هذا المشروع. وغايته بيئة حاضنة للتجديد في العقد الوطني، الذي يضمن حقوق المواطن، وموجبات المواطنة، ويحفّز الإنتاجيّة والحداثة والفرص المتساوية.
وهو مشروع يصون قيم الحرّية والكرامة البشريّة وتأمين الحقوق والواجبات. حيث تفرض هذه القيم الفرديّة والجماعيّة التجديد في العقد الاجتماعي بين كافّة اللبنانييّن وتجاه وطنهم، ضمن دولة مدنيّة حديثة، أركانها الاستقامة وتكريس المواطنة حقوقاً وواجبات.
ومن خلال هذه القيم، يتخطّى العيش المشترك مستوى التساكن بين المجموعات اللبنانيّة، ليصبح نمط عيش منتجاً ومنسّقاً، يقوم على خلق القيمة المضافة وتحقيق ملء الذات واحترام الغنى في التنوّع.
يؤمّن هذا النمط مشاركة حقيقيّة فعّالة لجميع اللبنانيين في مختلف الشؤون الوطنيّة، مشاركة شاملة غير مجتزأة، تبتعد عن الجهل والزبائنيّة والأنانيّة.
وتقدّم هذه القيم للإنسان فرصة التواصل والتفاعل ضمن احترام الخصوصيّات. وتؤهّل الوطن من خلال سيادة غير منتقصة ليكون نموذجاً حضاريّاً في صون كرامة الفرد والجماعات، وتثبيت الانسجام بين الحريّة التي هي في أساس فكرة لبنان، وبين العدالة القائمة على المساواة في الحقوق والواجبات وحماية الضعيف والفقير.
إنّه المشروع العلمي الرصين المتخصّص، الذي يؤمن بمبادئ الحداثة والإنتاجيّة والازدهار والفرص المتساوية، ضمن اقتصاد وطنيّ حرّ، تأميناً لبيئة حاضنة تحفّز بناء دولة المؤسّسات المنتجة والرائدة ودولة الخدمات المتفوّقة.
وهذه المبادئ أساسيّة في مسار بناء الدولة المدنيّة الحديثة، وللوصول إلى منظومة رقميّة تبتعد عن التخلّف والجهل والفساد، وتواكب الحداثة إلى أبعد الحدود وفي مختلف المجالات والقطاعات.
تساهم هذه المبادئ في تأمين فرص متساوية أمام المواطنين في مجالات العمل وإطلاق المبادرات. كما تتفاعل مع مستجدّات العصر، وعليها تُطلَق مشاريع تنمية ضمن عمليّة إصلاح واسعة النطاق، مع خطط جادّة للإنماء الاجتماعيّ والاقتصاديّ والفكري، فتشكّل في تكاملها هوّية خلاّقة للبنان الجديد.
تترجم ثمرات هذه المبادئ بارتفاع مستوى حياة المواطنين، وفي شبكة أمان اجتماعيّة، وفي اقتصاد منتج ومتين، وفي بنى تحتيّة متطوّرة، وفي بيئة مدنيّة وطبيعيّة مثلى، وكلّ ذلك وفق خطط مدروسة على أيدي حكماء وخبراء وقانونيين واقتصاديين وفنيين وبيئيين ورجال فكر وعلم وثقافة... في أكثر من خمسين موضوعاً، تؤمّن الدخول اللائق لأجيالنا في القرن الواحد والعشرين وإلى ما بعده، على أسس الكفاءة والاحتراف والاستقامة، فيتألّق لبنان بالإبداع والازدهار المستدام.
باختصار وإيجاز، هذا واقع "السياسة" في لبنان وبديلها، في "مشروع وطن الإنسان".

يلفت موقع "اللبنانية" انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر الّا عن وجهة نظر كاتبه او مصدره.

 

مقالات مشابهة

خاص- هكذا تستهدف إسرائيل قدرات حزب الله

خاص- تغيير الوضع الراهن بين إسرائيل ولبنان: الخيارات الأمريكية

خاص- إيران تستعد للضربة المنتظرة ضد اسرائيل.. تقرير يكشف

خاص- عمليات حزب الله تحولت الى نوعية.. كم عسكري اسرائيلي قتلت؟

خاص- تقارب محتمل بين الإمارات وحزب الله؟

خاص- اقرأوا هذه التفاصيل.. هكذا تستعدّ إسرائيل للحرب مع "الحزب"

خاص- أسلحة أميركية جديدة إلى إسرائيل

خاص- الولايات المتحدة قلقة على لبنان من إسرائيل.. لماذا؟