يومية سياسية مستقلة
بيروت / °19

سيادة القانون أولا...

Friday, July 16, 2021 11:48:34 AM

كتب أديب ابي عقل
اعتذار الرئيس المكلَّف سعد الحريري عن عدم تأليف الحكومة، وهو ما كان متوقعاً، نظراً إلى العناد والمكابرة والتشبّث بالمواقف حيال التأليف شكلاً وأشخاصاً وتعييناً، سيترك بطبيعة الحال ارتداداته على المرحلة المقبلة المباشرة، بدءاً من الاستشارات النيابية الملزمة، مروراً بتسمية من ترسو عليه هذه الاستشارات، وصولاً الى التأليف، وهنا العقدة الكأداء وبيت القصيد.

فالخواتيم التي بلغتها مرحلة تكليف الحريري، ستكون بداية صعبة لمسيرة الرئيس المكلف المقبل، الذي لن يكون في مقدوره الخروج عن الخط البياني المرسوم من الحريري، وقد تكتّل حوله رؤساء الحكومات السابقون، تحت قبة دار الفتوى وغطائها، وما لذلك من صلة بالواقع الميثاقي، الذي ينقل البلد، في حال تجاوزه، إلى مرحلة أكثر غموضاً وأشدّ خطورة.

ويصاحب ذلك كلّه، ضغط دولي، طلائعه وتباشيره ظاهرة ومباشرة في الزيارات الدولية للبنان، والمواقف التي يطلقها الموفدون والزوار، حيال الطبقة السياسية اللبنانية، وتحميلها المسؤولية المباشرة عن تردّي الأوضاع المعيشية في شتّى متطلبات الحياة اليومية، نتيجة فشلهم في تأليف السلطة التنفيذية في البلد، كي يستطيع المجتمع الدولي، ببلدانه المهتمّة والمعنية، وهيئاته ومنظماته، مساعدة الشعب اللبناني، من خلال حكومة قائمة، لا يهتم هذا المجتمع بشكلها، وتوزيع القوى في داخلها من تسميات أو "حقوق" أو ثلث معطِّل، مع العلم أنّه يركّز على أن يكون أعضاؤها اختصاصيين حسني السيرة والمسيرة، ونظيفي الكفّ والسمعة، لأنّ مهمّتهم إنقاذية إصلاحياً واقتصادياً، وتؤسّس لإجراء الاستحقاقات الانتخابية المقبلة في مواعيدها الدستورية، تكون بداية للمرحلة السياسية الجديدة التي تلي الانتخابات.

وعلى بُعد أقلّ من ثلاثة أسابيع من الذكرى الأولى لانفجار أو تفجير المرفأ، وما يرافق هذه الفترة من تصرّف مدان لبعض المسؤولين، تجاه الأهالي المفجوعين من هذه الجريمة، الغاضبين من عدم امتثال المستدعين إلى التحقيق في الجريمة-الكارثة، يبقى إصرار المحقق العدلي على متابعة الملف، واستدعاء من يجب استدعاؤه، نقطة مضيئة في ليل لبنان الحالك والدامس، وجذوة أمل في أنّ في الإمكان الوصول إلى وقت يثق فيه اللبنانيون بقضاءٍ لبناني حرٍّ مستقل.

ذلك أن "العنتريات" ومواقف اللامبالاة لبعض السياسيين الذين تمّ استدعاؤهم للمثول أمام القضاء، لا تنفي ضلوعهم مباشرة أو غير مباشرة، سواء تقصيراً أو إهمالاً، في المسؤولية عن استشهاد أكثر من مئتي مواطن لبناني بريء، ودمار ثلث "ست الدنيا". والمسؤولية مضاعفة من خلال إدارة المستدعين ظهورهم لطلب القضاء، واتّباع سياسة دفن الرؤوس في الرمال لدى البعض، وإطلاق مواقف دونكيشوتية من البعض الآخر، زادت في الشعور لدى الرأي العام، بمسؤولية هؤلاء عن هذه الكارثة.

لأنّه لو كان لديهم الإحساس بالبراءة وعدم المسؤولية في ما حصل، لكانوا امتثلوا للقضاء والقانون، وخرج البريء منهم مرفوع الرأس، وتحمّل من ثبت تورطه مسؤولية تصرفاته من خلال موقعه في المسؤولية في تلك المرحلة.

فسيادة القانون من خلال القضاء، تبقى العنوان الأول للإصلاح ومحاربة الفساد المعشّش في نفوس وتصرفات من يتلقون حماية سياسيين للفاسدين والمفسدين.

سيادة القانون من خلال القضاء، هي المعبر اللازم والضروري لإعادة استجلاب ثقة الخارج "الجاهز" للمساعدة، شرط أن يساعد اللبنانيون، المسؤولون قبل الشعب، أنفسهم، وينأوا بمصالحهم السياسية وأنانيّتهم الشخصية عن القضاء، ويتركوا هذه السلطة تقوم بعملها وتتحمّل مسؤولياتها بعيداً من أهوائهم.

سيادة القانون من خلال القضاء، هي مفتاح اطمئنان اللبنانيين إلى غدهم وحقوقهم، ووصول كل صاحب حق إلى حقه، ولا مجال عندئذٍ لأية محاولة التفاف سياسي على هذه الحقوق، وإهدارها على مذبح الشهوات السياسية.

سيادة القانون من خلال القضاء، هي الطريق الوحيد القويم والصحيح لبلوغ دولة الحق والحريّة والعدالة، التي ينشدها اللبنانيون ويحلمون بقيامها وقيامتها.

وانطلاقاً من ذلك، يجب إطلاق القضاء من عقال التجميد و"الاحتجاز" السياسي، والإفراج عن التشكيلات القضائية التي تشكّل خريطة الطريق لقيام القضاء المستقل، وهو أكثر أهمّية وإلحاحاً من تأليف حكومة جديدة، تنتظرها مطبّات وأفخاخ المطالبة بـ "حقوق" في التأليف والتعيين والحصص، في حين أن القضاء المستقل منزّه حتما عن هذه المنزلقات، وهو الصورة الناصعة لبلد لم يعد فيه شيء ناصع سوى الثلوج على القمم في عزّ الشتاء.

وفي انتظار (!) تأليف حكومة جديدة، لا يغيب عنها عنصر ميثاقي، تبقى الأمور في دائرة المراوحة، لأن توازن قوى اللعبة السياسية الذي أتى بالرئيس الحريري للتأليف، هو نفسه ذاك الذي حمله على الاعتذار، وما دامت الذهنية السائدة هي نفسها، فالأمور على المنوال نفسه في الداخل، والتعويل على الخارج لاستنقاذ ما تبقى، هو بارقة الأمل المتبقية قبل الارتطام الكبير.

يلفت موقع "اللبنانية" انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر الّا عن وجهة نظر كاتبه او مصدره.

 

مقالات مشابهة

خاص- هكذا تستهدف إسرائيل قدرات حزب الله

خاص- تغيير الوضع الراهن بين إسرائيل ولبنان: الخيارات الأمريكية

خاص- إيران تستعد للضربة المنتظرة ضد اسرائيل.. تقرير يكشف

خاص- عمليات حزب الله تحولت الى نوعية.. كم عسكري اسرائيلي قتلت؟

خاص- تقارب محتمل بين الإمارات وحزب الله؟

خاص- اقرأوا هذه التفاصيل.. هكذا تستعدّ إسرائيل للحرب مع "الحزب"

خاص- أسلحة أميركية جديدة إلى إسرائيل

خاص- الولايات المتحدة قلقة على لبنان من إسرائيل.. لماذا؟