بقلم المحامي ناضر كسبار

        يعيش القضاء في لبنان ازمة وجودية نتيجة تغييبه اولا من قبل المسؤولين فيه وثانياً من قبل سائر السلطات في البلاد مهما تنوعت، حتى وصل الامر بالمسؤولين الى نعته بأبشع الاوصاف والتنكر لطلباته وحتى الاستهزاء بقراراته.

        ورغم تغني المسؤولين بشكل متكرر بالعمل على تعزيز وإرساء السلطة القضائية، الا ان ذلك بقي كلاما دون ان يبصر النور، إذ ان القضاء المستقل قد يشكل خطراً عليهم، ولكن الاكيد ان القضاء المستقل يشكل مدماكا صلباً للدولة اللبنانية ومؤسساتها، ويحمي الشعب ويحافظ على استقرار المجتمع وتقدمه وامنه.

        من اجل ذلك وضعت هذه الدراسة السريعة التي تتضمن خريطة طريق للاصلاحات القضائية الواجب القيام بها وهي:

-       إنجاز القوانين المتعلقة باستقلالية القضاء والتنظيم القضائي، وذلك من منظور شامل ومتكامل، بحيث لا تقتصر فقط على تحصين استقلالية القضاء والقضاة، وبحيث يكون القضاء العدلي هو الاصل وسائر الفروع هي الاستثناء، عملا بمبدأ توحيد المرجعية والمسؤولية.

وجعل مجلس القضاء الاعلى هو المرجع الوحيد للتعيينات القضائية والتشكيلات دون تدخل اي سلطة اخرى بذلك.

-       دمج المراجع القضائية العدلية والادارية والمالية بحيث تصبح موحدة. وانشاء مجلس قضاء اعلى مؤلف من رئيس اول ورئيس مجلس شورى الدولة ورئيس ديوان المحاسبة من الدرجة السادسة عشر وما فوق، ينتخبون من كافة قضاة كل فرع في لبنان، وانتخاب عضوين من رؤساء الغرف من كل درجة من درجات المحاكم من قبل قضاة كل درجة على حدة، وقاض من قضاة الوحدات في وزارة العدل ينتخب من هؤلاء، وقاض إداري من مجلس شورى الدولة ينتخب من قبل قضاة الشورى، وقاض من ديوان المحاسبة ينتخب من قضاة الديوان، وتعيين نائب عام لدى محكمة التمييز، ومفوض الحكومة لدى مجلس الشورى، كاعضاء دائمين في مجلس القضاء، وبعد ذلك تعيين رئيس التفتيش القضائي من قبل الحكومة بالاستناد الى اقتراح مجلس القضاء الاعلى الجديد.

تكون ولاية مجلس القضاء الاعلى بكامل هيئته ثلاث سنوات غير قابلة للتجديد إلا بعد انقضاء ولاية كاملة.

انهاء ولاية مجلس القضاء الاعلى الحالي والنائب العام لدى محكمة التمييز ورئيس مجلس الشورى ومفوض الحكومة في المجلس ورئيس ديوان المحاسبة الحاليين، وتشكيل مجلس القضاء الاعلى وفق النظام المحدد في قانون استقلال السلطة القضائية الجديد، وتعيين نائب عام تمييزي ومفوض حكومة في مجلس الشورى.

-       بعد ذلك إجراء التعيينات والتشكيلات القضائية التي تعد من مجلس القضاء الاعلى وتصدر عنه، في كافة فروع القضاء اللبناني، بما يراعي المعايير الموضوعية لاسيما الكفاءة والنزاهة والانتاجية.

-       تفعيل دور هيئة التفتيش القضائي في الفروع القضائية الثلاث بمقدراته البشرية والتقنية لإجراء التنقية الذاتية للجسم القضائي ومراقبة حسن سير العدالة ومدى التزام المحاكم بالمهل القانونية وتسريع الفصل في القضايا العالقة امام المحاكم ومحاسبة المقصرين والفاسدين.

-       حث وتفعيل عمل النيابة العامة التمييزية، بحيث تتبع لها النيابة العامة المالية والنيابة العامة لدى ديوان المحاسبة فضلاً عن النيابات العامة الاستئنافية والعسكرية لتطبيق سياسة جزائية عامة، يتم على اساسها إعطاء توجيهات الى النيابات العامة كافة، وترتكز بصورة خاصة على:

1-   حماية الحريات العامة والحقوق الاساسية، لاسيما حق التعبير والتظاهر، مع منع التعدي على الاشخاص والممتلكات العامة والخاصة.

2-   استبعاد التوقيف الاحتياطي ما عدا الجنايات والجنح الهامة وتكرار الفعل الجرمي.

3-   حصر اختصاص المحكمة العسكرية بالجرائم العسكرية فقط المحددة في القوانين العسكرية.

4-   التشدد في الملاحقات ومتابعتها بشكل جدي حتى اصدار الاحكام النهائية فيها.

-       التشجيع على فرض العقوبات البديلة عن عقوبة السجن في الجنح البسيطة وما دون.

-       حض ومتابعة النيابات العامة المختصة وكافة أجهزة إنفاذ القانون على تحريك وملاحقة الملفات المتعلقة بالجرائم التي تعتريها شبهة فساد ولاسيما الجرائم المالية والبيئية والعقارية ونشر جميع القرارات.

-       متابعة وتسريع عملية المكننة في المحاكم والادارات المعنية.

-       حث ومتابعة عمل النيابة العامة التمييزية باجراء الملاحقات تطبيقاً لقوانين مكافحة الفساد والاثراء غير المشروع وقانون من اين لك هذا، واسترداد الاموال المستوفاة بشكل غير مشروع، علماً ان النصوص الحالية تكفي للمباشرة بالاجراءات لهذه الجهة، اذ ان العطل بالنفوس وليس بالنصوص.

-       تفعيل المراقبة والمحاسبة الادارية لتحفيز الموظفين للقيام بواجباتهم كاملة تحت طائلة المحاسبة الجدية.

-       والاهم لإنجاح عملية الاصلاح اعتماد سياسة الثواب والعقاب بشكل جدي، فيعاقب كل مخل ويكافأ كل صالح، مهما كان مركزه.

وهذا لا يمكن ان يتم الا بالاعتماد على اشخاص اكفاء احرار مستقلين يلجأ اليهم ،ونفض الموجود المرتهن والمتراخي.

كما وايجاد آلية معينة لمراقبة عمل مجلس القضاء ومساءلته عن اعماله وتقصيره اذا وجد، وذلك امام مجلس النواب.

* * *

              مطانيوس عيد

على اثر صدور كتاب القضاة والمحامون...مواقف وطرائف كتب المحامي الالمعي مطانيوس عيد فقال:"كان الزرع في الارض الخصبة "صياد النوادر " صديقي الاحب، الاستاذ ناضر كسبار، وجيء بالحصاد الوفير الى بيادر "الديار" العامرة.

        واليوم يجمع في كتاب منتظر، تذوقناه في الحقل وعلى البيدر وداخل الاهراء.

        "مواقف": انه التعبير الشامل والكامل للكيان البشري.

        منعدم الموقف، منعدم الوجود.

        جاء عند صاحب نشيد الشجرة، الشاعر محمد يوسف حمود:"قيل: قل كلمتك وامش"، "فأقول: ان الرجولة هي ان تقول كلمتك وتقف".

        ولذلك قال التعبير العامي الشهير:"وقفتلك محام".

        يعجز المنبطحون عن الدفاع وتأمين الحقوق.

        "طرائف" انه التعبير الشامل الكامل للكيان الانساني: فالبكاء هو غريزة كل مولود، لحظة يطل على الوجود.

        اما الضحك فهو جنى العقل في دروب الحياة، فقيل عن حق:

        “Le rire c’est le propre de l’homme »

        كان الاولى بمن لا يعرف الاضحاك او الضحك، ان يبقى في بطن امه.

        يروي الصديق الالمعي الاستاذ جوزيف بشارة الخوري "الاخطل" انه قال لوالده:مات فلان.

        فأجابه شاعر الهوى والشباب: فلان ميت منذ الولادة: فلم يأت مرة بنكتة، ولم يضحك مرة لنكتة...الله!

        بورك من يزرع بسمته في بلد الثلاثين مليون مهاجر منذ قرون في مجاهل الاغتراب، والثلاثة ملايين مهجر منذ خمسة وعشرين عاماً في وطنهم، وتستحيل عليهم العودة الى ديارهم، ولا تبعد سوى ثلاثين دقيقة، هي المسألة القصوى في بلد التنصت والدولة الساهرة! ويتشدقون بالحرية والديموقراطية والشفافية ثم يلومون "العدو الغاشم".

        شر البلية ما يضحك!

        واراني اردد مع "ابي الروحي" القاضي الرئيس العالم العادل، الاستاذ اديب عفيش:

"هو الدهر قد ادماك يوماً بأشواك

                                        تبسم فان الدهر يهزأ بالباكي"