يومية سياسية مستقلة
بيروت / °19

د. احمد الزعبي - زيـاد عيتاني اعتـرف.. أينَ كـوليت؟

Monday, April 19, 2021 12:44:19 PM

بقلم د. أحمد الزعبي 

لا تشرقُ شمسُ يومٍ جديد إلا ولبنان على موعد مع فضيحة كبرى؛ جنون متنقل، مهازل قضائية، فشل وطني، كيديات سياسية.. وكلّه على وقع الإفلاس والفقر والخراب والمآسي... والأهم أن لا حكومة تَحكم وتُساءل. ولماذا الحكومة من الأساس فهذا العهدُ النحس، حوّل بامتياز، لبنان وشعبه إلى مادة للتفرّج والتحسّر والتندّر والصدمة أمام العالم كلّه، ونقله بسرعة فائقة إلى غياهب الماضي السحيق، زمن اللادولة وحكم العصابات والعصبيات.


في المشهد البائس؛ تخبـطٌ وتناقض وتغليب للحسابات الشخصية والمصلحية على الحسابات الوطنية في إدارة ملف ترسيم الحدود البحرية، ومعارك دونكيشوتية – شعبوية باسم القضاء والعدالة والإصلاح ومحاربة الفساد، وفيه حدودٌ مفتوحة للتهريب بشكل فاجر ووقح أكثر من أي وقت مضى، وفيه أيضاً شعب جائع يصارع على بقايا بضائع مدعومة وسط إمعان كل المعنيين بالشأن المالي بلعبة التذاكي والمقامرة، أما رئاسة الجمهورية التي لا تريد لقاء أهالي ضحايا فوج الإطفاء وقد طوى النسيان الجريمة وضحاياها، فتجد الوقت لإقناع الموفدين الدوليين والعرب بضرورة فك عزلة جبران باسيل!!


في المسرح اللبنانيّ الكثير الكثير من مشاهد البؤس والسوريالية واستعراضات التكاذب والفجور، ووسط ضجيج الخفّة والفشل والصبيانية في إدارة الشأن العام، ثمّة من يعمل بصمت على ضبط ساحته وتمديد نفوذه، تارةً تحت عناوين اجتماعية وإنسانيّة وشعاراتيّة، وأخرى استباقاً لتعزيز المكاسب والدور في مرحلة ما بعد التفاوض الكبير. وإذا كانت الذاكرة اللبنانية قد اعتادت أن يطويَ النسيان السريع أعتى التجاوزات من أهل المنظومة وأدواتهم، فإن حَدَثين ميّزا الأسبوع الماضي ويستحقان التوقف عندهما: همروجة القاضية غادة عون، وتبرئة المقدم سوزان الحاج من تهمة فبركة العمالة للفنان زياد عيتاني، لما لهما من دلالات على ما آلت إليه أحوال الدولة والمؤسسات والسلطات والأجهزة والعدالة والحقّ والمصداقية وغيرها. 


مسلسل القاضية 


كاد اللبنانيون، ومعهم العرب، ينسون متابعة مسلسلات رمضان بفعل التشويق والإثارة وبطولات الخلع والكسر التي رافقت عملية اقتحام القاضية غادة عون شركة صرافة بحجة متابعة التحقيق في ملف مالي، بالرغم من كفّ يدها عن الملف. في تمرّدها على قرار المدعي العام التمييزي ومجلس القضاء الأعلى بدت كمن يفتح على حسابه، ويستخف بالمؤسسات وحرمة القضاء لمصالح وحسابات سياسيّة ضيقة لا تليق بحرمة المقام والدور والرسالة.   


ما حصل على مدى يومين ونقله الإعلام حياً بالصوت والصورة تسبّب بحشرِ غالبية اللبنانيين المتأذّين من السياسات المالية والمصرفية وممارسات المصرف المركزي والمصارف بين نارين؛ رفض الشعبوية المغلّفة بعناوين وشعارات محاربة الفساد وغالباً ما تعطي نتائج عكسيّة، ونارِ عدم الانجرار للدفاع عن أي من قضية فساد مطروحة أمام القضاء رداً على ممارسات القاضية غير المفهومة. أجبرَ اللبنانيون على دفع ثمن واحدة من سقطات العهد النحس؛ عدم توقيع التشكيلات القضائية، وعدم إقرار قانون استقلاليّة القضاء، والسماح بأن يكون القضاء سيفاً مسلطاً على طرف دون آخرين بكيدية وحقد.. وأغلب الظن أن المسلسل لم ينته بعد. 


زياد عيتاني.. قضية لأزمنة عدّة 


بالتوازي، القضاء الذي اتهم زياد عيتاني بالتعامل مع إسرائيل، عاد وحكم ببراءة المقدم سوزان الحاج من جريمة فبركة تهمة العمالة له، وللقرصان حكم مخفّف، أما الغائب الأكبر فـ«كوليت» الضابطة الإسرائيلية... لا مجال للعجب أبداً، لكن استحضار بعض تفاصيل القضية مهمّ لانعاش الذاكرة.


قضية زياد عيتاني بتفاصيلها وطريقة تركيبها ومآلاتها الفظيعة، كشفت فيما كشفته، أن الجرائم والاتهامات والملفات والتوقيفات والقضايا والانجازات والتهويلات والمعارك والانتصارات في لبنان، مهما جرى تضخيمها أو تسخيفها، تبقى مجرد وجهة نظر. نعم وجهة نظر تُخفي ألف وجه ووجه وحساب وحساب. وما ينطبق على العمالة ينسحب حكماً على الإرهاب. الأمران غاية الفظاعة والجُرميّة، لكنهما متى استحالا مساحة لتصفية الحسابات أو للاستقواء أو لتضخيم إنجازات مزيفة وقلّة احتراف، أو بثّ مخاوف ونشر هواجس صارا شعاراً فارغاً ممجوجاً. وهذا الكلام لا يعني، قطعاً، تبرير العمالة أو تسويغ الإرهاب متى كان الجرم متحققاً لناحية استهداف الأرواح أو الاستقرار. 


في قضية زياد عيتاني تبين بعد 111 يوماً قضاها في السجن، أن تهمته مجرد فيلم سيّئ السيناريو والإخراج وينضحُ عُقداً وأمراضاً نفسية، ونقائص أخلاقية للمتورطين فيه، ذلك أن التباسات وثغراً عدة شابت القضية - الفضيحة منذ لحظة الإعلان عن توقيفه في 24 تشرين الثاني 2017، ثم تسريب تهمة عمالته لإسرائيل، وكمية التضخيمات والمبالغات التي رافقت الانجاز – المهزلة، وصولاً إلى «تهاوي» كل التحقيق الذي أجراه جهاز أمن الدولة وما ترتب عليه من انكشاف أمر الفبركة التي فضحها فرع المعلومات. من يتذكر الروايات البوليسيّة عن طول كوليت، وشعرها الأسود، وخبرية الألفي دولار ثمن العمالة؟ ومن يتذكر أن طلب الايقاع بعيتاني جاء على خلفية «الثأر» من شخص آخر يحمل ذات الاسم! ومن يستطيع التأكيد، بعد كل تطورات القضية، أنه لم يُطلب من القرصان المتورط بالجريمة القيام بتزوير مشابه بحق آخرين جرى تشويه سمعتهم وزجّوا في السجون، سواء بتهمة العمالة أو الإرهاب أو غيرها من التهم التي تستسيغها مخيلة شعبويي هذا البلد، وهل دفع أو سيدفع أبرياء آخرين ثمناً من حريتهم وأمنهم وكرامتهم نتيجة صراع الأجهزة، أو بسبب نزوع فرد في موقع مسؤولية إلى النرجسية وكره الآخرين وحب السيطرة وسوء استخدام السلطة المؤتمن عليها؟ هنا السؤال أكثر من مشروع وضروري: كم «زياد» في السجون، وكم «سوزان» في الأجهزة، وكم «كوليت» في واقعنا المنهك؟


إذا فسد الملح!


قديماً قيل: إذا فسد الملح بماذا يُملح؟ وإذا فسد القضاء والأمن بماذا يثق الناس في ما تبقى من هيكل الدولة والمؤسسات؟ اللبنانيون، في كلّ يوم، يستشعرون مصابهم الجَلل مع تحالف الميليشيا - المافيا؛ نكسات متتالية سياسية، واقتصادية، وماليّة، واجتماعيّة، وحياتيّة، وتهريب وانفلات وسرقات وتخبط وارتجال وفساد ونهب.. والمنظومة بما تملكه من سلطة تمارس تسلّطها وابتزازها على الداخل والخارج، من دون أن يجرؤ أحد على سؤالها: سلطة على مين؟


القضاء الممثل ​زياد عيتاني

     

يلفت موقع "اللبنانية" انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر الّا عن وجهة نظر كاتبه او مصدره.

 

مقالات مشابهة

خاص- تغيير الوضع الراهن بين إسرائيل ولبنان: الخيارات الأمريكية

خاص- إيران تستعد للضربة المنتظرة ضد اسرائيل.. تقرير يكشف

خاص- عمليات حزب الله تحولت الى نوعية.. كم عسكري اسرائيلي قتلت؟

خاص- تقارب محتمل بين الإمارات وحزب الله؟

خاص- اقرأوا هذه التفاصيل.. هكذا تستعدّ إسرائيل للحرب مع "الحزب"

خاص- أسلحة أميركية جديدة إلى إسرائيل

خاص- الولايات المتحدة قلقة على لبنان من إسرائيل.. لماذا؟

خاص- كيف ساعدت الدول العربية في التوصل إلى قرار لوقف إطلاق النار في غزة؟