يومية سياسية مستقلة
بيروت / °19
مخزومي اول من صوّب على الفاسدين.. المنظومة الفاسدة تريد حكومة متراس.. الحريري وباسيل يدمران ما تبقى والحزب يتفرّج

Friday, February 26, 2021 12:10:38 PM

خاص "اللبنانية"
         


إستُهلِكَت كل التوصفيات السيئة، ولم يعد هناك من توصيف جديد يمكن إن توصم به المنظومة السياسية الفاسدة التي خربت حال البلاد وحياة العباد ولا تزال تمعن في المكابرة والتصرف وكأن الدنيا "في الف خير"، وان "الخير لقدّام"... فيما اللبنانيون غارقون في عتمة الازمات المتنوعة.

جميع اركان هذه المنظومة شركاء في الجريمة التي ارتكبت بحق الوطن، قتلوا ويقتلون القتيل ويمشون بوقاحة في جنازته ثم ينبرون ليحاضروا في العفاف، وعند يشعر احدهم أنه "في حشرة" يذهب الى تحميل الآخرين المسؤولية، من مثل ما فعل الرئيس الملكف تأليف الحكومة سعد الحريري عندما خرج من لقائه الاخير مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وإمارات الغضب تغلّف محياه حيث قال "يا بتمشو بحكومة الاختصاصيين المستقلين وغير الحزبيين، ويا كل واحد يتحمل المسؤولية"..

لم يحصل في لبنان أن تمكن رئيس مكلف من تأليف حكومة دون الاتفاق عليها مع رئيس الجمهورية والكتل النيابية. قبل "اتفاق الطائف" ومنذ الاستقلال كان رئيس الجمهورية هو من يشكل الحكومة بمفرده او بشيء من التفاهم مع الرئيس المكلف الذي كان دوره شبه صوري في التأليف لأن رئيس الجمهورية كان هو من يختاره بعد استشارات نيابية غير ملزم بنتائجها كما هي الحال الآن حسب دستور "الطائف".

وبعد "إتفاق الطائف" كانت الوصاية السورية هي في العلن، كما في العمق، من يؤلف الحكومات وكان حلفاؤها هم من يتولى إخراج التشكيلة الوزارية الى الضوء مع اعطاء الرئيس المكلف هامشا مقبولا في التأليف بشرط ان لا يسمي وزراء يمكن ان يشاغبوا على الدور السوري ووصايته في لبنان.

وبعد الانسحاب السوري خفت وطأة الوصاية لتنسحب الى حلفاء سوريا وعلى رأسهم  "حزب الله" الذين يملكون تأثيراً في تأليف اي حكومة، وغيرها من الاستحقاقات الدستورية.

الحريري هو رئيس تيار "المستقبل" وغير مستقل ويريد ان يشكل حكومة مستقلين ويقنع الآخرين من أقرانه ونظرائه في المنظومة الفاسدة والناس انه "مستقل". تماما كالرئيس ميشال عون ( مؤسس "التيار الوطني الحر") الذي يريد حصة و"ثلثا معطلا" في الحكومة ويريد للناس ان تقتنع بأنه رئيسٌ حَكَم بين الجميع وليس طرفاً في اللعبة السياسية بالأصالة عن نفسه وبالنيابة عن "التيار الوطني الحر" ممثلاً برئيسه جبران باسيل. اما "وحدة المعايير" التي ينادي هذا او ذاك من الاطراف، وفي مقدمهم باسيل، باعتمادها في تأليف الحكومة فهي في الحقيقة كلام حق يراد به باطل. هي تعني تحديدا: "حصتي لازم تكون متل حصتك" أو "يللي بتريدو لنفسك أريده لنفسي" لا أكثر ولا اقل، فمن شرب البحر لن يغص بمياه الساقية، اي ان من أوصل البلاد الى هذا الدرك الخطير من دون اي وازع من ضمير ولم يرف له جفن، لن يتحول فجأة الى "قديسٍ تقيٍ نقيٍ طاهرٍ علمُ" يخدم اللبنانيين بأشفار عيونه ويأخذ بأيديهم الى شاطىء الامان...

مخزومي أول من فتح النار

ربما يكون النائب فؤاد مخزومي اول نائب وسياسي فتح النار على هذه المنظومة السياسية والمالية الفاسدة بعدما اكتشف باكرا شنيع افعالها في حق البلد،  قبل ان يلحق به آخرون. ويتأكد للقاصي والداني يوما بعد يوم ان كل ما لفت النظر اليه  هذا الرجل كان صحيحا بعدما كان البعض يرد مواقفه اقواله الى خلفية مصلحية، ولكن كثيرا ممن طرحه الحراك الشعبي كان من ادبيات هذا النائب الذي يغطي بما يطرحه من مواقف واقتراحات قوانين هموم جميع اللبنانيين السياسية والاقتصادية والمالية والنقدية والمعيشية.

مكابرة واستقواء

المكابرة والاستقواء والاستعلاء وعقلية الاستحواز على السلطة هي ما يحكم كل تصرفات اركان هذه المنظومة الفاسدة في كل الاستحقاقات والمراحل، البقاء في السلطة او انتزاعها من الآخر هو الهدف الاول والاخير، والسلطة عندهم تجلب المال، وطبعا المال الحرام، لضمان إستَدامة اقامتهم فيها، وبالتالي استمرار الفساد.

يتحجج اهل التكليف والتأليف بالمواقف الخارجية على انها عقبات تعوق ولادة الحكومة التي يعول عليها اللبنانيون والمجتمع الدولي لتحقيق الاصلاحات  المطلوبة للخروج من الانهيار الاقتصادي والمالي، فيما الحكومة التي يسعون اليها هي حكومة محاصصات وتقاسم مغانم الوزارات خصوصا الدسم منها ليعودوا سيرتهم مع الحكومات السابقة والمتلاحقة منذ العام 1992 .

تفرقهم السياسة ويجمعهم البزنس

ولأنها ستكون الحكومة الأخيرة في عهد الرئيس ميشال عون، يتنازع الافرقاء السياسيون على مراكز القوى فيها، فهم خارج الاستحقاق الحكومي اصدقاء حميمون وشركاء في البزنس والصفقات والسمسرات من الوزارات الدسمة الى النفط وصولا الى النفايات وما دونها حتى. ولو كانوا فعلا يريدون الاصلاح لما كانت استقالة حكومة الحريري اثر اعلانه الورقة الاصلاحية الشهيرة بعد ايام من ثورة 17 تشرين 2019، فهذه الورقة بكل بنودها الاصلاحية هي ما يطالب به المجتمع الدولي ومجموعة مؤتمر "سيدر" والمبادرة الفرنسية.  ولو انهم يريدون هذه الاصلاحات لما تأخروا ويتأخرون حتى الآن في الاتفاق على الحكومة، ولذلك يسعون كل على طريقته لتأليف حكومة ستكوم مهمتها الاولى تمييع  تلك الاصلاحات، حتى لو كلفهم الامر ابقاء البلاد تحت رحمة حكومة تصريف الاعمال الى نهاية العهد علهم يتجنبون بذلك ساعة الحقيقة، بل ساعة الحساب التي باتت آتية لا ريب فيها.

ضياع الحريري ورئاسة باسيل

واذا كان لا بد من إعطاء توصيف لمشهد التأليف الحكومي واسباب تعثره، فإن المراقبين والراسخين في علم السياسة اللبنانية يقولون ان الاستحقاق الحكومي تتحكم بمصيره، الى ضياع الحريري بين الداخل والخارج، شهوة باسيل الرئاسية الذي يدفع في اتجاه ان تكون الحكومة الصهوة التي يمتطيها للوصول الى سدة رئاسة الجمهورية عام 2022 عند انتهاء ولاية عون او في اي وقت من الآن وحتى تشرين الاول 2022 في حال خلت سدة الرئاسة لعلة ما او تقرر اجراء انتخابات رئاسية مبكرة تحت وطأة ظروف قاهرة. ولذلك يتمسك باسيل بأن يكون له الثلث الوزاري المعطل في الحكومة مهما كان حجمها من حصته. بل اكثر من ذلك يريد باسيل هذا "الثلث المعطل" والبعض يسميه "الثلث الضامن"!؟ لكي يكون له تأثير في سلطة القرار الحكومي خصوصا اذا انتهت ولاية عون ولم يتسن انتخاب رئيس جديد، إذ في هذه الحال تستمر الحكومة وتمارس صلاحيات رئاسة الجمهورية الى حين انتخاب رئيس جديد.

تفسيرات متناقضة للصلاحيات

تمسك باسيل بـ"الثلث المعطل" يتزامن مع تفسير رئيس الجمهورية وفريقه لعبارة "بالاتفاق" المنصوص عنها في الفقرة الرابعة من المادة 53 من الدستور المتضمنة صلاحيات رئيس الجمهورية، كالآتي: " يُصدِر (أي رئيس الجمهورية) بالاتفاق مع رئيس مجلس الوزراء مرسوم تشكيل الحكومة ومراسيم قبول استقالة الوزراء أو اقالتهم."

عون يفسر عبارة "بالاتفاق" على انها تعطيه حق الشراكة المطلقة في تأليف الحكومة مع الرئيس المكلف، بل تجعله "شريكاً مضارباً"  في التأليف اذا تطلب الامر، وبالتالي يعتبر ان يد الرئيس المكلف ليست مطلقة كليا في تأليف الحكومة وانه لا يمكنه ان يؤلف الحكومة ويقدمها لرئيس الجمهورية ليصدر مرسوم تأليفها واي ملاحظات له عليها تعالج حبياً وليس له من موقعه الحكم ان يكون طرفا في السلطة التنفيذية من خلال اعطائه حصة وزارية في الحكومة تواليه سياسيا ويمكنه ان يستخدمها للتأثير أو لتعطيل قرارات مجلس الوزراء لأي سبب أو علة. وفي هذا الامر مخالفة فاضحة للدستور المنبثق من اتفاق الطائف الذي اناط السلطة التنفيذية بمجلس الوزراء مجتمعا والذس يحق لرئيس الجمهورية ترؤس جلساته عندما يشاء من دون ان يكون له حق التصويت على القرارت فيها كونه حَكَماً وليس طرفاً فهو حسب  المادة 49 الدستور "رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن. يسهر على احترام الدستور والمحافظة على استقلال لبنان ووحدته وسلامة أراضيه وفقاً لأحكام الدستور. يرئس المجلس الأعلى للدفاع، وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة التي تخضع لسلطة مجلس الوزراء".

ولذلك يتهم الحريري ومؤيدوه عون بمخالفة الدستور في تفسير صلاحياته في مجال تأليف الحكومة، ويرون انه يسعى الى خلق أعراف في هذا المجال من شأنها ان تشويه تطبيق دستور "الطائف" في هذا المجال. وكذلك من شأنها ان تعيد لرئيس الجمهورية "عِرفاً" صلاحيات "مكتوبة" كانت له قبل "اتفاق الطائف"، حيث كانت له الكلمة الاولى والاخيرة في تأليف الحكومة من اختيار رئيسها الى تسمية وزرائها.

ولكن في المقابل يتهم عون ومؤيدوه  الحريري بمخالفة الدستور عندما يعتبر ان صلاحيته مطلقة في موضوع تأليف الحكومة. فهو يتمسك بما تنص عليه الفقرة الثانية من المادة 64 من الدستور التي تتضمن صلاحياته، في مجال تأليف الحكومة والتي تنص على الآتي: " يجري (أي الرئيس المكلف) الاستشارات النيابية لتشكيل الحكومة ويوقع مع رئيس الجمهورية مرسوم تشكيلها. وعلى الحكومة أن تتقدم من مجلس النواب ببيانها الوزاري لنيل الثقة في مهلة ثلاثين يوماً من تاريخ صدور مرسوم تشكيلها. ولا تمارس الحكومة صلاحياتها قبل نيلها الثقة ولا بعد استقالتها أو اعتبارها مستقيلة إلا بالمعنى الضيق لتصريف الأعمال".

فالحريري يعتبر ان هذه الفقرة تعطيه صلاحية تاليف الحكومة وتقديمها لرئيس الجمهورية ثم يوقعا معا مرسوم تأليفها واذا كان لرئيس الجمهورية من ملاحظات فلا ينبغي ان تعطل  او تعوق ولادة الحكومة، على ان تكون هذه الملاحظات ملاحظات مرجعيته كحكم بين الجميع  وتتوخى الحرص على توليد حكومة مناسبة للمهمات التي ستتصدى لها، لا ان تكون الغاية منها التأثير في قرارات مجلس الوزراء لمصلحة فريق من الافرقاء الممثلين فيه.  

اكثر من ذلك فإن عون وفريقه يعتبرون ان صلاحية الحريري في التأليف ليست مطلقة بدليل ان الحكومة لا تؤلف اذا لم يوقّع رئيس الجمهورية مرسوم تأليفها، ولذلك يرون أن الرئيس المكلف تأليف الحكومة ملزم حكما بالتفاهم مع رئيس الجمهورية على التشكيلة الوزارية بكلياتها.

يغاليان في الصلاحيات

والواقع أن كلا من عون والحريري يغاليان في صلاحياتهما في هذا المجال، فهذه الصلاحيات ينبغي ان تتقاطع على تأليف الحكومة التي تناسب مصلحة البلاد على كل المستويات لا ان تكون حكومة محاصصات تستمر من خلالها المنظومة الفاسدة في نهب المال العام وتدميرما تبقى من موارد الدولة ومقوماتها.

في اي حال ليس هناك من عاقل مقتنع بأن هذه المنظومة السياسية الفاسدة تريد الخير للبلد الآن وهي التي لم ترده له يوما منذ عشرات السنين، فالعراك الدائر بينها حالياً هو على الاتيان بحكومة تشكل متراسا يحميها من الآتي الى الشارع ومن الخارج، بل من السقوط والاضمحلال تحت وطأة انكشاف فضائحها وروائحها التي بدأت تفوح متنقلة من قطاع الى آخر، وفضيحة إنفجار المرفأ هي من امهات هذه الفضائح والآتي أعظم.

حزب الله يتفرّج

ووسط كل هذا يقف حزب الله متفرجاً ومستفيدا من هذا الواقع وتناقضاته غير آبه إن ولدت حكومة او لم تولد، فهي بالنسبة اليه لن تقدم ولن تؤخر امام المشهد الكبير والخرائط الجيوسياسية التي ترسم للمنطقة، منطلقا من مقواة ان المحور الذي ينتمي اليه قد انتصر، فيما الغيوم التي بدأت تتلبد مجددا في سماء المنطقة مع وصول الادارة الاميركية الجديدة الى البيت الابيض لا تبشر بخير للبنان ولا لكل المشرق و المغرب.

ولكن بعد كل ما جرى ويجري، يقول البعض، توصل اللبنانيون بكل شرائحهم السياسية والطائفية الى حقيقة دامغة هي ان هذه المنظومة الفاسدة التي تتسلط على حياتهم في كل المجالات باتت ايلة للزوال لمصلحة منظومة بدأت تتكوّن بنبض الشارع وهي تليق بمستقبل البلاد واجياله... وإن غداً لناظره قريب...      

 

 

 

 

 

يلفت موقع "اللبنانية" انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر الّا عن وجهة نظر كاتبه او مصدره.

 

مقالات مشابهة

خاص - نبيل بدر.. رجل الحوار والمبادرات

خاص - الزبالة كترانة... والبلديات تتحرك!

خاص- "اللبنانيّة" يكشف تفاصيل خطيرة عن مراكب الهجرة إلى قبرص..إليكم ما حصل (صور)

خاص- هل يدفع لبنان ثمن التصعيد الإيراني الإسرائيلي؟

خاص - علقة بالبحر!

خاص - بسبب السرقة.. جريمة في العزونية قضت على أستاذ ثانويّ

خاص - المهندسون المستقلون ينحازون لجانب المعارضة؟!

خاص- الردّ الإيراني قد يأتي من جنوب لبنان