يومية سياسية مستقلة
بيروت / °19
فريق خاص بخطة جديدة: انقلاب مالي لمصلحة المصارف

Sunday, September 26, 2021 9:51:32 PM

لا يمكن الفصل بين زيارة ميقاتي الباريسيّة ومستقبل خطّة حكومته الماليّة، خصوصاً أن جميع المصادر باتت تؤكّد أن باريس تتجه إلى فرض التزام رئيس الحكومة بجدول زمني واضح بالإصلاحات التي يطلبها صندوق النقد والاتحاد الأوروبي من لبنان، من ضمن الخطة الماليّة الشاملة، مقابل أي غطاء دولي تطلبه الحكومة اليوم، بالتوازي مع استئناف المفاوضات مع صندوق النقد.

لكن في مكان آخر، وفي بيروت تحديداً، انطلق عمل الفريق الذي يُفترض أن يعمل على خطة الحكومة الماليّة الجديدة، فيما تنشط اليوم المداولات ما بين ميقاتي وجمعيّة المصارف ومصرف لبنان، للانقلاب على خطّة التعافي الماليّة التي أقرّتها حكومة دياب في السابق. أما الهدف ببساطة، فهو تقليص حجم الخسائر التي ستحمّلها مرحلة التصحيح المالي للرساميل المصرفيّة إلى أقصى حد، ضمن هامش معيّن يلتزم بالشروط التي يفرضها صندوق النقد، والتي لا يمكن من دونها الحصول على مصادقة الصندوق على برنامج خاص بلبنان.

الانقلاب على خطة التعافي المالي
في الشكل، تعمل حكومة ميقاتي على الانتقال من "خطّة التعافي المالي" التي عملت عليها حكومة دياب، والتي رفضت مقارباتها المصارف ومصرف لبنان، إلى خطّة جديدة كليّاً من حيث التسمية والمضمون والأهداف، بعنوان "خطة النهوض الاقتصادي". بمعنى آخر، فالمطلوب اليوم لم يعد تطوير وتحديث خطة التعافي المالي، كما وعد البيان الوزاري، بل الانقلاب على هذه الخطّة بشكل جذري والانتقال إلى مقاربات مختلفة تماماً. أمّا سبب عدم الإعلان عن نيّة الانقلاب على خطة التعافي المالي منذ البداية، فيكمن تحديداً في عدم رغبة ميقاتي بإثارة حفيظة الجهات الدوليّة المتابعة للشأن المالي اللبناني، كصندوق النقد، والتي أصرّت طوال الفترة الماضية على صراحة خطّة التعافي المالي في الإعلان عن الخسائر ومعالجتها.

في كل الحالات، الجديد في خطة النهوض الاقتصادي التي يتم العمل عليها اليوم من قبل فريق عمل خاص، هو الانتقال من التركيز على المعالجات الماليّة التي تتعامل مع خسائر النظام المالي، إلى التركيز على عمليات الخصخصة والتشركة مع القطاع الخاص، والتي من شأنها تأمين العملة الصعبة من الخارج عبر بيع أصول الدولة أو تلزيم استثمار القطاعات العامّة لفترات طويلة. وبذلك، يصبح بالإمكان تقليص حجم الخسائر التي نصّت خطة حكومة دياب على تحميلها للقطاع المصرفي ورساميلها.

وعلى هذا النحو، يتم التداول حالياً بأفكار عديدة، من قبيل إقحام عمليّة إعادة المرفأ في خطة حكومة ميقاتي الجديدة، وفق مسار يتضمّن تشركة مع القطاع الخاص وتلزيماً لعملياته لفترات زمنيّة طويلة. وأسباب إقحام المرفأ بهذا الشكل في الخطّة، قد لا ترتبط فقط بمسألة الحصول على العملة الصعبة وإعادة الإعمار خلال المرحلة المقبلة، بل وأيضاً تأمين الدعم الدولي للخطة، من قبل الدول التي ترغب بإعطاء شركاتها عقود استثماريّة من هذا النوع، كفرنسا وألمانيا.

وفي الوقت نفسه، بات من المسلّم به أن عمليات خصخصة قطاع الكهرباء ستحتل جزءاً وازناً من الخطّة الجديدة، على أن يتم استخدام عائدات عمليات الخصخصة في مرحلة التصحيح المالي. وبالطريقة نفسها، يتم العمل على تحميل الخطّة مقترحات لعمليات خصخصة وشراكة مع القطاع الخاص في قطاعات عدّة، كأحد الأبواب التي تمكّن الحكومة من التعامل مع خسائر المرحلة.

فريق عمل الخطّة الجديدة: سلامة لاعباً أساسيّاً
للبحث عن أسباب الانقلاب في توجهات خطّة الحكومة الماليّة، يمكن سريعاً النظر في من يعد هذه الخطة اليوم. في المرحلة الماضية، عملت شركة لازارد على خطة التعافي الماليّة التي تبنّتها حكومة دياب، بالتعاون مع استشاريي وزارتي الماليّة والاقتصاد. ولهذا السبب، فصلت تلك الخطة ما بين خسائر القطاع المالي وموجودات الدولة، باعتبار أن تحميل الأموال العامّة كلفة إنقاذ قطاع مصرفي مفلس لم يعد مسألة ممكنة، وفقاً لأصول عمل الأسواق الماليّة اليوم. وحتّى عند الحديث عن استثمار أصول الدولة والشراكة مع القطاع الخاص، جاء ذلك في إطار التخطيط لكيفيّة التعامل مع التزامات الحكومة، وليس التعامل مع فجوة الخسائر بالعملة الصعبة في ميزانيات المصارف ومصرف لبنان.

أمّا اليوم، بات الفريق الذي يعمل على خطة حكومة ميقاتي الجديدة، أي خطة النهوض الاقتصادي، يضم حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، ووزير الماليّة يوسف خليل الذي عمل لسنوات طويلة تحت إمرته في المصرف المركزي. كما يضم هذا الفريق وزير الاقتصاد والتجارة أمين سلامة، بالإضافة إلى ميقاتي الذي يمثّله في النقاشات النائب نقولا نحّاس، المعروف بانحيازه لمقاربات القطاع المصرفي. مع الإشارة إلى أن ميقاتي يملك فريق عمله الخاص الذي يقوم بمداولات منفصلة، برئاسة نحّاس، وهو فريق مختلف ومنفصل عن فريق العمل الذي يُعد الخطة الحكوميّة الجديدة.

وهكذا، يمكن التنبّؤ سريعاً بوجهة الخطة والجهات التي ستحرص على مصالحها، بمجرّد مراجعة أسماء أعضاء الفريق الذي يعمل عليها، والذين ينتمون بغالبيّتهم الساحقة إلى المعسكر الذي حرص خلال الفترة الماضية على أولويات ومصالح المصارف، في مواجهة الخطة الماليّة السابقة. كما يمكن أيضاً فهم اتجاه هذه اللجنة سريعاً إلى التداول بالأفكار التي تقلّص حجم الخسائر التي سيتحمّلها في المحصّلة القطاع المصرفي، على حساب زيادة الكلفة التي سيتم تحميلها إلى أصول الدولة والقطاع العام.

المداولات مع المصارف
بالتوازي مع العمل على الخطة الماليّة الجديدة، من قبل فريق العمل الذي ذكرناه، يعمل استشاريو ميقاتي على نقاشات معمّقة مع جمعيّة المصارف، للتوصّل إلى مقاربات جديدة لمسألة خسائر النظام المصرفي، بما يريح المصارف من مقاربات الخطّة السابقة التي أقرتها حكومة دياب. النقاشات التي امتدّت على مدى أكثر من اجتماعات، خلصت حتّى اللحظة إلى وضع بدائل يمكن اعتمادها في الخطة الجديدة، لتقليص حجم الخسائر التي سيتم تحميلها في المحصّلة إلى الرساميل المصرفيّة. مع الإشارة إلى أن الفريقين متفاهمان على ضرورة تقديم بعض التنازلات الصغيرة التي لا يمكن التغاضي عنها، لكونها تمثّل خطوات تصحيحيّة يصر عليها صندوق النقد.

فعلى سبيل المثال، وبدل إعادة هيكلة السندات الدين بالليرة اللبنانيّة، كما نصّت الخطة السابقة، بات من المتفق عليه أن الخطّة الجديدة لن تقارب هذه المسألة كليّاً، بحجّة أن قيمة هذه السندات تدنّت أساساً بعد تدهور سعر صرف الليرة اللبنانيّة. مع العلم أن هذه الحجّة التي يتم اعتمادها اليوم بعيدة في الواقع عن أي منطق مالي اقتصادي، إذ أنّ انخفاض قيمة السندات نتيجة تدهور سعر الصرف لا يحمّل المصارف أي خسائر تُذكر، لكونها مجرّد وسيط ما بين أصحاب الودائع والدولة في هذه الحالة.

أما في ما يخص مسألة إعادة هيكلة سندات اليوروبوند المقومة بالدولار الأميركي، فمن المفترض أن تكون قيمة الاقتصاص من قيمة هذه السندات نتيجة إعادة هيكلة الدين محصورة بسقف الخسائر المتوقعة التي حددها مصرف لبنان في تعاميمه سابقاً، أي نحو 45% من قيمة السندات. وهذه النسبة أقل بكثير من نسبة الاقتصاص التي يفترض أن يتم تطبيقها بالنظر إلى حجم الخسائر الموجودة وقيمة السندات في السوق اليوم. فقد حدد مصرف غولمان ساكس نسبة الاقتصاص هذه عند حدود 75%. ورغم التفاهم المبدئي على هذه المسألة، فسيكون على الجميع انتظار النتيجة النهائيّة لمفاوضات الحكومة مع الدائنين الأجانب، الذين يملكون اليوم الغالبيّة الساحقة من سندات اليوروبوند.

وأخيراً، فمن المقرّر أن يبقى ملف إعادة هيكلة القطاع المصرفي في يد مصرف لبنان وحده، في ضوء المسارات التي حددتها تعاميمه الأخيرة، والتي أدّت إلى زيادة معتبرة في الرساميل المصرفيّة بشكل اصطناعي، ومن دون تكبيد المساهمين سيولة فعليّة بالعملة الصعبة. ولذلك، من المرتقب أن يتم اقتصاص الخسائر التي ستتحملها رساميل المصارف من هذا الزيادة المصطنعة، أو الوهميّة، ما سيجنّب أصحاب المصارف كلفة الخسائر القاسية.

بالنسبة إلى فجوة الخسائر الموجودة نتيجة التباين الكبير بين التزامات المصارف للمودعين بالعملة الصعبة، وما تبقى من هذه الأموال لدى مصرف لبنان، فثمّة خطط يتم العمل عليها لدى مصرف لبنان لمعالجتها، عبر تحويل جزء من الودائع المدولرة إلى سندات طويلة الأجل بالليرة اللبنانيّة. وهو ما سيحل أزمة هذه الفجوة كما يطلب صندوق النقد، من دون المس بالرساميل المصرفيّة. وبذلك، سيكون مصرف لبنان قد وفّق ما بين متطلّبات الصندوق ومصالح المصرفيين في الوقت نفسه.

كل هذه المناورات والمكائد عادت اليوم إلى المداولات بين جميع الأطراف، في استعداد لمرحلة توزيع الخسائر في خطة الحكومة الجديدة. لكن المقلق هو أن جميع هذه الخطط يتم إعدادها اليوم بعيداً عن أعين الإعلام أو الرأي العام، وبعيداً عن أي نقاش حول آثار هذه الخطوات المستقبليّة، وهويّة الفئات التي ستتحمّل كلفتها.

المدن

يلفت موقع "اللبنانية" انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر الّا عن وجهة نظر كاتبه او مصدره.

 

مقالات مشابهة

كيف أقفل دولار السوق السوداء مساء اليوم؟

مشاركة فاعلة لجمعية الصناعيين في معرض "هوريكا"

شقير يُبَشر بعودة قطاع المعارض للتعافي: تحية للمنظمين ولأصحاب المراكز على جرأتهم بتحدي المخاطر الكبيرة

نتائج المسح السنوي لقطاع التأمين في لبنان!

صعود أسعار الذهب وسط مخاوف من اتساع نطاق الصراع في الشرق الأوسط

الرد الإسرائيلي يشعل أسعار النفط

كيف سيتحرّك سعر البنزين في المرحلة المقبلة؟

بوشكيان يعرض مع سفيرة كندا العلاقات الثنائية