يومية سياسية مستقلة
بيروت / °19

الدكتور مصطفى الجوزو - فات أوان الانتخابات المبكرة: لا بد من سعد الحريري

Wednesday, March 31, 2021 5:40:30 PM

بقلم مصطفى الجوزو 


لعل كاتب هذه السطور هو أول من دعا إلى الانتخابات النيابية المبكرة في لبنان، وذلك في مقالة له على صفحته في الفيسبوك بتاريخ 20 تشرين الأول 2019، أي بعد ثلاثة أيام من انطلاق الثورة؛ وعنوان تلك المقالة: "اقتراح لإصلاح النظام في لبنان"، وفيها باختصار مطالبة بالاتفاق على رئيس حكومة جديدة، يتصف بالعلم والفضيلة والخبرة، ولا يكون من الأثرياء، كيما يختار هو أعضاء حكومة مصغرة يكونون على شاكلته، على أن يصدر مجلس النواب قانوناً معجّلاً يسمح بتجاوز الاستشارات الملزمة وطلب الثقة، ثم يستقيل رئيس الجمهورية وتحل الحكومة مجلسَ النواب بمقتضى صلاحياتها وصلاحيات رئيس الجمهورية المنتقلة إليها، ثم تحدّث قانون الانتخاب وتجري الانتخابات النيابية بأقصى سرعة، حتى إذا تم ذلك انتَخب المجلسُ النيابي الجديد رئيساً للجمهورية، وأُلفت حكومة جديدة، وفق الدستور، إلخ. لكنني أعتقد الآن أن أوان الانتخابات المبكرة قد فات. لقد طرحت هذا الاقتراح يوم كانت فرائص القصر وسائر المنظومة الحاكمة ترتعد خوفاً من الثورة، مقدّراً أن في الإمكان إرغام السلطة على القبول بحكومة مؤلفة من نخبة ثورية وتتمتع بصلاحيات استثنائية، وأن في مقدور مجلس النواب الموعود تبديل المعادلة السياسية القائمة والإتيان برئيس جمهورية غير طائفي، يحترم دستور الطائف حقاً، وبحكومة تعمل فوراً على إلغاء الطائفية السياسية. لكن نيران الثورة تفرقت. ويجب أن نعترف بذلك. إذ استغلتها بعض الأحزاب السياسية، ومنها من يدْعون اليوم إلى انتخابات مبكرة؛ حتى جماعات الحكم استغلتها، وبدل أن يكون لها أهداف عامة قليلة وجامعة قابلة للتنفيذ، هي ما سبق ذكره، على أن يعالج المجلس والحكومة المقبلان الأمور السياسية الكبرى، ويناقشا الخيارات المصيرية المختلفة، ويبتّا ما اختلف فيه.. صار كل حزب يطرح مطالبه الخاصة الخلافية من نزع سلاح حزب الله ورفع هيمنته والتحرر من النفوذ الإيراني إلى اللامركزية الإدارية الموسعة والفيدرالية والحياد والعلمانية والزواج المدني وتوحيد قوانين الأحوال الشخصية، إلخ، حتى أوحى بعضهم دفاعاً عن القصر ومطالبة بشنق الآخرين، وطالب آخرون بانقلاب عسكري وتولي الجيش الحكم، فصارت النيران أشتاتاً متناقضة يكاد يطفئ بعضها بعضاً، وصارت كل فئة أو شرذمة تدعي قيادة الثورة، وتصدر البيانات باسمها، وأخذ بعضهم يرقم البيانات: البيان رقم واحد والبيان رقم اثنان، ومضى آخرون يدعون إلى برنامج عقدي للثورة وخطة حكم وتغيير، وكانت الطامة المتوقعة أن دست بعض الأجهزة وبعض الأحزاب المناوئة للثورة رعاعاً شوهوا صورتها، لتتخذ السلطة ذلك ذريعة للبطش بها قمعاً مفرطاً وسَجناً وغير ذلك؟

التوسط بين التقليد والثورة
ليس الحريري محل رضا كثير من الثوار الحقيقيين، فهؤلاء لا يتوقعون من حكومته اجتراح إصلاح جذري. وهو ذو مصالح لا تأتلف وتطلعاتهم، وربما كان عائقاً دون المحاسبة في بعض الأمور، لأنه في النهاية جزء من المنظومة السياسية، وإن استقال استجابة لبعض مطالبهم، وحاول تأليف حكومة تلبي تلك المطالب؛ مَثَله في ذلك مَثَل كثير من الساسة الذين أعلنوا تأييدهم للثورة أو انتحلوا صفتها في دوائر المارونية السياسية والسنية السياسية والشيعية السياسية. هذا صحيح. ولكن الصحيح أيضاً أن الثورة لم تعد قادرة على فرض حكومة ثورية بعد أن نجح الحكم في تشتيت نيرانها والاستدفاء ببعضها، وعاد سيرته الأولى من التسلط وتجاوز الدستور والإمعان في القمع وحماية الفساد والتدخل في القضاء، فضلاً عما أثقل الثورة من وباء كورونا وأزمة اقتصادية خانقة.

هذا، ولا يمكن إجراء انتخابات نيابية بغير حكومة، ذلكم من المسلمات، فصار لزاماً على أهل الثورة أن يقبلوا بالمسار الدستوري التقليدي مع ممارسة ضغطهم للتخفيف من هيمنة المنظومة الحاكمة وحمايتها للفساد. وبكلمة، لا بد من القبول بحكومة متوسطة بين التقليد والثورة. لنقل حكومة إصلاح في الحد الأدنى. أما محاولة القفز عن هذه الحقيقة والمطالبة بإجراء الانتخابات المبكرة قبل تأليف الحكومة، فأمر غير منطقي وغير معقول. ولا مفر من الحل المرحلي على سيئاته.

بقية عمر المجلس لا تستحق العناء
وشيء آخر، هو أن ولاية مجلس النواب الحالي تنتهي في 6 أيار من سنة 2022، أي أنه قد بقي من عمره نحو سنة وشهرين، والإعداد للانتخابات يحتاج قرابة الستة أشهر، فلو تفاءلنا غاية التفاؤل وأُلّفت الحكومة بعد أيام، فإنه سيبقى من عمر المجلس بعد الإعداد اللوجستي للانتخابات نحو ستة أشهر ليس غير، وهي مدة قصيرة لا تستحق عناء إسقاط مجلس والتبكير في انتخاب خلفٍ له، فكيف لو تأخر تأليف الحكومة؛ علماً أن هذا التبكير لن يتيح تطوير قانون الانتخاب وتحديثه، ذلك القانون الذي يخدم في صورته الحالية المنظومة الحاكمة، ومن شأنه أن يعيد الحكم إلى صورته القديمة مع الأمل بتغييرات ضئيلة لا تخدم قضية الثورة.

ولهذا يبدو القبول بسعد الحريري على علاته هو الخيار المتاح، بعد أن كلفه النواب رئاسة الحكومة وصار رئيساً دستورياً لها. وقد أوضحنا في مقالة سابقة أن صفة "الرئيس المكلف" تقتصر على مرحلة الاستشارات النيابية الملزمة، بمعنى أن النواب هم المكلِّفون لرئيس الحكومة، لكن بمجرد أن يُعلن رئيس الجمهورية ذلك التكليف يصبح رئيس الحكومة رئيساً مسمّى، لأن إعلان رئاسة الجمهورية في هذا الشأن إنما هو تسمية، سواء أصدرت الرئاسة مرسوماً بالتسمية أم أرجأت الإصدار، وذلك ما يفهم من نص الدستور، ولا يعود رئيس الحكومة كما يحلو لبعضهم أن يتوهم مجرد شخص مكلف يستطيع من كلفه أن يجرده من المهمة التي أسندها إليه، كما يجرّد الموكِّل وكيله من الوكالة، محامياً كان الوكيل أم منتدَباً عادياً من الموكِّل، في أي شأن قانوني.

ولو صح تجريد رئيس الوزراء من التكليف لصح أيضاً تجريد النواب من تمثيلهم للشعب، وصح تجريد رئيس الجمهورية من الرئاسة. إن الوكالة الناشئة عن الانتخاب تجعل للمنتخَب حقاً مكتسباً في التمثيل لا يجوز الرجوع عنه إلا بنص دستوري أو قانوني صريح، سواء كان الانتخاب بواسطة الاقتراع أو بأي واسطة أخرى. فالمحامون مثلاً لا يستطيعون انتخاب نقيب لهم اليوم، والتراجع عن انتخابه غداً، بل يصبح للنقيب المنتخَب سلطات ملزمة لمن انتخبوه، ويصبح على هؤلاء احترام تلك السلطات حتى نهاية ولايته، أو حتى قيامه بعمل يسمح القانون صراحة لا اجتهاداً بعزله. الانتخاب ليس أمراً عارضاً يمكن التبرؤ منه وإلغاء نتائجه بل هو عمل جدي يتحمل فيه من يمارسه تبعة ممارسته وما تقتضيها من نتائج، وإلا لم ينتظم العمل المؤسسي ولانتُقصت الكرامات، دع الضرر المعنوي، وربما المادي، الذي يصيب الشخص المعزول. إنه عهدٌ، وكلٌّ مسؤول عن عهده. حتى التعهد القانوني الذي يقره أحدهم على نفسه تجاه  طرف آخر ولو تودّداً وكرامة يُلزِمه التقيد بمحتواه ولو ندم على إقراره بعد حين. والذين يفكرون أو فكروا بما سموه سحب التكليف، يعنون نكثه، هم أنفسهم من نكثوا قسمهم باحترام الدستور والقانون، ومن ينكث قسمه لا تُستغرب مطالبته بالتحلل من التكليف أو سعيه إلى ذلك.

النتيجة
وفي النتيجة، ما دام الشعب قد انتخب النواب، مهما كان القانون الانتخابي جائراً، وأوكل إليهم، في ما أوكل، حق انتخاب الرؤساء الثلاثة، فإن الذي يختارونه دستورياً ملزِم للأمة ومؤسساتها، وليس لأحد نقض ذلك الاختيار، ولا اجتزاء صلاحيات من اختير، لا بدعوى الميثاقية ولا التشاركية ولا التوازن الطائفي، المقصود به التوازن الحزبي، ولا رفض دور ساعي البريد أو صندوقه، ولا حقوق الطوائف، ولا احترام المقامات، ولا الوفاء لمن ادعى لنفسه منزلة الأب، فذلك كله كلام لا معنى له في الدستور ولا مكان.

وبالتالي، سواء أيدنا سعداً الحريري أو عارضناه، فإن علينا القبول برئاسته للحكومة واحترام موقعه، لأن في ذلك احتراماً لا للشخص بل للدستور، وللمجلس الذي اختاره، وليتخذ العمل الدستوري مجراه من بعد، سواء في مجلس النواب قبل ممارسة الحكومة المهمات المنوطة بها، أو في المشاريع التي تعمل على تحقيقها بعد نيلها الثقة، أو في محاسبتها رئيساً ووزراء في مجلس النواب على أعمالها، ولا يجوز ابتزاز رئيسها من قبل أي سلطة، لأن في ذلك سلوكاً غير أخلاقي وتجاوزاً للدستور واستخفافاً بمن اختاروا رئيس الحكومة. إنها مرحلة لا بد منها، قد لا ترضي الروح الثورية، ولكنها واقع دستوري يقتضيه العمل المؤسسي المنتظم، وتوجبه الظروف. وحتى لو أُريدَ إجراء انتخابات مبكرة، وهيهات، فإن وجود حكومة عاملة شرط لا بد منه لتحقيق ذلك.

يلفت موقع "اللبنانية" انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر الّا عن وجهة نظر كاتبه او مصدره.

 

مقالات مشابهة

وكالة إيرنا: لا خسائر كبيرة بعد الانفجارات التي حدثت في إيران

إجراءات متلاحقة لضبط الانفلاش النقدي في لبنان

تحذيرات دبلوماسية للبنان: هذا ما تنوي إسرائيل فعله!

مسؤولان عسكريان إسرائيليان لنيويورك تايمز: الجيش الإسرائيلي ضرب إيران في وقت مبكر اليوم

دوي انفجارات عنيفة بمدينة أصفهان الإيرانية وتقارير عن هجوم إسرائيلي

اول دولة في العالم تبدأ بتغيير لون الاسفلت للازرق

باسيل أبلغ اللجنة الخماسية طلبه الحصول على تعهد خطي بأن يفضي الحوار الى انتخاب رئيس

نادي الحكمة يلجأ الى القضاء بعد إشكال الأمس