يومية سياسية مستقلة
بيروت / °19

محمود القيسي - ذكرى "يوم الأرض".. الفلسطينيون أكثر تمسكاً بالأرض

Tuesday, March 30, 2021 10:31:12 AM

بقلم محمود القيسي


"علَى هَذِهِ الأَرْض مَا يَسْتَحِقُّ الحَياةْ: تَرَدُّدُ إبريلَ, رَائِحَةُ الخُبْزِ فِي الفجْرِ، آراءُ امْرأَةٍ فِي الرِّجالِ، كِتَابَاتُ أَسْخِيْلِيوس، أوَّلُ الحُبِّ، عشبٌ عَلَى حجرٍ، أُمَّهاتٌ تَقِفْنَ عَلَى خَيْطِ نايٍ, وخوفُ الغُزَاةِ مِنَ الذِّكْرياتْ.

عَلَى هَذِهِ الأرْض ما يَسْتَحِقُّ الحَيَاةْ: نِهَايَةُ أَيلُولَ، سَيِّدَةٌ تترُكُ الأَرْبَعِينَ بِكَامِلِ مشْمِشِهَا, ساعَةُ الشَّمْسِ فِي السَّجْنِ، غَيْمٌ يُقَلِّدُ سِرْباً مِنَ الكَائِنَاتِ، هُتَافَاتُ شَعْبٍ لِمَنْ يَصْعَدُونَ إلى حَتْفِهِمْ بَاسِمينَ، وَخَوْفُ الطُّغَاةِ مِنَ الأُغْنِيَاتْ.

عَلَى هَذِهِ الأرْضِ مَا يَسْتَحِقُّ الحَيَاةْ: عَلَى هَذِهِ الأرضِ سَيَّدَةُ الأُرْضِ، أُمُّ البِدَايَاتِ أُمَّ النِّهَايَاتِ. كَانَتْ تُسَمَّى فِلِسْطِين. صَارَتْ تُسَمَّى فلسْطِين. سَيِّدَتي: أَستحِقُّ، لأنَّكِ سيِّدَتِي، أَسْتَحِقُّ الحَيَاةْ".

في 30 مارس/آذار من كل عام ينحني التاريخ أمام الأرض.. في 30 مارس/آذار من كل عام يسجد التاريخ على الأرض ويتنفس رائحة ترابها، تراب حيفا ويافا والقدس والجليل.. تراب رام الله والناصرة وبيت ساحور.. بيت لحم وغزة وبيسان البرتقال والتين والزيتون.. 30 مارس/آذار من كل عام ياخذنا التاريخ الى مكان واحد، يأخذنا الى "يوم الأرض"، أرض فلسطين.

يأخذنا إلى ارض فلسطين، يأخذنا إلى كل فلسطين، مملكة السماء، مسرى الرسول، ميلاد السيد المسيح.. بلاد الانبياء، والفدائيين. في 30 مارس/آذار من كل عام ينحني التاريخ ويسجد، يقبل أرض فلسطين، أرض الشهداء.

يحيي الفلسطينيون في الثلاثين من مارس/آذار من كل عام ذكرى يوم الأرض للتعبير عن تمسّكهم بأرضهم وهويتهم الوطنيّة، بعد أن صادرت السلطات الإسرائيلية آلاف الدونمات من الأراضي السكنية الفلسطينيّة، خرجت على أثرها المظاهرات التي توسعت لاحقاُ وأدت إلى مواجهات بين الفلسطينيين و السلطات الإسرائيلية، انتهت باعتقال ومقتل العديد من الفلسطينيين.

كان الرد الإسرائيلي عنيفا على هبة "يوم الأرض"، باعتبارها أول تحد من "الأقلية الفلسطينية" بعد احتلاله فلسطين عام 1948، فيما يعتبره الفلسطينيون تحولا بمسيرة نضالهم ضد الاحتلال، وتأكيدا على تشبثهم بأرضهم.غالباً ما يُصوَّر فلسطينيو الداخل المحتل، جَهلاً أو دعايةً، كموالين للمؤسسة الإسرائيلية، لكن بالرغم من دأب الاحتلال على فرض مشاريع التَهْويد والأَسْرَلة عليهم، وغيرها من الممارسات القمعية التي تهدف لكَمّ أفواههم وتغييب وَعْيهم الوطني ومحو الذاكرة الفلسطينية التي تُعتبر دليل وجودهم التاريخي على أرض فلسطين، نجدهم يصرّون على إحياء هذا اليوم؛ نساء وأطفالاً ورجالاً وشيوخ عاماً تلو الآخر، إيماناً منهم بأحقّيتهم بأرضهم.

أشكال المقاومة والمواجهة في الدّاخل اختلفت مع تغوّل الاحتلال أكثر فأكثر. ففي سبعينيات القرن الماضي خرج الفلسطينيون بشيبهم وشبابهم من الجليل إلى النّقب في مواجهات مباشرة بشوارع المدن والقرى العربية الفلسطينية مع القوات الإسرائيلية، التي استدعت تدخّل قواتها الخاصّة والطيران الحربيّ والدبّابات في الكثير من الأحيان، فيما حرص فلسطينيو الداخل المحتل بعدها على استمرارية إحياء الذكرى سنوياً.

وتنشط الدعوات إلى المظاهرات والاحتجاجات في مثل هذا اليوم من كل عام لإحياء ذكرى مقتل وجرح المئات من الفلسطينيين على يد القوات الإسرائيلية خلال مظاهرات عام 1976.تعامُل الاحتلال مع هذا الحدث اتخذ أوجُهاً مختلفة هو الآخر، حيث سعى عبر السنين لمحاولة احتواء الفلسطينيين في الداخل المحتل، توظيفاً للفكر الصهيوني المبني على عقيدة أن "الكبار يموتون والصغار يَنسون"، ولإدراكهم لحساسية دور فلسطينيي العام 1948 والتخوّف المستمر فيما إذا قامت جدّياً مقاومة للاحتلال بالسلاح من الداخل. ونظرا لتفشي وباء فيروس كورونا المستجد، لجأ الفلسطينيون لإحياء ذكرى "يوم الأرض"، عبر الفعاليات الرقمية والمنزلية، كما دعت فصائل فلسطينية في الذكرى الماضية (2020) إلى رفع العلم الفلسطيني على أسطح المنازل وفي الأماكن العامة.

تجدر الإشارة إلى أن فلسطينيي الداخل المحتل، يبلغ عددهم نحو 1.3 مليون نسمة، بعدما كانوا 150 ألف نسمة فقط عام 1948م، على وجه الخصوص، يعتبرون "يوم الأرض" أبرز أيامهم النضالية، التي حافظت على بقائهم وهويتهم.لذا، نجد الاحتلال يُغري ممثليات الشعب في السلطات المحلية بالمدن والقرى العربية الفلسطينية مثلاً، بأموال للدفع بمشاريع "ثقافية" تهدف لتمييع أفكارهم وإبعادهم عن قضيتهم المركزية وأصولهم التاريخية، كترسيخ تسمية "عرب إسرائيل" التي توحي زوراً بأن هناك وطناً إسرائيلياً جامعاً لكل الفئات، واعتبارهم "أقليّة" بين "أكثرية"، لتغييب واقع أنهم أصحاب الأرض الأصليين. بالإضافة لمحاولة خرطهم في سوق العمل الإسرائيلية وتقليدهم مناصب إدارية توهمهم بالمواطنة الكاملة.

"في ستينيات القرن الماضي تغنى محمود درويش بالأرض كما لم يتغن شاعر من قبل. اتكأ الشاعر على موروث الشعر الفلسطيني فقرأ أبا سلمى -عبد الكريم الكرمي- وطوقان وكتب:

”وأبي قال مرة:
الذي ما له وطن
ما له في الثرى
ضريح
ونهاني عن السفر“

ووحد الشاعر بين المرأة والأرض:

”أنت عندي أم الوطن
أم أنتما توأمان؟“

و

”يا صخرة صلى عليها والدي
لتصون ثائر
أنا لن أبيعك باللاليء.“

ولقد شغل موضوع الأرض الدارسين أيضاً فأنجزت عنه رسائل علمية عديدة.

اليوم تمر الذكرى الـ 45 ليوم الأرض، فماذا بقي لنا منها؟

هل نكرر قول محمود درويش: ”سنطردهم من هواء الجليل“ أم نردد، ولو لفترة، سطر تميم البرغوثي: ”في القدس من في القدس إلا أنت“ و”في القدس كل فتى سواك“؟

مكث الصليبيون هنا 200 عام وغادروا. ربما لهذا أنهى تميم قصيدته بالسطر: ”ولكني لا أرى في القدس إلا أنت“.

في يوم الأرض، وفي كل يوم، ينحني التاريخ امام الأرض ويسجد.. يقبل تراب فلسطين، كل فلسطين.. يقبل تراب القدس، كل القدس لا شرقية ولا غربية.

القدس عاصمة فلسطين كل فلسطين.. قلب هذا العالم، يعيش به أو يموت به..!!!


يلفت موقع "اللبنانية" انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر الّا عن وجهة نظر كاتبه او مصدره.

 

مقالات مشابهة

خاص- تغيير الوضع الراهن بين إسرائيل ولبنان: الخيارات الأمريكية

خاص- إيران تستعد للضربة المنتظرة ضد اسرائيل.. تقرير يكشف

خاص- عمليات حزب الله تحولت الى نوعية.. كم عسكري اسرائيلي قتلت؟

خاص- تقارب محتمل بين الإمارات وحزب الله؟

خاص- اقرأوا هذه التفاصيل.. هكذا تستعدّ إسرائيل للحرب مع "الحزب"

خاص- أسلحة أميركية جديدة إلى إسرائيل

خاص- الولايات المتحدة قلقة على لبنان من إسرائيل.. لماذا؟

خاص- كيف ساعدت الدول العربية في التوصل إلى قرار لوقف إطلاق النار في غزة؟