يومية سياسية مستقلة
بيروت / °19

كيفية حل الإشكالية الدستورية بين رئيسي الجمهورية والحكومة المكلّف بتشكيلها في حال استفحال الخلاف بينهما بشأنها

Monday, March 22, 2021 10:04:27 PM

بقلم المحامي الدكتور هيثم عزُّو


تنص المادة 64 من الدستور على أن: "يجري رئيس الحكومة الاستشارات النيابية لتشكيل الحكومة ويُوقِّع مع رئيس الجمهورية مرسوم تشكيلها". وهذه المادة تنعطف أيضاً بدورها على البند رقم 4 من المادة 53 من الدستور التي تنص على ما حرفيَّتهُ: "يُصدِر رئيس الجمهورية بالاتفاق مع رئيس مجلس الوزراء مرسوم تشكيل الحكومة".
ويتضح جليًّا من هاتين المادتين أن مرسوم تشكيل الحكومة يصدر نتيجة توافق بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلَّف بتشكيلها. ولكن السؤال الذي يطرح ذاته على بساط البحث الدستوري في هذا الشأن هوَ: ماذا لوَ لم يحصل هذا التوافق بين الرئيسيّن المذكورّين؟
للإجابة على هذا التساؤل، لا بدًّ )أولاً( من معرفة دور رئيس الجمهورية في عملية تأليف الحكومة العتيدة، ثمَّ لا بدَّ )ثانياً( من معرفة كيفية حل إشكالية انعدام التوافق بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلَّف.

أولاً- في دور رئيس الجمهورية بعملية التأليف:
إذا كانت الحكومة تخرج الى الحياة الدستورية بعد منح النواب الثقة لها، الاَّ أنه يقتضي عدم تجاهل المرحلة السابقة لذلك باعتبار أنهُ يقتضي لتكوينها وتشكيلها أن يتم أولاً الاتفاق عليها بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف اذ هي لا تتكون دستورياً الاَّ بمرسوم يتم توقيعه من كليهما كما سبقَ وأسلفنا؛ وهو ما يوجب بالتالي على الرئيس المكلّف أن يتناقش مع رئيس الجمهورية بتفاصيل التشكيلة الوزارية وكل ما يتعلق بها واجرائه التعديلات التي يقترحها هذا الأخير عليه على مسودّتها الأولية وخاصةً أن دور رئيس الجمهورية بما يُمثِّل من الناحية الدستورية ليسَ دوراً عارضاً أو عابراً أو متلقياً لأنه أولاً يُشاطر رئيس الحكومة رئاسة السلطة الإجرائية فيكون من حقِّهِ التدخل في تشكيل ما سيرأس، الأمر الذي يجعله بالتالي يلعب دوراً دستورياً أساسياً في تكوين هذه السلطة ولا سيما أن مرسوم تشكيلها يصدر )بالاتفاق( بينهُ وبين رئيس الحكومة. وعليه فأن الاتفاق يفرض وجوب اجراء تفاهمات بينهما يتمخّض عنها تعديلات بشأن تشكيلها بناءً لرغبتهما معاً -بحسب رؤيتهما لمنطق مجريات الأمور- لا بناءً لرغبة الرئيس المكلَّف فقط؛ ولأنهُ ثانياً رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن بحسب الدستور، الأمر الذي يُمكِّنه بالتالي من ابداء ملاحظاته بشأن شكل الحكومة وطلب اجراء التعديلات على مسودّة مشروع تأليفها، بما يجعلهُ مقتنعاً ومطمئناً الى توفُّر سائر المقوِّمات اللازمة لنجاحها وبما يتلاءم مع تحقيق المصلحة الوطنية العليا للبلاد.
وفي المقابل، لا يعني ذلك اطلاقاً بأن يُصبح رئيس الجمهورية عائقاً أمام عملية تأليف الحكومة، بل يقتضي بهِ أن يلعب دور المؤازر والمسهِّل لمهمَّة الرئيس المكلف في تشكيل الحكومة، وهو لن يتمكن من أن يلعب هذا الدور الاَّ اذا جعل من نفسه بالمركز الذي أناطَهُ بهِ الدستور كرمز لوحدة الدولة بما يفرض عليه ذلك الاَّ يكون فريقاً في الصراع السياسي الذي يحتدم بين القوى السياسية والكتل النيابية، باعتبار أن الدستور وضع رئيس الجمهورية في مقامٍ سامٍ يتناسب مع موقعه ودوره، اذ أنه بنصه في المادة 49 على أن رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن يكون قد ميّزه عن غيره من رئاسات السلطات الدستورية ووضعه بالتالي فوق الطوائف والصراعات السياسية والحزبية التي تنتهجها الكتل النيابية، بحيث يكون عنواناً جامعاً للعباد، وأساساً لوحدة البلاد، الأمر الذي يعني معهُ أن تكون تعديلاته المقترحة على تشكيلة الحكومة تستهدف تحقيق الصالح العام لا تحقيق المصالح الخاصة بالكتل النيابية الحزبية التي هي على حالة وئام معه وخاصةً أن ذلك يُصعِّب مهمة التأليف على الرئيس المكلّف وقد يؤخر هذه العملية برمَّتها، بما يستتبع ذلك من ادخال البلاد في أزمة سياسية ودستورية خطيرة قد لا تُحمَد عُقباها. لذلك يقتضي ان يبذل رئيس الدولة مع الرئيس المكلَّف كل جهدٍ مُستطاع لتشكيل الحكومة لا لعرقلتها بمطالب ذات نزعة مصلحية خاصة، ممَّا يفرض عليه تحمّل مسؤوليتهِ الدستورية كمفتاحٍ للحلول انطلاقاً من دوره الجامع السامي الذي أناطهُ بهِ الدستور المُؤتمِن بقسمهِ على احترامهِ.
وعليه، تكون مرحلة تأليف الحكومة -التي تبدأ بعد مرحلة تسمية رئيس الحكومة- محصورة بشكل أساسي برئيس الحكومة المكلّف الذي منحه النواب الثقة البرلمانية بتسميته بناءً لاستشارات نيابية ملزمة وبشكل تبعي برئيس الجمهورية باعتبار أنهُ يتوجب في هذه المرحلة على الرئيس المكلّف أن يبقى على تواصل شبه يومي مع رئيس الجمهورية، ومنذ انطلاقة استشاراته مع النواب، فيطلعهُ على الأجواء التي سادت هذه الاستشارات، وعلى مطالب الكتل النيابية، والصعوبات التي يُواجهها، ويتداول معهُ في كيفية تذليل هذه الصعوبات وفي كل شاردة وواردة في هذا الشأن ولاسيما الأسماء المطروحة في التشكيلة الوزارية وكيفية توزيع الحقائب بين سيادية وخدماتية وغيرها من الأمور لتسهيل عملهِ في عملية التأليف ويكون بالتالي من الواجب على الرئيس المكلّف أن يجري التعديلات اللازمة التي يقترحها بصورة موضوعية رئيس الجمهورية عليه بخصوص مشروع التشكيلة الوزارية وخاصةً أن تشكيل الحكومة يتم في نهاية المطاف بمرسوم مشترك يصدُر في هذا الشأن ويُوقعان معاً عليه.

ثانياً-في كيفية حل إشكالية انعدام التوافق بين رئيس الجمهورية والرئيس والرئيس المكلَّف:
إذا كان منطق الأمور يفرض حصول اتفاق بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف حول تشكيل الحكومة، الاَّ انه أحياناً قد يحصل لأسباب سياسية عقيمة حصول احتدام مستدام في الموقف حول تشكيل الحكومة بين رئيس الجمهورية ورئيس المكلف وهو ما يوجب بالنتيجة البحث عن حلَّ دستوري لهذه الحالة.
وفي الواقع لم يتصدَّ الدستور لهذه المُعضِلة ولكن يمكن الاستنتاج بأن حلَّها يتوقف على ارادة رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف طالما أن الدستور عينهُ اشترط في المادتين 53 و64 منه حصول اتفاق بينهما لإصدار مرسوم تشكيل الحكومة وتوقيعهُ معاً.
وأنهُ في ظل احتدام الصراع بينهما بشأن التشكيلة الحكومية والذي غالباً ما يكون على التسميات وتوزيع الحقائب الوزارية بين الكتل النيابية لا مناصَ حينها من أمرين: امّا الاتفاق فيما بينهما على تشكيل حكومة تكنوقراط من خارج مجلس النواب طالما أجازت المادة 28 من الدستور مثل هذا الأمر الصُحي في مثل هذه الحالة؛ وامّا احتكامهما لمجلس النواب الذي يُمثِّل الشعب عبر اصدار رئيس الجمهورية مرسوم تشكيل الحكومة يوقِّع عليه معهُ الرئيس المكلّف وذلك لإراحة البلاد من هذه المشكلة بدلاً من أن تستمر في حالة الشلل الدستوري التام الذي تعانيه. وما يُبرِّر وجوب حصول هذا الاجراء حينها هو أن رئيس الجمهورية يُعتَبَر دستورياً مؤتمناً على سلامة البلاد واحترام الدستور بما يعني عدم تعطيله حفاظاً على المصلحة العامة للدولة وخاصةً أن الرئيس المكلَّف هو وحده الذي سيتحمل لاحقاً دون رئيس الجمهورية مسؤولية الحكومة أمام مجلس النواب، ليقوم بالنتيجة هذا الأخير بإعطاء الثقة لهذه الحكومة أو بحجبها عنها وبالتالي امّا يكون فيه موقف المجلس النيابي -الذي يُمثِّل الشعب- مع ما توصل اليه الرئيس المكلَّف ولو لم يكن وفق ما ابتغاه رئيس الجمهورية، لتنصرف بذلك هذه الحكومة الى حلّ المشاكل الاقتصادية والمالية والاجتماعية بعد نيلها الثقة، وامَّا يكون فيه موقف المجلس النيابي مع تطلعُّات رئيس الجمهورية الذي لم يتوصل الى اتفاق مع الرئيس المكلَّف وذلكَ بحجب الثقة عن حكومته العتيدة والعودة مجدداً الى رئيس الجمهورية في هذه الحالة لإجراء استشارات نيابية جديدة تنتهي الى تكليف رئيس جديد وفقاً لما تُسفر عنه الاستشارات النيابية الملزمة.
ويقتضي الإشارة في هذا الصدد بأنه لا يمكن دستورياً لا رئيس الجمهورية ولا للمجلس النيابي حق عزل الرئيس المكلَّف إذا لم يشأ هذا الأخير الاعتذار عن متابعة مهمته بتأليف الحكومة والسبب في ذلك هو عدم وجود نصَّ يجيز مثل هذه الصلاحية لرئيس الجمهورية اذ أن المبدأ هو "لا صلاحية دستورية بلا نص" ولاسيما أن الرئيس المكلّف حاز على ثقة اغلبية النواب وليس على ثقة رئيس الجمهورية ليقوم هذا الأخير بسحبها منه عبر عزله لهُ ؛ كذلك الأمر ليس لمجلس النواب حق وضع يده على موضوع تشكيل الحكومة والتدخل في عمل السلطة الإجرائية حين حصول الخلاف بين رأسَيّ هذه السلطة عملاً "بمبدأ فصل السلطات" ولا سيما أن قيام المجلس النيابي بعزل الرئيس المكلّف أو سحب التكليف منه يُشكِّل انقلاباً غير دستورياً على نتيجة الاستشارات المُلزمة التي خلُص اليها رئيس الجمهورية بصدد عملية التكليف ولاسيَّما أن تقرير مثل حق هذا للمجلس النيابي سيقود الى نتيجة خطيرة تُتيح لهُ حق عزل رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب في حال وجود مشكلة إجرائية داخل السلطة الواحدة لا تتعلق بسقوط الأهلية القانونية عن المطلوب عزله وذلك لا يأتلف اطلاقاً مع منطوق أحكام الدستور ولا مع روح البرلماني.
وربَّ قائلٍ يقول ماذا لو تمَّ تكليف أحد بتشكيل الحكومة ولكنه تعرّض لحادث ما جعله في غيبوبة دماغية، فهل يُعقل أن يبقى تشكيل الحكومة معلّقاً على استعادة الرئيس المكلّف لوعيّه وعافيته؟!
نجيب بأنَّ هذه الحالة تتعلق بالأهلية الصحية للرئيس المكلّف وليس بمشكلة دستورية إجرائية حول تشكيل الحكومة عالقة فيما بيّن رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف وفي هذه الحالة يصبح من حق المجلس النيابي بعد انقضاء فترة معقولة زمنياً -وعلى ضوء نتيجة التقارير الطبية حول مدى صعوبة عودة الرئيس المكلف الى عافيته خلال هذه المهلة- التدخل وإعلانه سقوط التكليف للعلّة الصحيّة التي ألمّت بالرئيس المكلف وذلكَ حمايةً للمصلحة العليا للبلاد من الاستمرار في حالة الفراغ لأسبابٍ غير دستورية ويكون هذا التدخل مبرّراً في هذه الحالة بمبدأ قانوني عام مآله: "الضرورات تبيح المحظورات".

يلفت موقع "اللبنانية" انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر الّا عن وجهة نظر كاتبه او مصدره.

 

مقالات مشابهة

خاص- تغيير الوضع الراهن بين إسرائيل ولبنان: الخيارات الأمريكية

خاص- إيران تستعد للضربة المنتظرة ضد اسرائيل.. تقرير يكشف

خاص- عمليات حزب الله تحولت الى نوعية.. كم عسكري اسرائيلي قتلت؟

خاص- تقارب محتمل بين الإمارات وحزب الله؟

خاص- اقرأوا هذه التفاصيل.. هكذا تستعدّ إسرائيل للحرب مع "الحزب"

خاص- أسلحة أميركية جديدة إلى إسرائيل

خاص- الولايات المتحدة قلقة على لبنان من إسرائيل.. لماذا؟

خاص- كيف ساعدت الدول العربية في التوصل إلى قرار لوقف إطلاق النار في غزة؟