يومية سياسية مستقلة
بيروت / °13

إذا لم يكن من الموت بُدٌّ.. فمن العجز أن تموتَ جبانا - رضوان السيد

Monday, March 22, 2021 2:09:56 PM

بقلم رضوان السيد

ما تركت كلمة الأمين العام لحزب الله مساء الخميس في 18 آذار 2021 مقالاً لقائل ولا أملاً لمتأمّل. ولكي لا تُلهينا التفاصيل التي يمكن العودة إليها فيما بعد، هناك مسألتان أساسيتان ينبغي أن لا ننساهما لأنهما قلب الخطاب كلّه:

- المواجهة مع الولايات المتحدة التي يرى له (ولنا) الاتجاه للقيام بها بهجران صندوق النقد الدولي (كأنما يترجّانا الأميركيون ولسنا نحن المحتاجين لذلك).

- وهجران فكرة الذهاب للمجتمع الدولي والذهاب باتجاه الصين وإيران وروسيا. 

وفي حين كان سعد الحريري يقول من أمام القصر الجمهوري بعد اجتماعه السابع عشر مع رئيس الجمهورية قبل خطاب الزعيم بساعتين إنّ الحكومة التي يتوخّى تشكيلها يريدها أن تكونَ مؤهلةً للذهاب إلى صندوق النقد بالذات، رأى أمين عام الحزب المسلَّح أنّ إيران هي البديل، بدليل استعدادها لبيعنا البترول والغاز بالليرة اللبنانية. أما كلام البطريرك الراعي بشأن الحياد وبشأن المؤتمر الدولي من أجل لبنان، فقد صار عنده تدويلاً ومعناه الذهاب إلى أميركا وإسرائيل.

ولنقف قليلاً عند هاتين النقطتين: لبنان جزءٌ من النظام العالمي النقدي والمالي والاقتصادي والسياسي. كما أنّ مجتمعه هو جزءٌ من هذه الثقافة العالمية في مصارفه وجامعاته ومستشفياته ومدارسه ونظامه الإداري والقانوني والدستوري. المشكلة لا تنحصر في كيفية استيراد البترول والغاز، بل في إرادة الزعيم مسخ النظام اللبناني أو إلغاءه. وهذه ليست المرة الأولى التي يقترح فيها علينا الخضوع لإرادته في الانقلاب على نظام العيش والدولة الوطنية المستقلة. أما ما قاله البطريرك ويقوله ويوافقه عليه معظم اللبنانيين، فهو سياسات لبنان المعتمدة عبر مائة عام.

فالحياد مقتضى الدستور ونصّه وروحه، وما غلب عليه محورٌ أو دولةٌ إلاّ ونزلت به المصائب، وأفظعها ما يجري عليه خلال حقبة خضوعه لمحور إيران.  هذه المرة أفظع من كل المرات، لأنه لم يترتب عليها احتلال جزء من الأرض، أو الانتقاص من السيادة والاستقلال فقط، بل وانهار خلالها وبسببها نظام عيش اللبنانيين، في شتّى مجالاته.

كلما كانت مشكلةٌ تحدث عندنا تمسّ الأرض والسيادة أو العمران، يسارع العرب لإعادة الإعمار، ويهب المجتمع الدولي لاتخاذ قراراتٍ في مجلس الأمن من أجل لبنان. وحتى الآن، ما تزال الجهات ذاتها هي التي تقدّم معظم المساعدات للشعب اللبناني وللدولة اللبنانية.

لماذا اتجه ذلك كلّه للخمود؟

لأنّ المحور الذي صار أمين عام الحزب قائده مسيطرٌ في لبنان، ويمارس مع "المتأيرنين" الآخرين التخريب ونشر الاضطراب في دولٍ عربية عديدة، ويواجه العالم. البطريرك الراعي الذي دعا لتحرير الشرعية من قبضة المحور إياه، ومن قبضة الميليشيا والمافيا، اتجه كما كانت كل حكومات لبنان تتجه إلى المجتمع الدولي، لأن لبنان فقد حياده، وفقد سيادته، وفقد أمنه، وفقد عيشه الرغد. ولنذكّر بالقرارات الدولية التي عُنيت بأزمات لبنان وأهمها بعد الـ425 (عام 1978): القرار1559، والقرار 1680، والقرار 1701 ، والقرار 1757. وليست كل القرارات صادرة بسبب النزاع مع إسرائيل. بل إنّ  القرار 1559 (ضد القوات الأجنبية والميليشيات)، والـ1680 (لترسيم الحدود مع سورية)، والقرار1757 (لاشتراع المحكمة الدولية الخاصة باستشهاد الرئيس رفيق الحريري).

فليُسمِّ الأمين العام الأمر ما يشاء، لكنْ لا يمكن الخلاص من السلاح غير الشرعي، ومن أفعال الميليشيا والمافيا إلاّ باللجوء إلى المجتمعين الدولي والعربي. فكيف سيساعدنا العالم (ومنه العرب) ونحن يحكمنا تنظيم مسلَّح يعتبره العرب والعالم المتقدم تنظيماً إرهابياً؟!  نعم، لا خلاص من الحالة التي نحن فيها إلاّ بمناداة العالم كما كنا نفعل عندما تغزونا إسرائيل أو يسيطر علينا جنود الأسد وزبانيته، والآن جنود إيران.

لا نعرف إلى من يتحدث الزعيم عندما يزعم أنه لم يستخدم سلاحه بالداخل اللبناني. أوّل من سيبتسم بالطبع لهذا الكلام ميليشيا حزبه التي عاثت وتعيث في الأرض فساداً، ثم أهالي الضحايا والشهداء، ثم السياسيون اللبنانيون الذين صاروا خاضعين لـ"وهج" السلاح، خشية نزول ما هو أفظع بهم وبغيرهم، وهم يرون الاغتيالات تتوالى وتتجدّد وتستمرّ. ثم مَنْ يُخضع الحزب لحكم القانون بإخراجه من المطار والمرفأ والحدود، ومحاسبته على إطلاق تجارة المخدرات وغسيل الأموال وكل الجرائم الشائنة الأُخرى؟

وبقيت مسألتان في خطاب الزعيم تستحقان الذكر بالفعل. دائماً عند الأمين العام حلٌّ خاصٌّ بالشيعة المبتلين بسيطرته. لا أعرف لماذا يخبرهم علناً أنه ما عاد قادراً على الدفع لهم جميعاً أو بعضهم (؟) بالدولار. قلتَ قبل حوالى العام إنّك تريد كسْر الدولار أو إلغاءه. ثم فخرتَ على اللبنانيين بأنّ أنصارك سيظلون يقبضون به. والآن ما عاد ذلك ممكناً. يعني هل ستحيلهم بالتدريج على "القرض الحسن" باعتبار أنّ الليرة اللبنانية مستمرة في الانهيار؟ أظن وبعض الظن إثم (!) أنك ستفعل ذلك لأنك لن تقبل بانضمام محازبيك إلى اللبنانيين الآخرين المفلسين لاعتمادهم على الليرة وحسْب.

والمسألة الثانية طلبك من قائد الجيش أن يمنع سدَّ الطرقات. وهو الأمر الذي يزعج الرئيس أيضاً. وبدلاً من تفكيركم منذ عامٍ وأكثر بمخارج من المأساة اللبنانية أنت وزملاؤك في الطبقة ولو بإرغام الرئيس للموافقة على تشكيل حكومة صالحة وقادرة، قمتم بأمرين متتاليين: حشدتم جمهوراً في وجه جمهورٍ يصرخ من وجع الجوع. ثم صرتم إلى استخدام العنف أو الإحلال أو دفع عناصر للتخريب. وعندما لم ينفع ذلك كلُّه رُحتُم تطالبون الجيش بفتح الطرقات وإلاّ!

لا تعجبنا أو لا تعجب معظمنا نحن اللبنانيين أن تخاطبوا قائد الجيش بهذه الطريقة، وبخاصةٍ أنه قد أوضح في الأسبوع الماضي أنّه لا يستطيع فتح الطرقات في كل لبنان، لأنه لا يستطيع الاصطدام بكل الناس، ثم إنّ حالة الجيش لا تطمئن. اسمحوا بتشكيل حكومة، ثم اطلبوا كل ذلك منها، أما ما تفعله أنت والرئيس بالأمس واليوم وغداً فليس هو الإجابة الصحيحة على ما سميتَه "أزمةً وطنية": تُواجه الأزمة الوطنية بمشرقية باسيل، وبالقرض الحسن، وبمصارعة أميركا بارتهاننا، وبتعويم حكومة حسّان دياب؟! يا للهول.

لقد شننت عشرات النزاعات المسلَّحة والحروب الأهلية وغير الأهلية أو تسببتَ بها على اللبنانيين  وعلى لبنان ومعنى الدولة والعيش المشترك فيه، وعلى العمران والإنسان. ولذلك ما عاد التهديد بالحرب الأهلية يخيفنا أو يدفعنا للاستسلام لك أو للهجرة. نحن باقون هنا في وطننا وعلى أرضنا. ونعرف أنّ سدّ الطرقات من جانب الجائعين لن يصنع الفرق أو يأتي بالحلّ. المخرج بالمواجهة الشاملة المغيِّرة. لأننا متأكدون بقوّة سلم الأحرار من نزع سلاحك وإزالة سطوتك بدون حربٍ أهلية! ومع ذلك:

إذا لم يكن من الموت بُدٌّ     فمن العجز أن تموتَ جبانا

كل اللبنايين الوطنيين والعقلاء والشجعان مع البطريرك في دعوته لتحرير الشرعية، وللحياد، وللمؤتمر الدولي من أجل لبنان. يستنهض البطريرك صاحب صرخة "لا تسكتوا"، إرادة الحياة والنهوض والكرامة لدى اللبنانيين، ويطالبنا بالمضيّ باتجاه العالم من أجل الإنقاذ. إنقاذ الميثاق الوطني والدستور والعيش المشترك وانتماء لبنان وبقائه إنساناً ومواطناً وعيشاً عزيزاً وآمناً. الآخرون يهدمون.

والبطريرك يبني. والبناء أصعب من الهدم. أزمتنا أزمة وجودية كما قال البابا، وكما نحسها نحن. وبالأمس عاد مجلس الأمن يستصرخنا للمرة الخامسة أو السادسة من أجل إحقاق أمرٍ بديهي في كل العالم: إقامة حكومة!

هل هذا هو التدويل الذي يقود إلى أميركا وإسرائيل؟!

حتّى وزارة الخارجية الأميركية تحثنا على تشكيل حكومة لإنقاذ الاقتصاد.

فلنناضل لكي يبقى لنا وطننا،  وتبقى لنا دولتنا. وبالنضال الوطني ومع العالم نستحقّ الحياة.

 

اساس ميديا

يلفت موقع "اللبنانية" انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر الّا عن وجهة نظر كاتبه او مصدره.

 

مقالات مشابهة

خاص- الولايات المتحدة قلقة على لبنان من إسرائيل.. لماذا؟

خاص- كيف ساعدت الدول العربية في التوصل إلى قرار لوقف إطلاق النار في غزة؟

خاص- بالأرقام.. كم بلغ عدد الصواريخ التي تم إطلاقها من لبنان نحو إسرائيل

خاص- حماس تعلّمت من حزب الله.. كيف؟

خاص- بشأن الهجوم على حزب الله.. هذا ما كشفه استطلاع

خاص- المرضى الفلسطينيون يموتون في لبنان

خاص- هل عارض السيد نصرالله مطالب إيران؟

بالأرقام: ماذا أوضح الجيش الإسرائيلي عن هجماته على الحزب؟