يومية سياسية مستقلة
بيروت / °19

ما بين سطور كلام البطريرك

Wednesday, March 3, 2021 10:41:10 PM

كتب سامي كليب


 من العادات العجيبة في زمن التواصل الإجتماعي، ان نسبة كبيرة من المعلّقين على أي خطاب، لأ تقرأ الخطاب كاملا، او تنتقي منه ما يُناسب  مديحها أو هجومها، فتشحذ السكاكين وتطعن يمينا ويسارا، او ترفع هتافات التبجيل والمديح خصوصا حين تتقدم الغرائز ضد الآخر على لغة المنطق والعقل.  هذا ما يحصُل حاليا مع الشعارين اللذين رفعهما البطريرك الماروني بشارة الراعي، حول " الحياد الناشط" للبنان و" مؤتمر دولي للحل". فقد انقسم الرأي العام اللبناني، بين مُهلّل للخطاب دون قراءة ما بين سطوره، وبين متهم البطريرك بالخيانة العظمى، رغم أن ما قاله قد يُشبه ما يفكر به فريق لبناني ليس بقليل.

في سعينا للإبتعاد عن الغرائز، نحاول تطبيق تحليل علمي على آخر خطاب القاه البطريرك في الصرح التاريخي العريق أمام جمهور اختلفت التقديرات بشأنه لكنه كان وازنا.

ماذا في المفردات أولا :

 

المفردة  ومشتقاتها                                         كم مرة تردّدت                           
 

لبنان                                                         69 مرة
حياد                                                         12 مرة


دولي                                                        17 مرة


مؤتمر                                                       16 مرة
فلسطين                                                      مرتان
إسرائيل                                                     صفر
سلام وسلمي                                              3 مرات
عرب وعربية                                             مرة
شرعي وشرعية                                           4 مرات
انقلاب وانقلابية                                            4 مرات
مقاومة                                                       مرة
مسيحية ومسيحيون                                        3 مرات


مسلم ومسلمون                                             3 مرات
تدويل                                                         صفر
 

 ماذا في تحليل المفردات ثانيا:  

    لم يتحدث البطريرك الراعي أبدا عن " التدويل" وانما طرح فكرة مؤتمر دولي للحل، ( وهناك فرق بين التدولي وبين مؤتمر ترعاه الأمم المتحدة  وهو ما حصل مرارا لأجل لبنان) وقد برر ذلك بيأس اللبنانيين من الجماعة السياسة. وهو بذلك لم يخرج عن موروث لبنان منذ ان كبّرته فرنسا على يد الجنرال غورور حتى اليوم، ذلك أن معظم تحولاته السياسة تمّت بصفقة دولية أو غطاء دولي أو تسويات اقليمية دولية غالبا ما كان اللبنانيون بعيدين عنها. فكم مرة مثلا حصل توافق سوري أميركي ، أو سوري سعودي أميركي، لتعيين رئيس للجمهورية أو رئيس حكومة؟ الفارق الوحيد ان تلك التسويات الدولية او الدولية الاقليمية كانت تتم بلا اجتماع علني وانما في الغرف الخلفية. واما المؤتمرات الدولية بغية انقاذ الوضع الاقتصاد فما أكثرها.

·  لم يتحدث البطريرك أبدا عن البند السابع في هذا الخطاب الذي أثار انتقادات كثيرة وأسال حبرا أكثر، بينما أيدته جموع ذهبت الى الصرح، ليس فقط تأييدا للحياد والتدويل ( رغم ان غبطته لم يذكر التدويل) وانما يقينا منها بأن الهدف النهائي سيكون نزع سلاح حزب الله. وهنا صلب الانقسام الذي نعود اليه في هذا المقال.  

·   لم يدع البطريرك للاطاحة بالطبقة السياسية، وانمّا وصّف عجزها قائلا  إن " السياسيين لم يتمكّنوا من الجلوس الى طاولة واحدة ويتحاوروا". لكنه بالمقابل تحدث عن " انقلابيين"  يريدون السيطرة على كل مختلف الميادين ؟ فمن عنى بذلك ؟ هو طبعا ، لم يعن كل الطبقة السياسية ، وانما يعني حزب الله وكل من يريد الاطاحة ب " الخصوصية الحضارية في هذا الشرق" اي أولوية المسيحيين على رأس السلطة. هو يريد اذا من المجتمع الدولي أن يثبّت قواعد الدولة اللبنانية التاريخية حيث أن المسيحي هو رأس السلطة وان صلاحياته المعرّضة للاهتزاز يجب حمايتها برعاية دولية تُشبه الرعايات التي عرفها المسيحيون في تاريخ لبنان كلما تعرضوا لاهتزاز. هذا تماما ما قصده ب " تثبيت الكيان اللبناني"

·  سلّط البطريرك الراعي هجومه المُعلن والمضمر في المفردات على حزب الله ، فصار طرفا في الصراع،  وذلك من خلال العبارات التالية :

1-   خروج قوى لبنانية عن سياسة الحياد هو السبب الرئيس لكل أزماتنا الوطنية والحروب التي وقعت في لبنان.

2-   كلما انحاز البعض إلى محور إقليمي أو دولي، انقسم الشعبُ وعُلّق الدستور، وتعطلت الدولة وانتكست الصيغة اللبنانية، واندلعت الحروب.  

3-   نحن نواجه حالةً انقلابيّة بكل معنى الكلمة على مختلف ميادين الحياة العامة

4-   ضرورة بسط سلطة الشرعية على كامل الأراضي اللبنانية من دون أي شراكة أو منافسة

5-   الدعم للجيش اللبناني، ليكون المدافع الوحيد عن لبنان

6-   إنَّ عظمةَ حركاتِ التحرّرِ والمقاومةِ في العالمِ هي أن تصبَّ في كنفِ الدولةِ وشرعيّتها.  

7-    لا تتقبّلُ الدولةُ المحترمَةُ الالتباسَ والازدواجيّة والاستضعاف. فلا يوجد دولتان أو دولٌ على أرضٍ واحدة، ولا يوجدُ جيشان أو جيوشٌ في دولةٍ واحدة.  

8-   لا تَسكُتوا عن السلاحِ غيرِ الشرعيِّ وغيرِ اللبنانيّ

هل يؤيد التطبيع؟

 

·  غابت اسرائيل عن خطاب البطريرك كسبب من أسباب ما وصل اليه لبنان، تماما كما غابت فلسطين الا ما يتعلق منها برفض التوطين. فهو ألمح تلميحا لدور اسرائيل بقوله :" لا تسكتوا عن خرق أجوائنا" لكن بالمقابل كان لافتا ان الراعي الذي لم يحمّل اسرائيل اي مسؤولية عن خراب لبنان، بدا ميّالا صوب التطبيع واقامة علاقات سلام مع اسرائيل، وقد عبّر عن ذلك بعبارات غير مباشرة ومنها :

1-   الإنفتاح على كل الدول وعدم الإنحياز.   

2-    يتأسّس ( لبنان )على قوّة التوازن، لا على موازين القوى التي تنذر دائمًا بالحروب.

3-   لقد وُلدنا لنعيشَ في مروجِ السلامِ الدائم، لا في ساحاتِ القتال الدائم. وجميعُ مشاكلِ الشعوبِ صارت قابلةَ للحلِّ بالحوار والتفاوض والعلاقات السلمية. قدرُ الإنسانِ أن يخلقَ أصدقاءَ لا أعداء. وأن يَحملَ المحبّةَ لا الأحقاد. ورسالةُ لبنان أن يكونَ مثالَ العلاقاتِ الإنسانيّةِ السلميّة.  

 

الخلاصة :    ان المشروع الحالي للبطريرك الراعي هو الخروج من احتمالات الحل الداخلى الى الخارج، وهذا يبدو واضحا من عدد مفردات " حياد، دول، دولي، مؤتمر" التي بلغت 45 مرة، وهو يفترض أن ثمة محاولة لتغيير ثوابت الكيان اللبناني وتغيير وجهه، ولذلك فلا خلاص لذلك الا بنزع سلاح حزب الله وبسط شرعية الجيش، واقامة السلام مع اسرائيل.

هو بذلك يرضي شريحة لا بأس بها من اللبنانيين، الذين يعتبرون ان الطبقة السياسية باتت عاجزة عن تقديم أي حل، وانه بعد تمييعها للتحقيق في المرفأ وللتدقيق الجنائي، ومساهمتها في نهب مال الشعب من المصارف او السكوت عنه، فهي صارت المشكلة وما عادت قادرة على تأمين أي حل.

 وهو بذلك لا يختلف مع الرأي الدولي العام ورأي جزء أساسي من الدول العربية ذات الاهتمام المباشر بلبنان، كما أنه يجذب اليه مجموعة غير قليلة من اللبنانيين المناهضين لحزب الله او الذين يعتبرون ان سلاح الحزب هو المشكلة، تماما كما ان بعضهم الآخر يعتبر  ان العهد الحالي هو المشكلة، وكأن لبنان كان في جنة النعيم قبل هذا السلاح وهذا العهد.

  رأي البطريرك  الراعي في كل ذلك   ليس  في الواقع  جديدا، فهذا أيضا كان رأي البطريرك الراحل مار نصرالله بطرس صفير وجميع المطارنة الموارنة وهو أيضا الراي الضمني للفاتيكان وفرنسا.

ربما الانقسام الحاد في الساحة المسيحية، والقلق الضمني عند معظم المسيحيين بمن فيهم المتحالفون مع حزب الله من التغييرات الممكنة في الكيان لجهة انتقال الثقل المسيحي الى الطوائف الاسلامية، جعل البطريرك يقدم طرحا جذريا يحدث زلزالا أمام جمود الوضع السياسي وغرق السياسيين والأحزاب والطوائف في قشور التعيينات.

  هو بهذا المعنى حقق نجاحا كبيرا، ولا شك ان هذا النجاح يلقى تأييدا وتشجيعا من الدول المعادية لحزب الله، وسوف يلقى تأييدا أكبر منهم بعد نجاح الخطوة الاولى.

   لكن ثمة خطرا كبيرا في هذا، قد يظهر قريبا على الأرض، ذلك أن حزب الله الذي يعتبر أن مثل هذا الطرح الدولي يؤدي الى الحرب، والذي يشعر بأنه يُظلم من طرف يحمّله مسؤولية كل ما آلات اليه أوضاع البلد،  لن يترك البساط يُسحب من تحت قدميه في لبنان بعد أن حسم معارك عسكرية كبرى على مستوى المنطقة، ويُدرك ان اهتزاز الساحة اللبنانية ضده سيقوي عصب إسرائيل، وسيبعث قوى لبنانية معادية له من تحت الرماد... لذلك فهو سيحاول أولا تمييع فكرة البطريرك بالحُسنى والتفاوض والحوار، لكنه حتما لن يتردد في مواجهتها بأي وسيلة اذا ما اقتربت من مرحلة القرار 1559 والغطاء الدولي الذي وفّره آنذاك جورج بوش وجاك شيراك لقوى 14 آذار.  فما بعد الحرب السورية ليس كما قبلها. من هنا يكمن الخطر الكبير حول فكرة الحياد والمؤتمر الدولي، وحول امكانية انتاج حلول داخلية.  

البطريرك الراعي  طرح مجموعة من الافكار القابلة للنقاش والتي تعبر عن شريحة واسعة من المسيحيين ( بمن فيهم مؤيدون للتيار الوطني) ، وسط خواء الساحة الا من ذئاب سياسية منفردة لا تعرف من تأكل ومن تهاجم. لكن تسليط هجومه على حزب الله ، يجعل منه طرفا، والطرف غالبا ما يُصبح هدفا للطرف الآخر. وحين يتصارع طرفان، فالدول الاقليمية والعالمية تجد الساحة مؤهلة تماما لصراع النفوذ. لذلك فلا حل الا بالحوار الداخلي ومناقشة فكرة الراعي معه وليس عبر وسائل التواصل ، وتغليب لغة العقل على لغة التخوين، لانها ما عادت تنفع كثيرا.

يلفت موقع "اللبنانية" انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر الّا عن وجهة نظر كاتبه او مصدره.

 

مقالات مشابهة

اخماد حريق ناتج عن احتكاك كهربائي في بينو

بالفيديو - موجة الخنافس وصلت لمحافظتي الشمال وعكّار!

ورقة فرنسية "منقحة" من سيجورنيه إلى ميقاتي لوقف الإشتباكات على الجبهة الجنوبية

هل اغتالت إسرائيل حقا "نصف" قياديي "حزب الله"؟

احتراق سيارة تابعة لقوى الأمن الداخلي في جبيل!

وهاب لأحد حكام العرب: إذا لم تكن أنت فاسدًا من أين تأتي بكل هذا المال

الحاج حسن بحث مع سليمان والصمد قضايا زراعية

المكاري: هدفنا الوصول الى إعلام حرّ