يومية سياسية مستقلة
بيروت / °13

ضحايا كورونا يعانقون ضحايا المرفأ

Friday, January 15, 2021 11:05:23 AM

كتب البروفسور غسان سكاف في جريدة النهار

لم أكن لأصدق يوماً أن انفجاراً بحجم انفجار مرفأ بيروت لم يستطع جمع اللبنانيين بعد أن وصلنا إلى الحضيض. ولم أكن لأصدق يوماً أن وضع لبنان اليوم يتفوق على أسوأ النماذج الوبائية التي خلفتها جائحة كورونا فوجد اللبنانيون أنفسهم أمام سكتة دماغية رسمية دخلت معها الدولة في غيبوبة فيما الوطن ينزلق إلى ذلك القعر من الخيبة والفشل واليأس والإفلاس.

في بداية سنة ٢٠٢٠ حَلِمت البشرية بمنجزات ٍعلميةٍ مبهرةٍ تقضي على جائحة كورونا ولكنها اكتشفت في نهاية ٢٠٢٠ أن لهذا الفيروس قدرة عجيبة على التحول والتأقلم والمقاومة. وبعد أن أقنعنا أنفسنا بأن الانتصار الهجومي على الجائحة كان مسألة وقت وفشلنا، ها نحن ننتظر اليوم مع كل سكان العالم أسلحةً طبيةً دفاعيةً وقائيةً عُرفت باللقاح.

اللقاح هو المخرج المتاح والأمثل، للتعامل مع جائحة كورونا المدمرة. هذا المخرج هو أفضل ما توصلت إليه العلوم في أقصر فترة زمنية ممكنة مع عدم استبعاد فرضية ظهور لقاح جديد في الفترة المقبلة بمزايا أهم وبصورة متطورة، وعلى الإنسانية أن ترفع القبعات تحيةً للعلم والعلماء والطب والأطباء، فهم الجنود المجهولون الذين استطاعوا إنتاج لقاح في زمن قياسي، والذي عادةً ما يستغرق ١٠ الى ١٥ سنة لإنتاجه.
لقد بدأت دول العالم تلقيح مواطنيها منذ شهر ونيف، ولكن حتى إذا أثبتت اللقاحات فاعليتها في عالم الواقع بالمستوى نفسه الذي حققته التجارب السريرية، فلن يتغير مسار الوباء بين ليلة وضحاها، والأمر سيستغرق أشهراً من اللقاحات حتى نصل إلى نسبةٍ كبيرة بما يكفي من السكان (٧٠ - ٨٠٪؜ ) لخلق ما يُطلق عليه إسم "مناعة القطيع". ففي المستقبل القريب سيتعامل العالم مع الناس على أنهم فئتان: الملقّحين وغير الملقّحين، وسيكون هناك مع الأسف تمييز قهري ومتشدد ضد غير الملقّحين بسبب تأثيرهم السلبي على مجتمعهم، وذلك بالتضييق عليهم ورصدهم وتقييدهم. لذلك على المنظمات الرسمية الدولية أن تعمل بشفافية غير مسبوقة لتفنيد الكم الهائل من المعلومات الخاطئة والمضللة للمجتمع، وعلى المجتمع أن يتوقف عن تسخيف العلم والطب والترويج لنظريات المؤامرة.

في لبنان، هذا البلد المسكين، أصابتنا الكورونا أسوةً بكل دول العالم، ولكنها فاجأتنا ونحن عراة في ظل انهيار اقتصادي ومالي وصحي وأخلاقي. هل من المعقول أن يتم تلقيح عشرات الملايين في العالم حتى اليوم ونحن في لبنان، مستشفى الشرق الذي استقطب معظم المرضى العرب والخليجيين من قادةٍ وأفراد، ما زلنا في مرحلة إقناع اللبنانيين أن الكورونا حقيقية ومميتة، وإقناع المسؤولين الممسكين بدفة السلطة في باخرة التايتانيك، وبعدما استفاقوا من سباتهم العميق شهور عدة وأدركوا أن استيراد اللقاح يحتاج إلى قانون الاستخدام الطارئ وبراءة ذمة تشريعية لكي تقبل الشركات العالمية المنتجة للقاحات تزويد لبنان بها، أنهم وبموازاة فسادهم وإهمالهم وتقاعسهم ومسؤوليتهم في مجزرة انفجار مرفأ بيروت والتي أودت بأكثر من ٢٠٠ ضحية وآلاف المصابين، يسهمون، من حيث يدرون أو لا يدرون، في انفجار التفشي الوبائي بسبب تأخير وصول اللقاحات إلى لبنان أسوةً بمعظم دول المنطقة وبالتالي يسهمون أيضاً في حفر قبور أبنائهم بأعدادٍ توازي أعداد ضحايا انفجار المرفأ على مراحل في كل يوم تأخير.

لقد دهمتنا الكارثة في الوطن والسياسيون يتلهون في جدل الحصص. وبينما كان اللبنانيون يتوقون للتوصل إلى مناعةٍ جماعية أي "مناعة القطيع"، بواسطة اللقاحات، يعمل المسؤولون فيه على جرّ اللبنانيين إلى "مناعة القطيع" بواسطة الالتهاب الفيروسي. فلماذا لا تعطي السلطة القائمة القطاع الخاص من شركات أدوية ومستشفيات جامعية ترخيص استيراد أكثر من لقاح عالمي وتنويع مصادره وبيعه أسوةً بكل دول الجوار، خصوصاً وأنها عاجزة عن تأمين اللقاح لعددٍ كافٍ من المواطنين يؤمن احتواءً للوباء؟ فكم نيرونٌ من المسؤولين عندنا في لبنان يتفرج على احتراق الوطن وقد ذكّرنا هذا الوباء بأهمية هوية من يتولى زمام إدارة البلاد في أيام المحن؟

مسكينٌ لبنان، فاللبنانيون لم يتعودوا على محطات الإذلال لاستجداء لقاح والحصول على طبابةٍ لائقةٍ تحاكي كبرى الدول المتقدمة، ولا أطباء لبنان تعودوا على محطات إذلالٍ ستعيق محافظتهم على مستواهم الذي تغنوا به لعقودٍ وعقود. إن الموجودين في مركب الوطن بدأوا بالقفز منه بعد أن أدركوا أن المركب أصبح غارقاً بالفشل، وها نحن اليوم نبكي الأدمغة التي تهاجر ونرثي الضحايا العاجزة عن الرحيل.
ثمة حاجة إلى غرفة عمليات يتولاها في هذه اللحظات المصيرية عمالقة العلم والعقل والفكر والثقافة والوعي والترفع في أخطر أزمة مرت في تاريخنا.
فقط في لبنان، يتقدم الزمن وتتراجع الكفاءات لمصلحة المحسوبيات
فقط في لبنان، يتحول بذل الذات من أجل الوطن إلى التضحية بالوطن من أجل الذات
فقط في لبنان، تموت الضمائر قبل أصحابها

يلفت موقع "اللبنانية" انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر الّا عن وجهة نظر كاتبه او مصدره.

 

مقالات مشابهة

خاص- الولايات المتحدة قلقة على لبنان من إسرائيل.. لماذا؟

خاص- كيف ساعدت الدول العربية في التوصل إلى قرار لوقف إطلاق النار في غزة؟

خاص- بالأرقام.. كم بلغ عدد الصواريخ التي تم إطلاقها من لبنان نحو إسرائيل

خاص- حماس تعلّمت من حزب الله.. كيف؟

خاص- بشأن الهجوم على حزب الله.. هذا ما كشفه استطلاع

خاص- المرضى الفلسطينيون يموتون في لبنان

خاص- هل عارض السيد نصرالله مطالب إيران؟

بالأرقام: ماذا أوضح الجيش الإسرائيلي عن هجماته على الحزب؟