يومية سياسية مستقلة
بيروت / °19

“كورونا”: لبنان أمام أسوأ سيناريو.. مرضى يموتون أمام المستشفيات

Tuesday, January 12, 2021 9:29:46 PM

"مرضى كثيرون ينتظرون أياماً حتى تتوفر لهم أسرة للعلاج"... هذه المشاهد والقصص تتكرر يومياً في مختبرات ومستشفيات لبنان، خصوصاً بعد الفوضى التي عمّت البلاد في أيام الأعياد والمناسبات.

“نحنا أرخص شي بهيدا البلد…”، تقول خلود عريضي بغضب وألم. تروي مأساة عائلتها التي انتهت بموت أخيها الطفل جنيد (12 سنة)، بعد 6 ساعات من نزيف دمه إثر تعرّضه لحادث سيارة، وبعد رفض أكثر من مستشفى استقباله بذريعة “عدم شغور أسرّة في غرف العناية المركّزة”.

“بعد اللي صار بجريمة المرفأ وصولاً للجرائم اللي عم بتصير كل يوم بالمستشفيات باسم كورونا… كلو بيأكدلنا إنو حياتنا رخيصة”، تؤكّد خلود أن قلب أخيها كان ينبض بانتظام، وأنها لمست أملاً في حركته وتفاعله لكنها عجزت عن إيجاد مستشفى يستقبله… 

تلكؤ المستشفيات امتد من الجنوب، حيث وقع الحادث، وصولاً إلى مستشفيات في بيروت تنقلت خلود بينها، بلا جدوى، كما أن بعضها وضع شروطاً تعجيزية لاستقبال جنيد، الذي بقي ينزف جراء إصابة قوية في ساقه من الحادث، ما أدى لاحقاً إلى وفاته.

قصة جنيد الذي توفي في 10 كانون الأول/ ديسمبر 2020، بعد معاناةٍ طويلة انطلقت من أروقة المستشفيات ووصلت إلى الاستنجاد بزعماء لتوفير سريرٍ في مستشفى يموت عليه المريض، بدل أن يموت أرضاً، تكرّرت في الفترة الأخيرة مع لبنانيين كثر لم يجدوا سريراً شاغراً، ففقدوا حياتهم إما بسبب نقص الأسرة وغرف العناية أو لانشغال الطاقم الطبي وغرف المستشفيات بإصابات “كوفيد- 19”. 

يحصل هذا مع ارتفاع وتيرة انتشار المرض في ظل عجز هائل في إدراة الملف الصحي، مقابل تعثر المستشفيات ونفاد قدرتها الاستيعابية. هذا مقابل استمرار عدم الوضوح في ما خص وصول اللقاح إلى لبنان. هذا الوضع دفع بالسلطة في لبنان الى اعلان حالة الطوارئ في البلاد بسبب تداعيات كورونا.

يرى أستاذ التنمية والاستراتيجية في الجامعة الأميركية ناصر ياسين، أن “تذبذب قرارات السلطة وعشوائيتها يفقدان المواطنين ثقتهم بالإجراءات المتخذة، خصوصاً أن النهج الذي تتعامل به الدولة مع أزمة “كورونا”، هو نفسه الذي تتبعه في أزمات أخرى، كأزمة المصارف والأزمة المالية وأزمة اللاجئين مثلاً”.  

وبينما يتكرر الحديث عن انزلاق لبنان إلى السيناريو الإيطالي الطبي، يُرجّح أن يُترجم فشل السلطات المعنية، وتعثّر القطاع الطبي وتخبّطه في تعاطيه مع ملف “كورونا”، بسيناريو أسوأ من أي سيناريو آخر، خصوصاً أن الكارثة تأتي فيما يعاني لبنان من أزمة اقتصادية. 

المستشفيات الخاصة تنأى بنفسها والحكومية أضعف من المواجهة…

طوابير عشوائية على أبواب المختبرات، ازداد اكتظاظها في الأيام الأخيرة. 

فالسخرية التي مارسها اللبنانيون من قرار السلطات فتح البلاد والسماح بالسهر والاحتفالات بمناسبة الأعياد، انقلبت مأساة مع الزحمة الخانقة على مداخل المستشفيات المخصصة لاستقبال حالات “كورونا”، وتجمّعات تشكّل بيئة خصبة لانتقال الفايروس، لا سيما في مستشفيي “السان جورج” ومستشفى “رفيق الحريري الحكومي”.

والمستشفيان مع عدد محدود جداً من المُستشفيات الأخرى الموزعة في منطقتي بيروت وجبل لبنان، تستقبل مرضى “كورونا”، ويعود ذلك إلى امتناع مستشفيات خاصة عن توسيع طاقتها الاستيعابية لمواجهة الوباء، واختارت أن تنأى بنفسها عمّا يحصل، مصرّة على ربط مشاركتها في مواجهة الوباء بدفع المستحقات المالية، في وقتٍ يلامس فيه عداد “كورونا” الـ6000 إصابة يومياً. 

يتزامن ذلك مع عجز غير مفهوم في ما خص الاستفادة  من المُستشفيات الميدانية، خصوصاً تلك التي تبرعت بها دول لدعم القطاع الصحي في لبنان ولا تزال غير عاملة.

الرد الرسمي يعتبر أن تلك المستشفيات الميدانية تفتقر للعوامل اللوجستية كإدارة النفايات الطبية، وكون تلك المستشفيات لا تملك بنى تحتية خاصة لها. 

في هذا السياق، تقول ليال عليوان، وهي طبيبة تعمل في قسم “كورونا” في مستشفى الجامعة الأميركية، إن “مرضى كثيرين ينتظرون أياماً حتى تتوفر لهم أسرة للعلاج”، مشيرةً إلى أن احتمال العلاج في المنزل غير وارد لأولئك الذين يعانون من مشكلات في الجهاز التنفسي، “لأن أجهزة التنفس الاصطناعي غير متوفرة”. 

وتضيف عليوان، “إذا استمر الوضع على هذا النهج، يرجّح أن نعطي الأولوية للشباب والمتعافين من الأمراض المزمنة لأننا نملك فرصاً أكبر بعلاجهم، بينما نترك كبار السن والمرضى يواجهون قدرهم…”.   

هذه المشاهد والقصص تتكرر يومياً في مختبرات ومستشفيات لبنان، خصوصاً بعد الفوضى التي عمّت البلاد في أيام الأعياد والمناسبات، والتي أصدرت فيها السلطات الرسمية قراراً بالفتح الكامل للقطاعات السياحية شرط الالتزام بالإجراءات اللازمة، بذريعة أن هذا القطاع لا يحمل المزيد من الخسائر. إلا أن المواطنين لم يلتزموا، والسلطات بالمقابل، لم تبذل أي جهدٍ رقابي، عدا ضعف مؤسساتها الطبية وتشتت إدارتها للأزمة من جهة أخرى.  

واللافت هو الأداء المخيب للجهات المعنية بادارة الملف الصحي، فمثلاً وزير الصحة حمد حسن لم يتورع عن اتهام اللبنانيين بتحمل مسؤولية إصابتهم فيما حكومته، اتخذت قرارات أتت نتيجتها كارثية لجهة ارتفاع عدد الاصابات. وقال حمد في تصريح إعلامي إن المصابين “انصابوا بإرادتهم، شاؤوا أم أبوا”، بينما اعتبر أن انفجار المرفأ “قضاء وقدر”.  

إقفال وإقفال شامل

أمام هذه المعطيات، عاد خيار إقفال البلاد، كوسيلة شبه وحيدة للنجاة قبل وصول لقاح “فايزر” الذي ما زالت قصة وصوله مبهمة. إذ أعلنت اللجنة الوزارية الإقفال بدءاً من الخميس 7 كانون الثاني/ يناير، حتى الأول من شباط/ فيراير، أي ثلاثة أسابيع، كما أعلن وزير الداخلية والبلديات محمد فهمي العودة إلى تطبيق قرار المفرد والمزدوج المتعلق بسير الآليات خلال فترة الإقفال، علماً أن الحكومة كانت ألقت اللوم على هذه الاستراتيجية سابقاً، على اعتبار أنها “زادت من نسبة التخالط بين الأفراد”. هذا عدا لائحة طويلة من الاستثناءات، شملت حتى محال بيع الزهور! 

هذا الإقفال غير الشامل والذي لم يلتزم به جزء كبير من المواطنين ترافق مع تسجيل أعداد غير مسبوقة بالإصابات اليومية، تجاوزت الـ5 آلاف حالة يومياً. وهي حالات أصيبت بالعدوى خلال فترة الأعياد هذه، نتيجة التجمعات والسهرات. فكان أن اجتمعت اللجنة الوزارة المتابعة لـ”كورونا” لمناقشة الإقفال الشامل الذي يرتقب أن ينطلق، والذي يفترض أن يشمل جميع القطاعات تقريباً، حتى محلات السوبر ماركت.

هكذا تتخبّط البلاد بين إقفال غير شامل من أجل مآرب أصحاب المؤسسات والملاهي، وإقفال شامل أدى إلى تهافت المواطنين بشكل كثيف للتموين، ما تسبب بزحمة سير وزحمة داخل المحلات والأفران والسوبرماركت، ما قد يشكّل خطراً في زمن الوباء هذا.

هل سيصل اللقاح في موعده؟ 

في ما يتعلّق بلقاح “فايزر”، كرّر وزير الصحة حمد حسن التأكيد أن “اللقاح سيصل في الأسبوع الأول من شهر شباط/ فبراير المقبل إلى لبنان، والمفاوضات الجارية مع الشركة لن تؤثر في موعد وصوله، كما أن الاتفاق مع البنك الدولي سيضمن تغطية شراء اللقاح، إضافة إلى الاعتماد الذي تم تخصيصه لذلك من وزارة المالية”. 

إلّا أن تصريح حسن الأخير لوسائل إعلامية، وعلى رغم إصراره عليه، لم يُؤخد على محمل الجد، خصوصاً أن رئيس لجنة الصحة اللبنانية النائب عاصم عراجي أعلن أن “شركة “فايزر” والشركات التي تصنّع اللقاح تحتاج إلى قانون من مجلس النواب كي تُسلّم اللقاحات، وهو ما يضمن أن لا مسؤولية على الشركة في حال حدوث أي عوارض جانبية لأي متلقٍ للقاح. مشيراً إلى أنه أقدم على وضع قانون سريع لأجله بالتعاون مع وزارة الصحة. 

وفي هذا السياق، يقول الطبيب بيار أبي حنا إن “اللقاح يستغرق نحو 15 يوماً لتوزيعه على المستشفيات وتحديد الفئات العمرية التي ستتناوله في البداية”، ما يعني أن اللبنانيين قد ينتظرون طيلة شهر شباط للحصول على النتيجة المرجوة منه، هذا إذ وصل اللقاح في الوقت الذي طرحه وزير الصحة، أي في الأول من شهر شباط. 

أما عن سبب اعتماد لقاح “فايزر” في لبنان، فهو يعود إلى أن شركة “فايزر” كانت من الشركات التي بادرت وتواصلت مع الدولة وعرضت منحها 600 ألف جرعة مجاناً، كما أنها من أولى الشركات التي استحصلت على التراخيص اللازمة.

وما بين مستشفيات لا تحتمل مزيداً من المرضى وأعداد اصابات مرتفعة وأزمة اقتصادية خانقة ولقاحات لم يتضح متى تصل، يعيش اللبنانيون مطلع العام الجديد مثقلين بهواجس خانقة تنذر بالأسوأ…

"درج":  ميريام سويدان - صحافية لبنانية

يلفت موقع "اللبنانية" انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر الّا عن وجهة نظر كاتبه او مصدره.

 

مقالات مشابهة

خاص- هكذا تستهدف إسرائيل قدرات حزب الله

خاص- تغيير الوضع الراهن بين إسرائيل ولبنان: الخيارات الأمريكية

خاص- إيران تستعد للضربة المنتظرة ضد اسرائيل.. تقرير يكشف

خاص- عمليات حزب الله تحولت الى نوعية.. كم عسكري اسرائيلي قتلت؟

خاص- تقارب محتمل بين الإمارات وحزب الله؟

خاص- اقرأوا هذه التفاصيل.. هكذا تستعدّ إسرائيل للحرب مع "الحزب"

خاص- أسلحة أميركية جديدة إلى إسرائيل

خاص- الولايات المتحدة قلقة على لبنان من إسرائيل.. لماذا؟