يومية سياسية مستقلة
بيروت / °19

بري يعلن الحرب المفتوحة على الصلاحيات.. "أنا أو لا أحد"

Sunday, January 10, 2021 2:09:05 PM

كتب صادق فرشوخ في موقع "الحرية والكلمة"

عندما رفض الرئيس نبيه بري وصول الرئيس ميشال عون الى سدة الرئاسة، كان يدرك أن زمن ما قبل تشرين 2016 ليس كما بعده، وما كان يسري على رؤساء سابقين لا يمكن لبري أن "يمليه" على شخص "ميشال عون" الذي يعرف طباعه جيدا ويعلم أن الرجل لا يُسلم بأي شيء غير مقتنع به، وبالتالي فان الحرب عليه تفرض سيناريوهات مختلفة تبعد الرد المباشر على أي خطوة يقوم بها رئيس الجمهورية.
مسألة الكيمياء السياسية لم تكن موجودة بين الرجلين، فالرئيس عون بتفكيره العسكري صارم وحاسم، بعكس بري الذي يجيد اخراج "الارانب" في أي أزمة تعصف بالبلاد، ويضع مصيدته في حقل الخصم بطريقة مبتكرة اذا كان "الصيد ثمينا"، فكيف اذا كانت الفريسة الدولة بمؤسساتها واداراتها الدستورية والقانونية؟.
"نزهة" التفرد بالقرار وتركيب الطرابيش التي كانت معتمدة بعد الطائف والتي أدت الى اغراق الدولة في الديون على مدى سنوات نتيجة التركيبة التي كانت قائمة وكان على رأسها الرئيس نبيه بري لم تعد ممكنة اليوم، ويقينا منه بأن الامور باتت صعبة المنال لجأ رئيس المجلس الى ضرب "الدولة العميقة"، فانتقلت الكارثة من المال العام الى الصلاحيات بالاشتراك مع الاطراف الذين أغرقوا لبنان بالديون فكان التصويب على ما تبقى من صلاحيات في يد المسيحيين الذين خسروا جزءا كبيرا منها بعد الطائف وما تبقى لهم في القضاء يحاول بري اليوم انتزاعه عبر مؤسسة مجلس النواب التي من المفترض أن تكون مؤسسة الشعب.
آخر بدعة لجأ اليها بري هي المجلس الدستوري، حيث اختلق نقاشا دستوريا على خلفية موقف الرئيس عون الاخير امام رئيس وأعضاء المجلس واشار الى أن دور المجلس الدستوري لا يجوز ان يقتصر على مراقبة دستورية القوانين فحسب، بل كذلك تفسير الدستور وفق ما جاء في الاصلاحات التي وردت في وثيقة الوفاق الوطني التي أقرت في الطائف في العام 1989".
موقف لم ينزل بردا وسلاما على عين التينة فجاء الرد سريعا من بري الذي تحفظ على كلام الرئيس وشهر سلاحه بوجه بعبدا معتبرا ان "دور هذا المجلس هو مراقبة دستورية القوانين من دون أن يتعداها الى تفسير الدستور الذي بقي من حق المجلس النيابي دون سواه، وهذا أمر حسمه دستور ما بعد الطائف بعد نقاش ختم بإجماع في الهيئة العامة".
وكالعادة، تمترس بري خلف المجلس النيابي للايحاء بأن السلطات القضائية والدستورية بمن فيها صلاحيات أرقى مؤسسة في الدولة أي المجلس الدستوري، محصورة بالمجلس النيابي الذي يسيطر على مطرقته بري منذ قيام "دولة الطائف" الى اليوم في محاولة ليست بجديدة لضرب مبدأ فصل السلطات واعادتها الى كنف مجلس النواب الذي هو السلطة العليا في البلاد ولكنها ليست الوحيدة التي تمتلك حصرية صلاحيات النظام اللبناني بتركيبته الحالية.
هَمُّ بري التفرد بأي قرار يتصل بالدولة واختزال صلاحية اقراره بيد المجلس، ففي ملعبه يمكن ان يدرج ما يريد على جدول اعمال الجلسة أو يشطب أي مشروع قرار لا ينسجم مع مشروعه السياسي، وعندما تسأل بعض النواب يخبروك بطبخات جدول اعمال الجلسات التشريعية التي ترأسها بري وكيف كانت تدار الامور ولصالح من كان يدرج مشروع القرار أو يشطب.
اليوم يقف المجلس الدستوري حجر زاوية لبناء دولة المؤسسات والقانون، وفي بلد التركيبة الطائفية حيث يرأس هذه المؤسسة قاض ماروني، يحاول بري الالتفاف عليه وحصر صلاحياته وتمثيل الدستوري وتفسيره بيد المجلس النيابي، ولم يعد خافيا بأن بري يسابق الزمن لتكريس اعراف تعطي المجلس النيابي سلطة دستورية على بعض الملفات التي يمسك بها المجلس الدستوري الذي كان له الكثير من القرارات لاسيما في الفترة الاخيرة وقضت بابطال قوانين صادرة عن المجلس، وهذا الامر أزعج بري الساعي الى طبخ القوانين وتشريعها وفرض سلطتها عبر مجلس النواب وحصر الاعتراض عليها في المؤسسة التي انتخب رئيسا عليها منذ ثلاثين سنة.

نسف الدولة العميقة كان أيضا عبر اصرار الرئيس نبيه بري على تولي حقيبة وزارة المال، فوضع حجة "التوقيع" الثالث للطائفة الشيعية الكريمة ليأخذ في المقابل توقيع الجمهورية، فتحول بري عبر وزير المال الى رئيس جمهورية ورئيس حكومة معنوي يوعز لوزيره عدم التوقيع على اي مرسوم يرى أنه لا يلبي مطالبه فيسقطه ويدخلة الى غرفة الحجر داخل الوزارة الى أن تلبى المطالب، حتى ولو جاء عدم التوقيع على حساب الدولة بوزاراتها المختلفة ولو توقف المشروع لسنوات وكلف الدولة الملايين كرمى لعيون منظومة "الاستاذ".
تدخله في القضاء اليوم وتحديدا المجلس الدستوري، كان سبقه محاولة القبض على حاكمية مصرف لبنان، واسقاط حاكم مصرف لبنان وترك المركز شاغرا لتولي نائب الحاكم الشيعي الصلاحيات المنوطة حصرا برياض سلامة كحاكم لمصرف لبنان، تزامنا مع مطلبه الدائم بوزير مالية للطائفة الشيعية وبهذا يحكم قبضته على النظام المالي وما تبقى من أموال مؤتمن عليها المصرف المركزي، فكانت الحرب على الحاكم وابتداع مواقف أوصلتنا الى ما نحن عليه اليوم، وعلى رأسها تخلف لبنان دفع ديونه الخارجية والتي كانت الضربة القاضية التي قضت على نظامنا المالي، لأن بري ومجموعته أصرا على اتخاذ الموقف الشعبوي الذي أدخلنا في المجهول وهو يُصر اليوم على ضرب ما تبقى من دولة الصلاحيات والمؤسسات عبر اختزالها بمجلس النواب.

يلفت موقع "اللبنانية" انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر الّا عن وجهة نظر كاتبه او مصدره.

 

مقالات مشابهة

خاص- تغيير الوضع الراهن بين إسرائيل ولبنان: الخيارات الأمريكية

خاص- إيران تستعد للضربة المنتظرة ضد اسرائيل.. تقرير يكشف

خاص- عمليات حزب الله تحولت الى نوعية.. كم عسكري اسرائيلي قتلت؟

خاص- تقارب محتمل بين الإمارات وحزب الله؟

خاص- اقرأوا هذه التفاصيل.. هكذا تستعدّ إسرائيل للحرب مع "الحزب"

خاص- أسلحة أميركية جديدة إلى إسرائيل

خاص- الولايات المتحدة قلقة على لبنان من إسرائيل.. لماذا؟

خاص- كيف ساعدت الدول العربية في التوصل إلى قرار لوقف إطلاق النار في غزة؟