يومية سياسية مستقلة
بيروت / °19

ما عجز ترامب عن تحقيقه بمواجهة حزب الله

Thursday, November 5, 2020 10:21:43 PM



يتعامل بعض اللبنانيين مع خسارة دونالد ترامب، في انتخابات الرئاسة الأميركية وكأنها نكستهم. وينظرون إلى فوزه كانتصار لهم. هم لا يتناسون طبعاً أن السياسة الخارجية لواشنطن لا يحددها شخص رئيس البلاد وحده. ويدركون إذاً ما يعنيه ذلك من إمكانية عدم إدخال تعديلات جذرية إلى الدبلوماسية الأميركية حيال لبنان، في حال كان الرابح في الرئاسة المرشح الديموقراطي، جو بايدن. لكن رغم ذلك، ثمة انطباعاً عاماً أن بعض اللبنانيين سيشعرون بمرارة شديدة في حال تأكد خروج ترامب من البيت الأبيض.

المال والسياسة
المتحمسون لبقاء ترامب، يبررون موقفهم بما قدمه من أداء متصلب بوجه إيران وحليفها حزب الله. صحيح أن سياسة تشديد العقوبات ضيّقت الخناق أقله مالياً على الحزب، من خلال التعرّض لشبكات تمويله المختلفة عبر العالم، وعن طريق مصارف لبنانية. لكنها لم تكن وسيلة كافية لتغيير الواقع السياسي والمؤسساتي والأمني، الذي لا يزال ملائماً لحزب الله حتى الآن في لبنان.

على المستوى السياسي، أو الصراع السياسي تحديداً، كثّفت إدارة ترامب جهودها من أجل تجميع حلفاء دوليين ومحليين ضد حزب الله. لا يمكن تجاهُل تزايُد عدد الدول التي باتت تصنّف الحزب بجناحيه، العسكري والسياسي، كمنظمة إرهابية. بيد أن أبرز اللاعبين الغربيين المؤثرين في لبنان، أي فرنسا، ترفض الالتحاق بهذا المسار. على العكس، تصر باريس على استثناء الجناح السياسي من التصنيف الإرهابي. تتمسك باستمرار الحوار معه. وتشدد خصوصاً على فصل مسار مساعدة لبنان مالياً واقتصادياً عن مسار الصراع مع إيران.

الرهان على الانتفاضة 
محلياً، لم تحرز إدارة ترامب أي تقدم في ما يتعلق بإطلاق دينامية لبنانية لمواجهة الحزب. عندما استلم ترامب الحكم مطلع 2017، كانت القوى اللبنانية التقليدية شريكة مع الحزب في التسوية الرئاسية وفي حكومة "التوافق الوطني". هكذا، استحالت إعادة تجميع القوى المناوئة له ضمن تحالف سياسي على نسق "14 آذار"، يُقال أن وزير الخارجية، مايك بومبيو، حاول الدفع باتجاهه حين زار بيروت في آذار 2019.

حتى أن كل التصريحات والحملات الإعلامية الأميركية التي تسوّق لـ"انتفاضة 17 تشرين" بوصفها موجهةً ضد هيمنة حزب الله وإيران على لبنان، ليست مبنية على أسس متينة. يتعلق الأمر بخطاب أرادت واشنطن إسقاطه على الانتفاضة. بالطبع، هناك من رفع شعارات ضد سلاح الحزب، إلا أن ذلك لم يختزل المشهد الاحتجاجي ككل، لا سيما أنه لم يكن لدى قسم كبير من المنتفضين أولوية التصدي لمسألة السلاح غير الشرعي والمسألة السيادية.

لم تتوقف الخيبات في الداخل اللبناني عند هذا الحد. ثمة فرضية تقول بأن التلويح بفرض عقوبات على مقربين من رئيس الجمهورية، ميشال عون، وتحديداً جبران باسيل، سوف يؤدي إلى إبتعاد التيار الوطني الحر عن حزب الله. لا يبدو ذلك ممكناً حالياً. يكتفي عون وباسيل، حتى هذه اللحظة، بالتوفيق بين سياسة إرضاء جزئي لواشنطن من دون إحداث قطيعة استراتيجية مع الحزب.

في النتيجة، لم تؤد سياسة "الضغط الأقصى" الأميركية، بعد، إلى تعديل علاقات القوة في لبنان. لا يزال حزب الله في موقع مهيمن. وينعكس هذا الإخفاق في المستوى الصراع السياسي، على قواعد اللعبة داخل مؤسسات الدولة اللبنانية.

يوجد، على سبيل المثال، نظرة تذمّر في واشنطن حيال الدور المؤثر للحزب في نظام تقاسم السلطة بين الطوائف، بما يعرقل ما يسميه الأميركيون "مكافحة أنشطته الإرهابية"، ويَحُول دون حصول أي توافق على إصدار تشريعات من شأنها أن تردع نشاط الحزب. ثمة اعتراض أميركي أيضاً على مشاركة الأخير في الحكومات اللبنانية وامتعاضاً من سيطرته عليها. لكن إرادة واشنطن بتشكيل حكومة لبنانية لا تمثيل للحزب فيها أو لا غلبة له داخلها، تبددت بعد الانتخابات النيابية عام 2018 وحصوله مع حلفائه على الأغلبية البرلمانية.

اليونيفيل والجيش
لعل المثل الأكثر تعبيراً أيضاً عن محدودية سياسة إدارة ترامب في لبنان، تتمثل في عدم تمكنها، بعد، من انتزاع قرار من مجلس الأمن الدولي لتعزيز إمكانات قوات "اليونيفيل" في ردع أنشطة حزب الله العسكرية في جنوب لبنان وعند "الخط الأزرق". أبرز مطالب واشنطن في هذا المجال، يتمثل في دخول "اليونيفيل" بمؤازرة الجيش اللبناني، إلى أملاك خاصة للتفتيش عن مخازن أسلحة تابعة للحزب، وإلى مواقع يشتبه بأن الأخير يتمركز وينشط فيها خلافاً للقرار 1701.

بمعنى آخر، تريد الدبلوماسية الأميركية من الجيش سلوكاً أكثر صداميةً مع حزب الله. وهي لا تخفي ذلك حين تصف الجيش اللبناني باعتباره "دعامة للاستقرار في بلد يواجه تحديات استثنائية، من ضمنها وجود جماعة حزب الله الإرهابية"، وفق ما ورد في أحد بيانات "مكتب الشؤون السياسية والعسكرية" في وزارة الخارجية الأميركية، مطلع أيار 2020. أكثر من ذلك، تطرح واشنطن سردية تقوم على تصوير الجيش اللبناني بوصفه قوة باتت مؤهلة، بفضل المساعدة العسكرية الأميركية (...)، للدفاع وحدها عن لبنان والتصدي للتحديات الأمنية الداخلية، وتدعو بالتالي إلى أن يتمتع الجيش باحتكار حمل السلاح. لا يوجد هنا دعوة علنية لدخول الجيش في مواجهة مع حزب الله من أجل إلزامه بتسليم سلاحه. لكن من الواضح أن خطاب واشنطن يرسم حدود التناقض بين جيش شرعي وحزب يجب، وبإلحاح، نزع سلاحه. لكن هذا ما لم تتمكن إدارة ترامب من تحقيقه.

يبقى السؤال في معرفة هل أن ما عجز عنه ترامب "الأول" بمواجهة حزب الله في لبنان، سينجزه ترامب "الثاني" أو جو بايدن ؟

المدن

يلفت موقع "اللبنانية" انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر الّا عن وجهة نظر كاتبه او مصدره.

 

مقالات مشابهة

200 يوم من على حرب غزة.. ماذا حققت إسرائيل وحماس؟

الرئيس الإيراني يهدد اسرائيل!

قطر: مكتب "حماس" سيبقى في الدوحة طالما وجوده "مفيد وإيجابي" للوساطة مع إسرائيل

ماكرون لنتنياهو: عازمون على مواجهة إيران

الحديث عن زلزال مدمر سيضرب تركيا

بعد الاعلان عن استئناف عملياته...حزب الله العراقي يوضح!

إيران تجدد التأكيد على طبيعة برنامجها النووي السلمي

وزير خارجية إسبانيا يعرب عن قلق بلاده إزاء لبنان