يومية سياسية مستقلة
بيروت / °19

لم يهبط من كوكب آخر.. ولم يتغير من تشرين لتشرين.. ترشيح الحريري.. من بدأ المأساة لن يكون من ينهيها

Sunday, October 11, 2020 3:38:21 PM

خاص "اللبنانية"
الكاتب السياسي

من استمع الى المواقف التي اعلنها الرئيس سعد الحريري في مقابلته التلفزيونية على قناة "إم. تي. في" الخميس الماضي، وإعلانه ترشيح نفسه لرئاسة الحكومة "من دون جميلة حدا"، حسبما قال، خرج  بإنطباع  مفاده ان الرجُل لن يُكلّف بتأليف الحكومة، أو أنه اذا تم تكليفه فإنه سيلقى المصير نفسه الذي لقيه الدكتور مصطفى أديب بإعتذاره نتيجة فشله في تأليف الحكومة التي اراد ان يكون وزراءها من الاختصاصين المستقلين عن الطبقة السياسية، وحتى عن الطوائف التي ينتمون اليها.

لكن هل هذا ما سيؤول اليه مصير الحريري فعلاً، خصوصا في ضوء الشروط التي حددها للقبول بتكليفه تشكيل الحكومة العتيدة وهي ان تكون مكونة من اختصاصيين وغير سياسيين وتكون انتقالية ترحل بعد ستة اشهر تجري خلالها الاصلاحات التي يطالب بها المجتمع الدولي و تضع لبنان على سكة التعافي من الانهيار الاقتصادي والمالي الذي يعيشه؟

حتى الايام الأخيرة كان ممنوعا على الحريري أميركيا وخليجيا وحتى اوروبيا ان يقترب من رئاسة الحكومة منذ استقالته منها بعد ايام على الانتفاضة الشعبية في 17 تشرين الاول الماضي، فمُنع أولا من العودة الى رئاسة الحكومة قبيل تولي حسان دياب رئاسة الحكومة، بل مُنِع سعوديا واميركيا حتى من تسمية او ترشيح شخصية مقربة منه لها، وذلك على رغم رغبة الثنائي الشيعي وحتى الرئيس ميشال عون و"التيار الوطني الحر" في ذلك طالما انه ممنوع عليه خارجيا ترشيح نفسه ، وعندما سمى وزملاءه في "نادي رؤساء الحكومة السابقين" الدكتور مصطفى اديب نجح واياهم في هذه التسمية ولكنهم فشلوا في تمكينه من تأليف حكومة الإختصاصيين التي يريدون منها تلبية المطلب السعودي ـ الاميركي القاضي بإبعاد حزب الله عن المشاركة في الحكومة اي عن المشاركة في السلطة التنفيذية لإقتناع الرياض وواشنطن بأن "الحزب" يسيطر على القرار اللبناني ويلغي سلطة الدولة.

فما الذي عدا مما بدا حتى يتجرأ الحريري على ترشيح نفسه لرئاسة الحكومة الآن(بعد اعتذار اديب)متحديا "الفيتو" او  "الحظر" الاميركي ـ السعودي ـ الاوروبي عليه؟ وهل قرر التمرد على الارادة الخارجية التي تطوقه ويعود الى  الى رئاسة الحكومة ملبنناً ترشيحه وغير عابىء بالممانعة السعودية والخارجية عموما؟ ام ان تطورات ما حصلت على مستوى العلاقات بين اللاعبين الكبار على الساحتين الاقليمية والدولية وقرر هؤلاء في ضوئها "الافراج" عن الاستحقاق الحكومي اللبناني؟

المعلومات الموثوقة التي توافرت لدى عدد من القيادات والمرجعيات الرسمية والسياسية والحزبية تفيد ان الادارة الاميركية وبعدما نجاح وساطتها التي ادت الى اعلان لبنان واسرائيل "الاتفاق ـ الاطار" للمفاوضات  على ترسيم الحدود البحرية والبرية بينهما والتي ستبدأ في 14 تشرين الاول الجاري، قررت "الافراج" عن الاستحقاق الحكومي اللبناني ورفع "الفيتو" عن الحريري، فأوعزت الى الادارة الفرنسية لتفعيل مبادرتها لحل الازمة اللبنانية بدءا بالمساعدة على تأليف حكومة برئاسة الحريري، فطلب الفرنسيون من الاميركيين ان يتصلوا بالسعوديين لإقناعهم  يرفع "الفيتو" عنه، وبالفعل حصل هذا الاتصال بين واشنطن والرياض، ولذ لم يقدم السعوديون جوابا واضحا تأييدا للعودة الحريري الى رئاسة الحكومة او رفضا لها، اعطى الاميركيون للفرنسيين ضمانا بأن الرياض سترفع "الفيتو" عن الحريري، او على الاقل ستسهل مهمته...

وفي ضوء هذه المعطيات انبرى الرئيس ميشال عون الاسبوع الماضي الى تحديد الخميس في 15 تشرين الاول الجاري موعدا للاستشارات النيابية الملزمة لتسمية رئيس الحكومة الجديدة مفسحا المجال لمزيد من الاتصالات والمشاورات الداخلية والخارجية لضمان نجاح هذه الاستشارات في تسمية الحريري او غيره، مخرجا نفسه من  دائرة الاتهام بتأخير الاستشارات لتعطيل عملية تأليف الحكومة الجديدة كونه المرجع الدستوري صاحب الصلاحية الاولى في هذا المجال.

وفجأة أُعلنت قناة "إم. تي. في" انها ستستضيف الحريري (الخميس الماضي) ضمن برنامج "صار الوقت" الذي يعده ويقدمه الاعلامي مارسيل غانم، وذلك في دلالة غير مباشرة على شيء ما سيعلنه الحريري حول الشأن الحكومي رغم بيانه قبل ايام على موعد هذا الحوار الذي كرر التأكيد فيه انه "غير مرشح "لرئاسة الحكومة ولن يرشح أحدا لها، اي لن يكرر تجربة تسمية مصطفى اديب التي فشلت. 

ولكن الحريري، اطل اعلاميا وراح يصول ويجول ويوجه الاتهامات بتعطيل المبادرة الفرنسية وغيرها يمنة ويسرة من دون ان يستثني احدا وكأنه هبط الى الواقع من كوكب آخر، ولم يكن  ينتمي الى هذه المنظومة السياسية التي تتحمل المسؤولية عن الانهيار الذي تعيشه البلاد مُربِّحاّ الجميل لنفسه وللآخرين، بأنه حاضر لتروس الحكومة وأنه "مرشح طبيعي" لها، ويحدد شروطه ويهدد الآخرين بأنه سيستنكف عن ذلك اذا لم يلتزموا بالاصلاحات وبالمبادرة الفرنسية وبشروط صندوق النقد الدولي، مصورا نفسه كأنه "المنقذ" الذي لم يعد للبنان سواه للخلاص من ازمته المستعصية والمتفاقمة.

ولكن الحريري، على حد ما يقول بعض عارفيه، اراد من كل هذه الهجمات ان يوحي لشارعه وللسعوديين والخليجيين المعترضين على نهجه منذ ابرامه التسوية الرئاسية مع عون والثنائي الشيعي والتيار الوطني الحر عام 2016 ، بأنه ما زال على ثوابته والاسباب التي كان استقال في تشرين الاول الماضي على اساسها، فهو اتهم حزب الله وحركة "أمل" مباشرة بتعطيل المبادرة الفرنسية، فيما الجميع يعرف ويلمس أن هذا الثنائي  الشيعي كان ولا يزال يريد له بقوة واصرار العودة الى رئاسة الحكومة وهو يستميت لتحقيق هذا الهدف، وما عبارة رئيس مجلس النواب نبيه بري الشهيرة من انه سيقدم "لبن العصفور" لكي يقبل بالعودة الى السراي الحكومي، الا أكبر دليل على التمسك  الشيعي به دون سواه رئيسا للحكومة.

ويكشف هؤلاء ان الحريري دفع مبلغا لا بأس به ثمنا لهذا الحوار التلفزيوني الطويل الذي دام ثلاث ساعات بعدما كان مقررا ان يكون ساعتين. ويضيفون انه بادر بناء على نصائح متعددة الى هذه الاطلالة الاعلامية بغية إطلاق مواقف تدغدغ مشاعر الذين اصدروا "العفو الخاص" عنه، فيما الجميع يعرف انه على رغم ما وضعه من شروط لن يتمكن من التفرد بتأليف الحكومة بمعزل عن الاخرين. ولن يتمكن من تأليف حكومة خالية من السياسيين حتى ولو كانوا يلبسون لبوس التكنوقراط او الاختصاصيين، وانه سيأخذ بطرح الرئيس نجيب ميقاتي من دون ان يعترف له بجميل، ما سيؤدي اولا الى انفراط عقد نادي رؤساء الحكومة السابقين. وأكثر من ذلك فقد حاضر الحريري طويلا في موضوع مكافحة الفساد نافضا يده من هذا الامر وكأنه يدخل الى السلطة للمرة الاولى، فيما الجميع والرأي العام والقاصي والداني يعرف مدى تورطه في الفساد مع جميع نظرائه في المنظومة السياسية الفاسدة التي تتحمل المسؤولية الاولى عن انهيار البلاد سياسيا واقتصاديا وماليا ومعيشيا وحتى أمنيا، وعلى كل المستويات، فهو شارك في كل المحاصصات والمكاسب والمغانم وحتى انه كان ينال حصته حتى في ايام عدم وجوده في رئاسة  الحكومة، فصناديقه السود وصناديق الآخرين كانت ولا تزال شغالة يوميا وشهريا في كل الوزارات والادارات والمؤسسات العامة "الدسمة".

ولذلك لا يمكن الحريري ان يقنع الرأي العام بأنه تطهّر من رجس الفساد وتاب "توبة نصوحة" ولبس "لبوس التقوى" وارتدى "لامة" فارس الحرب على الفساد وسيقتلعه من جذوره، فيما الشعارات ما تزال على الجدران في الشوارع، وهتافات المحتجين والمتظاهرين لا يزال صداها يتردد في الآذان قائلة "حرامي حرامي ... الحريري حرامي" ومثلها قيل عن رئيس مجلس النواب نبيه بري وعن غيره ممن ينعمون بـ"جنة" السلطة منذ العام 1992 الى اليوم.

فكيف للحريري الذي يبدو انه كمن يعاني انفصاما في الشخصية السياسية ان يحاسب آخرين على الفساد متناسيا انه منهم؟ بل هل يجروء على القيام بخطوة من هذا النوع ضد شركائه في هذا الملف المترامي الاطراف والمتشعب الفصول من دون ان تطاوله الشظايا؟

ويقول معنيون بالإستحقاق الحكومي ممن استمعوا الى ما قاله الحريري ان الشروط التي وضعها لتأليف الحكومة ستسقط عند اول مفترق من مفترقات البحث في التشكيلة الوزارية العتيدة ، فهي نفسها التي طرحها مصطفى اديب بإيعاز منه ومن زملائه الثلاثة الآخرين في "النادي الرباعي"، ورفضها الآخرون ما ادى الى اعتذار أديب، والفارق الان هو ان من يطرح هذه الشروط هو الاصيل وليس الوكيل، وستلقى الرفض نفسه، ولا يمكنه من الآن وقبل تكليفه ان يذلل الاعتراضات والعقبات التي واجهها مصطفى اديب في مهمته.

والى كل ذلك، يسأل كثيرون: ما الذي تغير في سعد الحريري منذ استقالته في تشرين الاول الماضي الى اليوم حيث فشلت حكومته في تنفيذ الورقة الاصلاحية  المطلوبة داخليا والتي يطالب بها المجتمع الدولي حتى يعود او يُعاد الى رئاسة الحكومة وكأنه "المُنقِذ" و "المُلهِم"؟  واين هي الانجازات الباهرة التي حققتها حكوماته سابقا ولا ينقطع الناس عن "استذكارها بالخير" والحديث عنها والتنعم ببركاتها غير تكديس الديون على البلد حتى بلغت المئة مليار دولار؟

في المختصر، يقول البعض ان الحريري كيف له ان يؤلف حكومة من الاختصاصين غير الحزبيين رافضاً اي مشاركة للأحزاب فيها، فيما هو حزبي يترأسها؟ وكيف سيحلل لنفسه ما يحرمه على غيره؟ أليس تيار "المستقبل" شريكا في الفساد وصرف النفوذ مع الاحزاب والتيارات السياسية الاخرى التي نستبيح الوارات والمؤسسات العامة لمصالحها االخاصة منذ العام 1992 وحتى اليوم؟

لن تكون طريق الحريري الى التأليف بعد التكليف مفروشة بالورد كما يظن، فقد يلقى مصير مصطفى اديب او مصير حسان دياب اذا لم يتوافق مع الاخرين على الحكومة العتيدة، اللهم الا اذا كان الارادة الاقليمية والدولية ستحاول فرض مشيئتها على الجميع وتقول لهم "انا ربكم الاعلى وعليكم ان تلتزموا كذا وكذا.. والا سيبقى سيف العقوبات مسلطا على رقابكم مشفوعا بالتهديد بالويل والثبور وعظائم الامور .

غالب الظن لدى كثيرين ان ما قال به الحريري من شروط وماتفوه بها من انتقادات للحلفاء والخصوم لا تعدو كونها تغطية لصفقة ابرمت وسيدخل فيها وفق مقولة "ببكي وبروح".. والارجح انه اذا فشل في مهمته هذه المرة سيسقط في الشارع قبل ان يسقط في السياسة لان مساحة التساهل التي بدأ يحددها الاخرون له هي مساحة محدودة ومشروطة ولم يوقعوا له على بياض، وهو اعترف بلسانه "أن الناس كرهونا جميعا"( اي هو وبقية زملائه في المنظومة السياسية الفاسدة ) ولكن هذا الاعتراف لا يمنحه العفو او البراءة مما ارتكب والآخرين من مفاسد بل من جرائم في حق حياة اللبنانيين وعيشهم وودائعهم... فمن بدأ المأساة هنا ليس من ينهيها بل سيحاسب، فهل إقترب يوم الحساب؟...   

قال الحريري كلمته ترشيحا لرئاسة الحكومة.. لكن الكلام شيء وترجمته شيئا آخر.. وما ستكون عليه مواقف الافرقاء السياسيين من هذا الترشيح تأييدا او رفضا ستعكس حقيقة المواقف الخليجية والاميركية الاوروبية.. فإذا سقط هذا الترشيح  الحريري ستذهب البلاد الى ترشيحات من نوع آخر لن يكون للحريري نفسه ولا لبقية اعضاء "نادي رؤساء الحكومة السابقين" أي حَول او طَول.

يلفت موقع "اللبنانية" انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر الّا عن وجهة نظر كاتبه او مصدره.

 

مقالات مشابهة

خاص - الزبالة كترانة... والبلديات تتحرك!

خاص- "اللبنانيّة" يكشف تفاصيل خطيرة عن مراكب الهجرة إلى قبرص..إليكم ما حصل (صور)

خاص- هل يدفع لبنان ثمن التصعيد الإيراني الإسرائيلي؟

خاص - علقة بالبحر!

خاص - بسبب السرقة.. جريمة في العزونية قضت على أستاذ ثانويّ

خاص - المهندسون المستقلون ينحازون لجانب المعارضة؟!

خاص- الردّ الإيراني قد يأتي من جنوب لبنان

خاص- حزب الله يستعد للمعركة الكبرى