يومية سياسية مستقلة
بيروت / °19

متوهما بسقوط تجربة رئاسة الحكومة خارج "النادي".. ميقاتي يحلم بتسمية حريرية.. لتغطية فساده

Tuesday, October 6, 2020 11:52:46 AM

خاص "اللبنانية"
الكاتب السياسي

لم يقتنع بعد رباعي رؤساء الحكومة السابقين الفاشلين الذين انتظموا في نادٍ يجمعهم ولم ينتمي اليه آخرون قبلهم (وبعضهم ما زال حيا يرزق) ان زمانهم قد ولّى وان قراءة الواقع بعين ذلك الزمان لم تعد تنطبق على الواقع الراهن...

نجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة وسعد الحريري وتمام سلام  صدقوا انفسهم انهم وحدهم القادرون على القول للشيء "كُن فيكون" في الحياة السياسية اللبنانية، وفي الزمن السياسي الحاضر الملوّن بجوع الناس الذي كانوا هم الى جانب الآخرين من المنظومة السياسية الفاسدة، السبب في الوصول اليه بأيديهم او بألسنتهم او بقلوبهم، وهذا اضعف الايمان...

ركبوا موجة المبادرة الفرنسية واحتالوا عليها علّها تحمل احدهم على اجنحتها الى السراي الحكومي فإكتشفوا انه بات بينهم وبين هذا السراي أبحرٌ وجبالُ.. فأمعنوا في الاحتيال عليها بتقديم مرشح لرئاسة الحكومة على قاعدة إدعائهم بأنهم "الأكثر تمثيلاً" للبيئة التي ينتمون اليها، وأنه يحق لهم ما لا يحق لغيرهم،(على وزن ما يحق للشاعر لا يحق لغيره فيما هم لا يفقهون الشعر فكيف لهم ان يكونوا شعراء) فسموا السفير مصطفى أديب واستجلبوه من المانيا، ولكنه عاد، بل أعادوه، الى برلين خائبا وخالي الوفاض لأنهم، مع سبق الاصرار، فخخوه بشروط مسبقة حول مواصفات التشكيلة الوزارية التي كلف تأليفها، كانوا يدركون مسبقا انها لن تلبى وستؤدي به الى الاعتذارعن المهمة، لكي يوصلوا الآخرين الى اقتناع مفاده بأنه لا يمكن الاتيان بعد الآن  برئيس للحكومة الا من ضمن "نادي رؤساء الحكومة السابقين". ولقد فعلوا الفعلة نفسها مع رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب ولم يشاركوا في حكومته التي سموها "حكومة حزب الله، او حكومة اللون الواحد"، اعطوه "من طرف اللسان حلاوة" وشيع البعض انه الحريري أيده، ولكنهم عملوا بكل ما في وسعهم على تفشيله بالتعاون مع بعض "حلفائهم" او "اعدقائهم" في الضفة الاخرى ونجحوا في ذلك، فانفجار المرفأ ليس من اسقط حكومة دياب وانما "اشياء أخرى" بات يعرفها الجميع؟

والآن وقبل ان يدعو رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الى استشارات نيابية ملزمة جديدة لتسمية رئيس لتأليف الحكومة الجديدة بديلا من اديب المعتذر، يعمل نادي الحريري وميقاتي والسنيورة وسلام على توليد اقتناع لدى بيئتهم والرأي العام مفاده ان خيار الاتيان برئيس للحكومة من خارج هذا النادي قد فشل وان لا حل الا بالاتيان بواحد منهم الى هذا الموقع الحكومي الكبير. ويتصدر نجيب ميقاتي واجهة العمل في هذا الاتجاه حيث بادر الى طرح خيار الاتيان بحكومة "تكنوسياسية" تضم 20 وزيراً ستة منهم سياسيون ومن ضمنهم رئيس الحكومة يكونون "وزراء دولة" اما بقية الوزراء الـ14 فيكونون من التكنوقراط واصحاب الاختصاص، وهو في هذا الطرح انما يحاول التشاطر على الناس ويوهمهم بأنه الحل للمعضلة الحكومية، فيما هو في الواقع يرشح نفسه لتأليف حكومة من هذا النوع محاولا دغدغة "الثنائي الشيعي" المؤيد لـ"التكنوسياسية" وجميع الداعين الى تأليف مثل هذه الحكومة، لكي يقبلوا به ويبادروا الى السير فيه.

وميقاتي الذي يحاول التذاكي على الرأي العام وعلى الحراك الشعبي وحتى على البيئة التي ينتمي اليها يعتقد ان صيرورة اختيار رئيس الحكومة الى نادي الرؤساء السابقين ستكون لمصلحته "مئة في المئة"، وهو ينطلق في هذا الاقتناع الذي لا يشاركه احد فيه حتى الآن من الفرضية الآتية:

ـ اولا، ان الحريري لا فرصة له للعودة الى رئاسة الحكومة لان السعوديين والاميركيين وحتى الاوروبيين، يضعون "فيتو" عليه، وخصوصا الجانب السعودي.

ـ ان الرئيس فؤاد السنيورة لا حظوظ نهائيا له اطلاقا، ولا يمكن احد وخصوصا "الثنائي الشيعي" و"التيار الوطني الحر"، ولا حتى الحريري، ان يقبل به بالعودة الى رئاسة الحكومة.

ـ ان الرئيس تمام سلام يرفض ان يترأس حكومة في عهد الرئيس ميشال عون، ولا يريد ازاء السعوديين ان يقع في "الخطيئة" التي وقع فيها الحريري والتي جعلت الرياض تعتقله يوما وتجبره على الاستقالة من هناك لأنه دخل في تسوية رئاسة جاءت لمصلحة خصميها اللدودين: العماد ميشال عون وحزب الله ، الى ان تدخل الرئيس الفرنسي يومها في خريف 2017 و"فك أسره" السعودي وعاد به الى باريس ليعود منها الى لبنان ويتراجع عن استقالته الاكراهية.

وفي ضوء هذه المعطيات يعتقد ميقاتي انه وحده من يستطيع ان يتولى رئاسة الحكومة بتزكية بقية نظرائه في "نادي رؤساء الحكومة السابقين"، وذلك انطلاقا من الاقتناع المزعوم بأن لا حل للمعضلة الحكومة الا بالاتيان برئيس من هذا النادي لأن التجربة بالاتيان برئيس من خارجه قد فشلت وان حسان دياب ومن ثم مصطفى أديب خير مثال.

ولكن ميقاتي الذي يمنن النفس في امكان ان يرشحه الحريري انما هو واهم:

ـ أولا، لأن الحكومة التكنوسياسية التي يطرحها تتعارض مع طرح الحريري الذي يطالب بحكومة إختصايين مستقلين.

ـ ثانياً، لأن البيئة التي ينتمي اليها ترفضه بدليل هجوم الثوار في طرابلس على منزله ومتلكاته في المدينة، ناهيك عن الشعارات والهتافات التي اطلقت ضده في ساحات بيروت وشوارعها.

ـ ثالثاً، لأن الحريري وتيار "المستقبل" بأمه وأبيه لا يحبذان وصوله مجددا الى رئاسة الحكومة الى درجة انهم يفضلون السنيورة على كل علاته عندهم عليه.

رابعا، لأن الاميركيين والاوروبين والسعوديين لا يمكنهم ان يقبلوا به نسبة لعلاقته بالنظام السوري على رغم انه يقوم بينه وبين هذا النظام "ما صنعه الحداد" نتيجة خلافات مالية بسبب "سيريتل" وبعض الصفقات التي عقدها مع رامي مخلوف ابن خال الرئيس السوري بشار الاسد، والذي تلاحقه السلطات القضائية السورية بتهم فساد وسطو على المال العام.

ـ خامسا، وقبل كل هؤلاء فإن عون يرفض عودة ميقاتي الى رئاسة الحكومة، اذ لطالما الاخير يهاجمه بشدة في كل مناسبة وحتى الاونة الأخيرة، بل انه، اي ميقاتي كان يقول انه لا يمكن ان يترأس حكومة في عهد عون. واذ به الآن يلحس كلامه ويتوسل تسمية الحريري له ورضى عون عليه لـ"تطويبه" رئيسا للحكومة.

سادسا، يتوهم ميقاتي ان بسمات الرئيس نبيه بري ومسؤولي حزب الله في وجهه تعكس قبولهم ان يكون بديلا من الحريري، فإذا لم يُكلّف الحريري الذي يحبذون عودته الى السراي الحكومي، ولا سيما منهم بري، فمن المؤكد انهم لن يؤيدوا عودته ( اي ميقاتي) لانهم ما زالوا حتى الآن يتذكرون "معاناتهم" معه يوم كان رئيسا للحكومة عام 2011 وما تلاه.

وعلى رغم من ذلك، يصر ميقاتي على التخفي ميقاتي خلف اصابعه، ويعتقد ان الحراك الشعبي وثواره والرأي العام سيقبلون بعودته الى رئاسة الحكومة، فهو لدى كل هؤلاء موضوع على لائحة الفاسدين المنتمين الى المنظومة السياسية الفاسدة التي يعمل الحراك الشعبي على اسقاطها ومنعها من الاستمرار في السلطة،لأنها في رأيه هي المسؤولة عن الانهيار الاقتصادي والمالي وعن نهب المال العام في البلاد التي تقف الآن على شفير الافلاس، ولم تنفعه كل التصريحات والمواقف التي ايد فيها الحراك الشعبي ومطالبه منذ 17 تشرين 2019 وحتى اليوم.

فميقاتي هو جزء من هذه المنظومة وهو الذي تولى رئاسة الحكومة مرتين عام 2005 ومن ثم عام 2011، ولم يسجل اللبنانيون له انه حقق تلك "الانجازات الباهرة" على مستوى انعاش اقتصاد البلاد وماليتها، وحتى على مستوى معالحة الاومة السياسية، بل على العكس فإن وجوده في السلطة "كان نِعمة له ونَقمة عليه"، حيث مكنه هذا الوجود من تضخيم ثروته بمستوى عالٍ في فترة زمنية قياسية، وان دل هذا على شي فإنه يدل الى صرف النفود واستغلال السلطة الذي قاده على رغم ملاءته المالية الى الحصول على قروض اسكانية مدعومة بقيمة 800 مليون دولار بفائدة واحد في المئة من مصرف الاسكان لمصلحة عائلته وبعض المحاسيب والازلام وبعض العاملين في شركاته، ما حرم شريحة واسعة من اللبنانيين اصحاب الدخل المحدود من هذه القروض الاسكانية والذين هم في حاجة ماسة اليها، فضلا عن حصوله على قرض مدعوم بعشرات الملايين من الدولارات من مصرف لبنان ما ساهم مع المصارف في ازمة السيولة التي تعانيها المؤسسة العامة للإسكان والتي جعلتها تتوقف عن قبول اي طلبات لمستحقين الى اجل غير مسمى، حيث ان المصارف التي كانت تمنح هذه القروض لاصحاب الدخل المحدود وصغار الكسبة توقفت عن دفعها، نتيجة اكتتاب المصارف والمقترضين المحظيين ومنهم ميقاتي من الدولة في سندات الخزينة بفائد عالية. ويبدو ان هذه التسهيلات المالية حظي بها ميقاتي بواسطة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي رد له "جميلين" وهما حمايته من العزل عام 2005 حيث تم التجديد لسلامة بقرار اتخذته الحكومة الميقاتية الاولى، ثم التجديد له عام 2011 في الحكومة الميقاتية الثانية.

ولم ينس اللبنانيون ولا سيما منهم الغاضبون في الشارع الآن كيف ان شركة ميقاتي "إنفستكوم" قبل ان تدخل شريكة مع "فرانس تلكوم" عند انشاء الهاتف الخلوي وفق منظومتي "سيليس" و"ليبانسيل" في منتصف التسعينات من القرن الماضي قبضت خمسمئة دولار بغير وجه حق عن كل هاتف خلوي، حيث باعت الشركتان يومها نحو مليوني خط قبل ان يكون هناك شيء اسمه الآن "الخطوط المسبقة الدفع" وكل الخدمات التي تقدمها شبكتا الهاتف الخلوي ( ألفا وإم. تي. سي). كذلك لم ينس اللبنانيون شبكة الهاتف الجوال الذي انشأته شركته "انفستكوم" وشركة "إم سي آي" (التي كان يملكها نزار دلول نجل النائب والوزير السابق محسن دلول) وهذا الهاتف سحب من اميركا وتم استخدام الشبكة اللبنانية ومعداتها للاتصالات عبر الكوابل والاقمار الصناعية مجاناً لتشغيله محليا، ما حرم خزينة الدولة مئات ملايين الدولارات، وقد اقامت الدولة دعاوى في حينه على هاتين الشركتين لكن استقواء اصحابهما بالمنظومة السياسية الفاسدة وبالنفوذ السوري ادى الى خسارة الدولة هذه الدعاوى يومذاك.   

على انه وحسب مجلة "فوربس" فإن ثروة ميقاتي وبعد توليه رئاسة الحكومة ارتفعت بين أذار 2011 وآذار 2012 من 2.8 مليار دولار إلى 3 مليار دولار، وانتقل من المرتبة 407 بثروة 2.3 مليار دولار عام 2007 إلى المرتبة 377 دوليا وإلى المرتبة الأولى في لبنان مع شقيقه طه.

ونشرت "فوربس" أن مصدر ثروة ميقاتي هو قطاع الإتصالات الذي بدأ يعمل فيه منذ العام 1982، وباع شركته "إنفستكوم" عام 2006 إلى شركة "إم. تي.إن" الأفريقية بمبلغ 5.5 مليار دولار وأقتسمه مع شقيقه طه في ظل علامات إستفهام كبيرة عن طريقة جمع هذه المليارات بهذا السرعة القياسية وعن مصدرها.
وعندما يسأل البعض ميقاتي: من أين لك هذا؟ يسارع الى القول انه حقق هذه الثروة من قطاع الإتصالات بعد أن باع شركة Investcom  لشركة MTN الأفريقية، متهرباً بهذا الجواب من المساءلة ومن التحقيق المالي في عمليات تسمى في القانون اللبناني غسل الأموال أو تبييضها.

ولحماية نفسه من اي مسأءلة لجأ ميقاتي ايام ما سمي "الحقبة السورية" في لبنان الى الاستقواء بالنفوذ السوري الذي اوصله الى مناصب وزارية قبل ان يوصله الى رئاسة الحكومة، وقد استثمر لهذه الغاية في علاقة شقيقه طه الوطيدة بالقيادة السورية، فقدم في التسعينات للرئيس حافظ الأسد واركان قيادته السياسية والعسكرية، شبكة هاتف خلوي بقيمة مليون دولار وكانت من طراز AMPS  وراح يجري لها صيانة مجانية بواسطة شركته في لبنان، وبفعل هذه الخدمة استفاد ميقاتي لاحقا من النفوذ السوري  لطي ملفه القضائي مع الدولة اللبنانية وبالتالي الدخول شريكا أساسيا بحصة "الثلث" في شركة "سيليس" المعروفة حالياً بإسم شركة "ألفا" التي تشغل احى شركتي العانف الخلوي العاملتين حاليا في لبنان.

في ضوء هذه المعطيات، يقول بعض عارفي ميقاتي انه "اذا كان يدرك ان وصوله الى رئاسة الحكومة مجددا أمرا مستحيلا ولكنه يصر عليه  فتلك مصيبة عليه، وان كان لا يعلم بهذه الحالة فإن المصيبة اعظم"، لأن ذلك يعني انه لم يقتنع بعد انه والطبقة السياسية الفاسدة التي ينتمي اليها قد رُفِعَ عنها ولم يعد لها مكان في الخارج ولا في حياة اللبنانيين التواقين الى حياة سياسية نظيفة تقيم سلطة جديدة شعارها "لبنان خال من الفساد والمفسدين"...

                   

يلفت موقع "اللبنانية" انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر الّا عن وجهة نظر كاتبه او مصدره.

 

مقالات مشابهة

خاص - الزبالة كترانة... والبلديات تتحرك!

خاص- "اللبنانيّة" يكشف تفاصيل خطيرة عن مراكب الهجرة إلى قبرص..إليكم ما حصل (صور)

خاص- هل يدفع لبنان ثمن التصعيد الإيراني الإسرائيلي؟

خاص - علقة بالبحر!

خاص - بسبب السرقة.. جريمة في العزونية قضت على أستاذ ثانويّ

خاص - المهندسون المستقلون ينحازون لجانب المعارضة؟!

خاص- الردّ الإيراني قد يأتي من جنوب لبنان

خاص- حزب الله يستعد للمعركة الكبرى