يومية سياسية مستقلة
بيروت / °19

مخالفتان قانونيّتان لوزير المال..

Monday, September 7, 2020 11:13:52 PM

"اللبنانية"
بقلم عضو الدائرة القانونية د. المحامي هيثم عزُّو- أستاذ محاضر بكليات الحقوق


الدائرة القانونية لحراك الشعب يريد اصلاح النظام ترصد مخالفتينِ قانونيّتينِ لوزير المال وذلك بتسليطها الضوء على ما اعتورَ تعاقده المتعلق بالتدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان والذي جاءَ مخالفاً لرأي هيئة التشريع والاستشارات وفي ظل الحكومة المستقيلة المنتمي اليها.

١- المخالفة الأولى:
حيثُ أنَّ وزير المال في حكومة تصريف الأعمال غازي وزني كان قد وقّع يومَ الثلاثاء الماضي عقداً مع شركة «Alvarez» للقيام "بالتدقيق الجنائي" في حسابات مصرف لبنان وذلكَ بالتوازي مع توقيعه عقدين "للتدقيق المحاسبي" مع كل من شركة «Oliver Wyman» «KPMG»، بعدَ أن تمَّ تفويضه في هذا الشأن مِن قِبَل الحكومة قبل استقالتها.

وحيثُ أنَّه مِنَ الثابت واقعياً أنَّ وزير المالية كان قد سبقَ لهُ -قبل توقيعه عقد التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان مع الشركة المذكورة- أن طلب رأي من هيئة التشريع والاستشارات بهذا الخصوص بصفتها المستشار القانوني للدولة اللبنانية ولكن تبيَّن بالنتيجة أنهُ لم يأخذ باستشارتها كما جاءَ في منطوقها لجهة تغييبه مجموعة « Egmont» عن العقد الذي أبرمه مع شركة التدقيق الجنائي وهي المجموعة التي كانت هيئة الاستشارات والتشريع قد طلبت وأوصت بالاستعانة بها بغيّة عدم عرقلة عمل شركة «Alvarez» والاطّلاع على مدى تقيّد هيئة التحقيق الخاصة في لبنان بالقواعد الالزامية لعملها والمفروضة من المجموعة نفسها، على اعتبار أنّهُ من المحتمل جداً أن يتقاطع عمل الشركة المذكورة مع عمل هيئة التحقيق الخاصة في لبنان، بما يسمح للمجموعة المذكورة القيام بدور محوري وفاصل في النظر بأمر جديّة التحقيقات والتدقيق المحاسبي.
تجدر الاشارة الى ان مجموعة Egmont هي عبارة عن منظمة عالمية يقع مركزها الرئيسي في مدينة أوتاوا في كندا، وتضم 165 وحدة استخبارية مالية، أي أنها تتألف من وحدات الإخبار المالي في العالم وهي ترعى التواصل والتنسيق بين هذه الوحدات وهيئات التحقيق الخاصة في دول العالم وتهدف إلى تبادل المعلومات المالية والمصرفية فيما يتعلق بشبهات تبييض الأموال ومكافحة الإرهاب وكان لبنان قد انضم إلى هذه المجموعة في عام 2003 بحيثُ أصبحَ عضواً فيها عبر هيئة التحقيق الخاصة.

وحيثُ أنَّ الاستشارة من الناحية القانونية هي عبارة توصية وإبداء للرأي غيرمُلزم لطالبها لكونها بمثابة استكشاف للنصيحة بشأن مسألة معينة لا يكون فيها للمُستشار فرض رأيهُ على المُستَشير إن لم يَرِد هذا الأخير الأخذ بهِ؛ وهذا يعني أنَّ الادارة المستشيرة تستطيع عدم الأخذ بمضمون الاستشارة دونَ أن يترتب على ذلك اَي جزاء قانوني ما لم تكن الاستشارة قد أشارت الى وجوب تطبيق نصوص قانونية ملزمة سارية المفعول بخصوص المسألة موضوعها، فتُصبح في هذه الحالة الاستشارة ملزمة قانوناً إنفاذًا لنص القانون الواجب التطبيق على المسألة موضوع الاستشارة والتي أشارت الى وجوده. وبعيداً عن ذلك وحتى ولو لم تكن الاستشارة مُلزمة فإنَّ مخالفتها تبقى في بعض الحالات مشروطة بتطبيق ما يلزمه القانون من تبرير للمخالَفة في حال اشترط اجراء أمر ما حين مخالفة الاستشارة تحت طائلة عدم مشروعية التصرف المخالف لها وإن كان مضمونها غير ملزم وذلكَ إنفاذًا وتفعيلاً للشروط القانونية الشكلية الواجب مراعاتها بنص القانون حين مخالفة الاستشارة.
وحيثُ أنَّ المادة ١٤ مِن القانون الناظم لوزارة العدل -التي تضم مديريتها العامة هيئة التشريع والاستشارات التي تبدي الرأي في العقود والاتفاقيات بناءً على طلب الادارات واقتراح التعديلات التي تراها ضرورية- تنص على أنَّ:" الادارة غير ملزمة بالرأي، الاَّ أن مخالفتها له يجب ان تحصل بقرار معلل تُبلَّغ صورة عنه الى وزارة العدل". وكانت هذه المادة قبل تعديلها تنصّ على أنَّ: "ان الادارة غير ملزمة بالرأي الاستشاري، إلاَّ أن الموقف الذي تختاره يجب أن تُبلَّغ صورة عنه الى وزارة العدل". وهذا يعني أنَّ المشترع قد عزَّز بتعديله اللاحق للمادة المنوَّه عنها الشروط الشكلية الواجب اتباعها لمخالفة الادارة للإستشارة المطلوبة من هيئة التشريع والاستشارات، بحيثُ ألزمَ الإدارة حال مخالفتها للاستشارة التي تم تزويدها بها بوجوب تعليل قرارها المُخالِف من جهة أولى وإبلاغ صورة عنهُ لوزارة العدل من جهة ثانية.
وحيثُ أنَّ وزير المالية بمخالفته استشارة هيئة التشريع والاستشارات وفقاً لِما سبقَ بيانهُ آنفاً دون تعليل قراره ودون إبلاغ صورة عنهُ لوزارة العدل يكون بالتالي قد خالفَ الشروط الشكلية للنص المُلزم المذكور أعلاه وهو ما يجعل من قراره مُصاب بعيب عدم المشروعية لمخالفته ركن الشكل.

٢- المخالفة الثانية:
حيثُ أنَّ الحكومة كانت قد فوَّضت قبلَ استقالتها وزير المال للتعاقد مع شركات تتولى مهمّة التدقيق المالي المحاسبي والجنائي في حسابات مصرف لبنان.

وحيثُ أنَّهُ وبعدَ استقالة الحكومة أقدمَ وزير المال على التعاقد مع الشركات السالفة الذكر للقيام بالمَهمَّة المنوّه عنها.
وحيثُ أنَّ الفقرة الثانية من المادة 64 من الدستور تنص صراحة على أن: "لا تمارس الحكومة صلاحياتها قبل نيلها الثقة ولا بعد استقالتها أو اعتبارها مستقيلة إلاَّ بالمعنى الضيّق لتصريف الأعمال". وذلكَ مردَّهُ الى انعدام مسؤولية الحكومة في هذه الحالة أمام مجلس النواب، ممَّا يستوجب حكماً تضييق سلطتها للحدّ الذي يمكن معه فقط تسيير الأعمال في المرافق العامة طالما أنَّ ممارستها للسلطة الكاملة مشروط بالمقابل بدوام مسؤوليتها أمام مجلس النواب والتي تزول بمجرد زوالها نتيجة استقالتها أو اعتبارها بحكم المستقيلة، ما يضع بالتالي السلطة التنفيذية خارج الرقابة السياسية للسلطة التشريعية وهو ما يؤول بالنتيجة الى الحدّ من صلاحيات السلطة التنفيذية طيلة فترة تصريف الأعمال، أي طيلة فترة انعدام رقابة مجلس النواب عليها؛ بمعنى آخر إن استقالة الحكومة يؤدي حتماً وفوراً الى تقليص صلاحيات الحكومة والوزراء والحدّ منها وحصرها فقط في حدود ضيّقة جداً نطاقها تسيير الأعمال العادية في المرفق العام لعدم تعطيلها وبقاء استمراريتها بما يُبعد الأضرار عن المصلحة العامة في الدولة التي قد تنشأ عن الفراغ في سلطة القرار السياسي طيلة فترة تشكيل الحكومة الجديدة، الأمر الذي يُبرِّر بالتالي للحكومة المستقيلة وللوزراء فيها تصريف الأعمال العادية ضمن حدودها الضيّقة سنداً للمادة المشار اليها من الدستور.
وحيثُ أنَّ الفقه والاجتهاد الإداريين -وفي ظل عدم تحديد الدستور للمعيار الموضوعي الواجب اتباعه بغية التفريق بين ما يدخل في تصريف الأعمال وما يخرج عنه- توصّلا الى تحديده عبرَ التمييز بيّن نوعيّن من الأعمال في هذا الصّدَد:

 الأعمال الادارية actes de gestion: وهي تلك التي ترمي الى اتمام المعاملات يومياً لتسيير الأعمال والتي يمارس عليها الوزير إشراف تنظيمي.


 الأعمال التصرفيّة actes de disposition: وهي تلك التي ترمي إلى إحداث أعباء مالية جديدة أو التصرّف باعتمادات هامّة أو ادخال تغييرٍ جوهري على سير المصالح العامة أو في أوضاع البلاد السياسية والإقتصاديّة والإجتماعيّة تحت طائلة المسؤوليّة الوزاريّة.
وفي هذا الصّدَد استقر الفقه والاجتهاد الإداريين على عدم دخول الأعمال التصرفيّة في نطاق تصريف الأعمال، بما يُعدِم بالتالي حق الحكومة المستقيلة في القيام بها ما لم توجد ظروف ملحّة استثنائية تبرِّر ذلك لوجود خطر داهم يُهدِّد النظام العام المالي والاقتصادي والصحي والسياسي أو أمن الدولة الداخليّ والخارجيّ.
وحيثُ أن تعاقد وزير المال بعد استقالة الحكومة مع شركات التدقيق الجنائي والمحاسبي يرتِّب بالتأكيد أعباءً مالية على الدولة تجاه هذه الشركات بنتيجة التعاقد معها كمقابل للخدمة المطلوبة منها، فيُعتبَر بالتالي هذا العقد من قبيل الأعمال التصرفيّة التي لا يجوز لهُ القيام بها في ظل حكومة تصريف الأعمال المستقيلة ولا يُغيِّر من هذه النتيجة القانونية التفويض السابق الممنوح لهُ مِن قبَل مجلس الوزراء قبل استقالة الحكومة بإجراء العقد طالما لا يحق للحكومة أصلاً إجراءه لاحقاً متى ما أصبحت مستقيلة وطالما يوجب عليها الدستور منذ لحظة استقالتها تصريف الأعمال بالمفهوم الضيق دون ترتيب أية اعباء مالية غير ملحّة وتحتمل التأجيل لحين تشكيل الحكومة الجديدة؛ بمعنى آخر اذا كان لا يحق للحكومة التي منحت التفويض لوزير المالية بالتعاقد مع شركات أن تجري هذا التعاقد بعدَ استقالتها ولو سبقَ لها أن أفصحت عن نيتها بأجراء التعاقد الذي لم يتم مع الغير قبل استقالتها، فأنّهُ مِن باب أولى لا يحق للوزير المُفوَّض من الحكومة اجراءه بعد استقالة هذه الأخيرة، اذ أن التفويض هو بمثابة وكالة لإجراء أمر ما والوكالة تنتهي وتسقط حكماً بمجرّد وفاة الموكِّل وان استقالة الحكومة من الحياة الدستورية تعادِل في أثرها القانوني وفاة الموكّل المفوَّض بما يجعل بالتالي من التفويض الممنوح لوزير المالية ساقطاً قانوناً بشكل لا يمكّنه من متابعة العمل المُفوَّض فيه وخاصةً أنَّ اجراء أي عقد يُرتِّب أعباء مالية على الدولة غير جائز قانوناً أصلاً في ظل الحكومة المستقيلة وبغض النظر عن مسألة بقاء أو سقوط التفويض المنوَّه عنهُ الذي نؤكِّد سقوطه للتغيير القانوني الطارئ على وضعية المفوَّض (الحكومة المستقيلة) لانتهاء ولايته الدستورية قبل اجراء المهمة موضوع التفويض، الأمر الذي ينهي بالتبعيَّة التفويض عينهُ وهو ما يمنع قانوناً بالتالي الوزير المفوَّض من استمرار ممارسة الصلاحية المفوَّض بها وذلكَ للتغيُّر الطارئ على الوضعيّة القانونية لكل مِن المفوَّض والمفوَّض اليه في هذه الحالة (أي التغيير الذي طالَ المركز القانوني لكل المفوّض والمفوّض اليه مِن حكومة عادية ووزير عادي الى حكومة مستقيلة ووزير مستقيل ممنوعان قانوناً من أجراء أعمال تصرفية تُرتِّب أعباء مالية على الخزينة العامة دون وجود ظروف استثنائية عاجلة وخطرة تبرِّرُها).
وحيثُ أنَّ قيام وزير المالية بإبرام عقد مع شركات بعد استقالة الحكومة تُرتِّب أعباء مالية على الدولة يجعل بالتالي من تصرفه مخالفاً للدستور وخاصةً في ظل عدم وجود ظرف استثنائي مُلحّ يوجب على عجل اجراء هذا الأمر وذلكَ لعدم وجود خطر داهم على الدولة أو نظامها العام أو أمنها القومي في حال عدم اجرائه ولا بالتأكيد تتعطل استمرارية المرفق العام في ما حال عدم القيام بهذا التعاقد والذي يُمكن بالتالي ترحيله لتقرير مصيره من قِبَل الحكومة المقبلة الجديدة والتي لها وحدها الصلاحيات الدستورية الواسعة بعدَ نيلها الثقة البرلمانية التي تُصبح فيها مسؤولة مباشرةً أمام مجلس النواب وهو ما لا ينطبق على حكومة تصريف الأعمال.
المحامي د. هيثم عزُّو
-سنبقى نكرِّر دائماً وأبداً: أن القضاء هو خشبة خلاص الأمَّة ولن يكون الخلاص الاَّ باستقلالية القضاء-



يلفت موقع "اللبنانية" انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر الّا عن وجهة نظر كاتبه او مصدره.

 

مقالات مشابهة

خاص- هكذا تستهدف إسرائيل قدرات حزب الله

خاص- تغيير الوضع الراهن بين إسرائيل ولبنان: الخيارات الأمريكية

خاص- إيران تستعد للضربة المنتظرة ضد اسرائيل.. تقرير يكشف

خاص- عمليات حزب الله تحولت الى نوعية.. كم عسكري اسرائيلي قتلت؟

خاص- تقارب محتمل بين الإمارات وحزب الله؟

خاص- اقرأوا هذه التفاصيل.. هكذا تستعدّ إسرائيل للحرب مع "الحزب"

خاص- أسلحة أميركية جديدة إلى إسرائيل

خاص- الولايات المتحدة قلقة على لبنان من إسرائيل.. لماذا؟