يومية سياسية مستقلة
بيروت / °19

عدو عدوك صديقك...

Sunday, August 23, 2020 11:13:59 PM

كتب السفير عبد الله بو حبيب: اتفاق التطبيع بين الامارات العربية المتحدة واسرائيل ليس موجها ضد الفلسطينيين بقدرما هو بداية لتحالف جديد على اساس "عدو عدوك صديقك".

كانت دول الخليج مصدر التمويل الرئيسي لمنظمة التحرير الفلسطينية، كما كانت توفر لشركاتها ورجال اعمالها وعمالها فرصا لم توفرها غيرها من الدول العربية والاسلامية. كذلك كانت مساهمة الفلسطينيين كبيرة في النهضة الكبيرة والسريعة لهذه الدول.

تغيرت الاوضاع بعد اجتياح صدام حسين الكويت. دعمت منظمة التحرير الفلسطينية اجتياحه، فانخفضت المساعدات المالية بعد انتهاء الحرب، وتوقف ايضا جمع الضرائب من فلسطينيي الخليج لصالح المنظمة. بردت علاقة دول الخليج مع الفلسطينيين بعد احداث الكويت، لكنها لم تنقطع.

لكن عدم اعلام منظمة التحرير الفلسطينية اياً من الدول العربية ببدء مفاوضاتها السرية مع اسرائيل في اواخر عام ١٩٩٢، نقل القضية الفلسطينية، خصوصا لدى دول الخليج، من كونها عربية - اسرائيلية الى فلسطينية - اسرائيلية، ولم يعد الدعم المالي الى ما كان عليه سابقا. اشارت كوندليسا رايس، وزيرة خارجية الرئيس جورج بوش الابن في مذكراتها "لا شرف اعلى"، ان دول الخليج بقيت متعاطفة مع القضية الفلسطينية لكنها كانت ترفض ان تدعمها ماليا: "لا استطيع عد المكالمات الهاتفية التي اجريتها مع العرب الاغنياء، ارجوهم فيها ان يعطوا القليل القليل من فائدة عائداتهم من النفط للسلطة الفلسطينية من دون جدوى".

من ناحية اخرى، بدأ القلق الخليجي من ايران مباشرة بعد الثورة الاسلامية في شباط ١٩٧٩، وزاد بعد سقوط صدام حسين وبدء "الحكم الشيعي" في العراق. لكن يبدو ان الخوف من توسع ايراني يؤدي تدريجاً الى تغيير واسع لموازين القوى الاقليمية سببه التغيير في السياسة الاميركية تجاه المنطقة والخليج بالاخص، ويمكن مراجعة التغيير في مراحل ثلاث:

أولاً: الرئيس جورج بوش الابن. بدأ الخوف من "نَفَس اميركا القصير" الذي بدا واضحا في اواخر عام ٢٠٠٦ عندما ظهر  الفشل الاميركي في العراق في قمع الارهاب السني المتطرف والتنظيمات العسكرية الشيعية الموالية لايران، ودعوة الكونغرس الرئيس بوش الى الانسحاب منها. زاد الطين بلة تقرير لجنة الكونغرس برئاسة الوزير السابق جايمس بايكر، الصديق الحميم للرئيس بوش الاب، اذ اشار الى ان السياسة المتبعة في العراق لا تبشر بالخير وعلى الرئيس بوش ان يسحب القوات الاميركية من العراق تفاديا لخسائر اكبر. غير ان نجاح الرئيس بوش في قمع الارهاب بعدما ارسل قوات اضافية الى العراق، طمأن الخليجيين الى ان الاجتياح الاميركي للعراق لن ينته باستيلاء ايران عليه.

ثانياً: الرئيس باراك اوباما.  بدأ التشكيك الخليجي في تحالفه مع اميركا بعد انتخابه رئيساً.  لم يُبدِ  اوباما اهتماما بالصداقة او التحالف الذي بدأ عام ١٩٤٥. كانت زيارته الاولى الى المنطقة لتركيا حيث ابدى تفهما لنظريات الرئيس التركي رجب طيب اردوغان عن الاسلام السياسي، وهي نظرة الاخوان المسلمين المعادية للوهابية والسعودية. زيارة اوباما الثانية الى المنطقة كانت القاهرة حين دعا الشباب العربي الى نهضة تنقل بلادهم من القبلية الى هذا العصر.  كما ان الرئيس الاميركي رأى ان اكتفاء اميركا الذاتي في استهلاك الطاقة يغنيها عن الخليج العربي المتخلف في كل المجالات. لم تنجح  زيارات اوباما ولا لقاءاته اللاحقة مع القيادات الخليجية في تغيير انطباعاتهم.

ثالثاً: الرئيس دونالد ترامب. اطمأنت دول الخليج الى وصوله الى سدة الرئاسة الاميركية رغم اصراره الدائم على ان تدفع تلك الدول كلفة الحماية. زاد اطمئنانهم عندما قبل ترامب بأن تكون زيارته الاولى الى السعودية التي نظمت له اجتماعا مع قيادات الدول الاسلامية. لكن رد فعله على الضربة التي تلقتها المملكة من طائرات مسيرة الى قلب صناعة النفط السعودي في بقيق في ايلول ٢٠١٩، والتي اوقفت نصف انتاج المملكة من النفط الخام، كان اشارة الى ان الاتكال على اميركا لحمايتها اصبح ضئيلًا.

وفي الوقت نفسه، كانت المعلومات  في التسعينات تشير الى اتصالات سرية ومستمرة بين بعض دول الخليج واسرائيل، والتي ازدادت خلال العقد الاخير بعد تضاءل امكان الاتكال على الحماية الاميركية. كانت هناك زيارات خليجية الى القدس، سرية وعلنية، كما اشترك خليجيون في مؤتمرات نصف سنوية في العاصمة التشيكية بدعوة من مركز الشرق الاوسط لجامعة كاليفورنيا في لوس انجلس، والتي كانت معظم ندواتها تهدف الى تضييق الهوة بين العرب واسرائيل، كما كانت تشجع عقد اجتماعات جانبية بين المؤتمرين الخليجيين والاسرائليين.

يؤكد الاتفاق الاماراتي الاسرائيلي الاشاعات التي كررتها وسائل التواصل الاجتماعي، ان هناك ومنذ زمن تعاوناً مخابراتياً وتنسيق معلومات بين اسرائيل ودول الخليج. اذاً، اتفاق التطبيع لم يكن عفوياً وطارئاً، لا بل نتيجة الحوار والمفاوضات بين الفلسطينيين واسرائيل وخيبة امل من الحماية الاميركية، وربما اعتبر ان توقيته يخدم ترامب في الانتخابات الرئاسية ونتانياهو في محاكمته بتهمة الفساد.  

الاتفاق هذا هو بداية تكوين محور جديد على اساس "عدو عدوك صديقك". بدأت الامارات المسيرة لتشكيل وتنظيم محور جديد في مواجهة ليس فقط محور ايران وحلفائها، ومن ضمنهم حزب الله، بل ايضا محور تركيا وحلفائها قطر والاخوان المسلمين.

الرئيس ترامب وصهره جيريد كوشنر كانا سعداء لاتفاق حصل خلال الحملة الرئاسية. لكن الاتفاق حصل ايضا على موافقة المرشح الديموقراطي جو بايدن الذي لن يعارض وحسب، بل سيدعم تحالفا بين الخليج واسرائيل، خاصة وان معظم الاميركيين يشجعون هكذا تحالف.

كذلك ان ربط  الامارات التطبيع بامتناع اسرائيل عن ضم مستوطنات الضفة يشكل تراجعاً اسرائيلياً، خاصة وانها رفضت مشروع الملك عبدالله بن عبدالعزيز لاقامة دولة فلسطينية في مقابل اعتراف عربي فوري بها، والذي اقر في اجتماعات القمة العربية في بيروت عام ٢٠٠٢. من هنا، يمكن للدول العربية والاسلامية التي تقرر تطبيع علاقاتها مع اسرائيل ان تربط ذلك بهدف تحقيق دولة فلسطينية سيدة ومستقلة. وذلك، لان اتفاق التطبيع بين البلدين لا يجعل الفلسطينيين يختفون بطريقة سحرية، ولا ينتقص من شرعية مطالبتهم بدولة ذات سيادة في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية. يبقى ان سلاماً حقيقياً ودائماً لا بد من ان يشمل الفلسطينيين.

المركزية

يلفت موقع "اللبنانية" انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر الّا عن وجهة نظر كاتبه او مصدره.

 

مقالات مشابهة

مئات المستوطنين يواصلون اقتحام الأقصى بـ"الفصح".. واعتداءات على المصلين (شاهد)

خدعته إيران باستخدان فتاة.. جندي إسرائيلي أرسل صوراً لـ”القبة الحديدية” إلى إيران! هكذا خدعته استخبارات طهران باستخدام “فتاة” وهمية

“تيك توك” يتعهد بالطعن على الحظر الأميركي

عمليات حوثية ضد مدمّرة أميركية وسفينة إسرائيلية

واشنطن تحذّر: احتمالات التصعيد على الحدود بين لبنان وإسرائيل حادة

إسرائيل تعلن حالة التأهب عند الحدود مع لبنان!

الأردن يحدد 10 أيول موعدا لإجراء انتخابات مجلس النواب

الزعيم الشيشاني معتل بمرض حاد ومميت!