يومية سياسية مستقلة
بيروت / °19

الحريري وجعجع.. فاقد الشيء لا يعطيه

Wednesday, July 8, 2020 9:27:58 AM

خاص "اللبنانية"
الكاتب السياسي

ما كان بين تيار "المستقبل" و"القوات اللبنانية" قبل استقالة وزراء "القوات" من الحكومة السابقة وقبلها واقعة احتجاز الرئيس سعد الحريري في الرياض في تشرين الثاني 2017، ما عاد ولن يعود بعدهما، فما انكسر في العلاقة بينهما ما زال مكسوراً ولا يبدو انه قابل للإصلاح. لكن ما يحصل من "غزل" سياسي مفتعل او مفاجىء بين الطرفين يدل الى انهما يتبادلان التكاذب، وان كلا منهما يمضي الى غايته وخياراته السياسية الخاصة استعدادا للمرحلة المقبلة.
ذلك ان العلاقة بين الطرفين لم تعرف الاستقرار منذ احتجاز الحريري في السعودية في تشرين الثاني 2017، وهي تمر في مد وجذر ووصلت في بعض المراحل حد الطلاق او القطيعة النهائية لو حرص كل منهما على الحفاظ على بعض الشكليات لقطع الطريق امام الخصوم لكي يستغلوا الازمة ويمعنوا في سياسة "فرّق تسد" بين افرقاء معسكر 14 آذار، الذي لم يبق منه الان إلا اسمعه.

منشأ الخلاف بين الطرفين ان الحريري اتهم رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع بأنه هو من اوغر صدر القيادة السعودية ضده وكان السبب في اقدامها على احتجازه، فضلاً عن اتهامه سياسيين آخرين من فريق 14 آذار بـ"الفعلة" نفسها.
ولكن ان ينبري عضو تكتل "الجمهورية القوية" النائب وهبي قاطيشا الى ترشيح الحريري لتروس "حكومة غير حزبية" فذلك يعكس أحد أمرين: إما ان المياه عادت الى مجاريها بين "القوات" و"المستقبل" بفعل تواصل جار بين الجانبين بعيدا من الأضواء، وإما ان "القوات" توجه "رسالة حسن نية" الى الحريري عله يغير ما في نفسه من استياء وعدم ارتياح اليها بما يمهد للقاء بينه وبين رئيسها سمير جعجع ينهي شبه القطيعة السائدة بينهما، خصوصا وانهما لمحا أخيرا الى ان "التواصل" جار بينهما من دون ان يكشفا تفاصيل.

وفي تدقيق بعض المطلعين على العلاقة بين "بيت الوسط" و"معراب" في خلفية كلام قاطيشا وابعاده تبين لهم معطيات متناقضة:

أولا، ان قاطيشا خلال مقابلته مع تلفزيون "الجديد" اجتهد خارج النص، ما عرضه الى تأنيب من جعجع، لان "القوات" تعتبر ان الفرصة التي منحتها لحكومة الرئيس حسان دياب لكي تنجز وتثبت استقلاليتها عن القوى السياسية قد انتهت، وانها بعد استفحال الازمة الاقتصادية والمالية وفشل الحكومة في تحقيق الاصلاحات المطلوبة تجاوزت طرحها الداعي الى تشكيل حكومة اختصاصيين مستقلة عن كل القوى السياسية، الى طرح الانتخابات المبكرة لانتاج سلطة جديدة تستطيع انقاذ البلاد.

ثانياً، ان قاطيشا نوديَ عليه من جعجع ليقول قولته الايجابية تجاه الحريري، وان جعجع ربما استجاب لـ"نصائح خليجية وغربية" باعادة لمّ شمل فريق 14 آذار وتفعيله لأن المرحلة هي مرحلة مواجهة مع الفريق الآخر ورأس حربته حزب الله وهذه المواجهة ستبلغ ذروتها تباعا خلال الفترة الفاصلة عن موعد الانتخابات الاميركية، والمدخل الطبيعي الى لم الشمل هذا هو اعادة تطبيع العلاقات بين الحريري وجعجع الذي خرج من التسوية مع الرئيس ميشال عون وفريق 8 آذار بقيادة حزب الله.

ثالثاً، ان جعجع يدرك ان لا فرص جديدة امام الحريري للعودة الى رئاسة الحكومة لأن الافق الخليجي والاوروبي والاميركي ليس مشجعا له، بل هو مقفل في وجهه، وان اي تغيير حكومي سيحصل لن يأتي به الى رئاسة الحكومة لأن عون ليس في وارد القبول به او بأي من اعضاء نادي رؤساء الحكومة السابقين، ما يعني امرين: إما ان حكومة دياب باقية حتى نهاية العهد، وإما ان عون وحلفائه سيذهبون الى خيار آخر لرئاسة الحكومة الجديدة، خصوصا وانهم ما زالوا يشكلون الاكثرية التي في امكانها الاتيان بأي شخصية تريد الى هذا الموقع الدستوري، وبالتالي فإن "القوات" وجدت ان معاودة "العناق" مع الحريري تبقى افضل من "الفراق" علّ ذلك يمهد لتأسيس معارضة جديدة متماسكة، خصوصا انها، اي "القوات"، تدرك أنها لن تُمثّل في اي حكومة جديدة في خلال ما تبقى من الولاية الرئاسية وان الازمة المتفاقمة ستصل الى درجة تفرض على الجميع الذهاب الى انتخابات نيابية مبكرة.

ولكن حسابات الحريري باتت في مكان آخر لأنه فقد الامل في استعادة "العطف" الخليجي والغربي عليه، وبالتالي فإنه بات خارج قدرة التأثير في المعادلة الداخلية، وما يحظى به من عطف بعض القيادات من مثل الرئيس نبيه بري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ورئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية لا يكفي لايصاله مجددا الى رئاسة الحكومة ما لم يقترن بعطف خارجي عربي واميركي تحديدا بات بمثابة الحظ له في حال حظي به، ولذلك بات تعامل المتعاطفين الداخليين معه تنطبق عليه المقولة الشعبية القائلة: "زيجة زوجناك ولكن حظ من وين منجبلك". اما حلفاؤه القدماء الجدد او المتجددون، فإنهم يدركون حراجة الوضع الذي آل اليه، فهم ربما يعطفون عليه ولكنهم ايضا غير قادرين على يشكلوا رافعة له لأن الثقة بينه وبينهم معطوبة منذ واقعة احتجازه في الرياض واتهامهم له بأنه تخلى عن صلاحياته للعهد العوني وقدم تنازلات كبرى له ولحلفائه على حساب هذه الصلاحيات بغية ضمان بقائه في رئاسة الحكومة، وهذه التنازلات كانت احدى مواد الواشين به امام السعوديين الذي اتهموه بالتساهل مع خصومهم اللبنانيين وعلى رأسهم حزب الله الذي يتهمونه بدعم الحوثيين ضدهم في حرب اليمن.
ولذلك فإن "القوات اللبنانية" تدرك جيدا واقع الحريري وان مغازلتها المفاجئة له بما قاله النائب قاطيشا من انها "نؤيد" ترؤسه "حكومة غير حزبية" انما هي من باب ترطيب الاجواء معه واظهار انها لا تناصبه الخصومة والعداء لانها تدرك ان تشكيل حكومة غير حزبية في هذه الظروف غير متاح.

على ان الوضع الذي يمر به لبنان والمنطقة في ظل حملات انتخابات الرئاسة الاميركية لا يشجع اي فريق داخلي وخارجي على الدخول في اي صفقات قبل معركة الادارة الاميركية التي ستنتجها الانتخابات والسياسة الخارجية التي ستنتهجها، ما يعني ان الجميع بدأ يمارس سياسة تقطيع الوقت في انتظار ذلك الاستحقاق، و"القوات" من القوى الداخلية التي تعيش حالة انتظارية ولا ترى ضيرا في ان تهادن مع الحريري الذي هو ايضا ينصرف حاليا الى ترتيب بيته "المستقبلي" ولا يرى حاجة الى الاشتباك مع خصومه، من دون أن يغفر لقيادة "القوات" انها "طعنته في الظهر" منذ احتجازه في السعودية الى استقالة وزرائها من حكومته بذريعة تنازله امام "الفريق الآخر" ما فكك قوى 14 آذار وافقدها تأثيرها في الواقع السياسي.

غير ان الخلاف السياسي بين الحريري وجعجع بات عميقا ودخل في الشخصي الى درجة ان الحريري اعتبر ان جعجع "بوخر"، ودل الى ذلك تغريدته في العاشر من حزيرن الماضي التي رد فيها يومها على قول جعجع لصحيفة "الأهرام" المصرية من أنه لم يؤيد توليه رئاسة الحكومة "خوفاً عليه، وحتى لا تكون نهاية مسيرته السياسية". وقال الحريري في تلك التغريدة: "بونجور حكيم، ما كنت عارف انو حساباتك هالقد دقيقة. كان لازم اشكرك لانو لولاك كان من الممكن انو تكون نهايتي. معقول حكيم؟ انت شايف مصيري السياسي كان مرهون بقرار منك؟ يعني الحقيقة هزلت. يا صاير البخار مغطى معراب أو أنك بعدك ما بتعرف مين سعد الحريري".

ولذلك، يقول المطلعون على حقيقة المواقف ان الشخصي قد اختلط بالسياسي بين الحريري وجعجع وبات من الصعب ان تعود المياه الى مجاريها بينهما، خصوصا وان الحريري ما كان مرتاحا سابقا ولا هو مرتاح الآن الى الدعم والاهتمام الذي يحظى به جعجع من عواصم الخليج، ولا سيما منها الرياض وابو ظبي حيث يستقبل فيهما بحفاوة افتقدها الحريري منذ سنوات، ويستمع اليه باصغاء فيما بات من النادر ان يحظى هو بلقاءات على مستويات رفيعة، وان حظي بلقاء فانما يغلب عليه الطابع العاطفي الذي يتصل بما كان لوالده من مكانة لدى المسؤولين الخليجيين.
ويرى هؤلاء المطلعون ان مراجعة الازمات التي مرت بها العلاقة بين الحريري وجعجع منذ واقعة استقالته في الرياض التي سارع جعجع الى تأييدها، والتي اعقبها احتجاز الحريري في العاصمة السعودية، تفضي الى اقتناع بأن هذه العلاقة لا يمكن ان تستوي حتى "على القطعة"، فعندما هدد الحريري بـ"بق الحصة"بعد عودته من ذلك الاحتجاز السعودي ادرك الجميع ان هذه البحصة هي تسمية حلفائه الذين وشوا به في الرياض والخليج عموماً، وقيل انه لم يبق يومها تلك البحصة "نتيجة تدخل بعض سعاة الخير"، ولكن الكيل طفح بينهما، عندما احجمت كتلة "القوات" عن تسميته لرئاسة الحكومة ما سحب الغطاء المسيحي منه، واتاح وصول حسان دياب الى السراي الحكومي، وقال البعض في هذا السياق "أن الحريري شعر أنه تلقى ضربة في الصميم من جعجع، وأنه كان قادرا على إحداث فارق لو ترأس الحكومة الحالية باستدراج الأوروبيين عموما والفرنسيين خصوصا للبدء في تنفيذ مقررات مؤتمر "سيدر" للحد من الانهيار الحاصل".
وقيل ان جعجع لم يسم الحريري لرئاسة الحكومة لأنه " كان على اقتناع في"أن وصول الحريري الى رئاسة الحكومة هو إستدراج له من قوى 8 آذار لكي تتمترس وراءه كما كانت الحال أيام الحكومة السابقة، الامر الذي يضر به وبحضوره السياسي والشعبي".
لكن الحقيقة هي ان جعجع يعتبر ان الحريري بدلا من أن "يبق البحصة" ويتهمه مباشرة بتأزيم العلاقة بينه وبين الرياض رد عليه بالذهاب الى تحالف الى حدود التماهي مع رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل الذي يتربع على رئاسة اكبر كتلة نيابية مسيحية، الامر الذي يضعف "القوات" ويفقدها التأثير في الحياة السياسية وفي الاستحقاقات الداخلية على انواعها، بحيث ان من شأن هذا التحالف ان ينجح في ايصال باسيل الى رئاسة الجمهورية وتكريس الحريري في رئاسة الحكومة طوال عهده، ولا يكون لـ "القوات" في هذه الحال "لا حول ولا طول" خصوصا بعد اندثار "تفاهم معراب" بينها وبين "التيار". و قد لمس جعجع اولى مضار تحالف الحريري ـ باسيل عليه من خلال طلب رئيس تيار "المستقبل" في انتخابات 2018 من مؤيديه التصويت لباسيل وكل مرشحي "التيار" في دائرة البترون ودوائر أخرى على حساب "القوات" التي خاضت الانتخابات منفردة في كثير من الدوائر.
وقد بلغت الازمة بين الحريري وجعجع ذروتها في تظاهرة 6 حزيران الماضي التي لم يشارك "المستقبل" والحزب الاشتراكي فيها، فيما شاركت "القوات" إلى جانب مناصري بهاء الحريري، وهتف المشاركون فيها مطالبين بنزع سلاح حزب الله رغم مناشدة جعجع المتظاهرين التأكيد على المطالب المعيشية. في الوقت الذي تبادل مناصرو "المستقبل" و"القوات" الانتقادات على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث سأل "قواتيون" عن سبب "العدائية المفرطة والمجانية" ضد "القوات"، واتهم بعضهم الحريري انه بعدم مشاركة "المستقبل" في التظاهرة إنما يوجه إشارات ورسائل إيجابية إلى عون من بينها عدم مشاركته في التظاهرة بالتزامن مع حركة وليد جنبلاط بين بري والحريري التي انطلقت تحت شعار "الحوار لتعزيز الاستقرار وتحصين الوضع الداخلي وحماية السلم الأهلي"، فيما كان يدور في الكواليس السياسية كلام عن "التمهيد لعودة الحريري بعد سقوط حكومة حسان دياب ".
في اي حال لا تلاق متوقع بين الحريري وجعجع فكل منهما كآخرين من هذه الطبقة السياسية فقدا الكثير في هذه المرحلة ولم يعد لديهما اي شيء يقدمانه للناس وحتى لأنفسهما ... وفاقد الشيء لا يعطيه.


يلفت موقع "اللبنانية" انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر الّا عن وجهة نظر كاتبه او مصدره.

 

مقالات مشابهة

خاص - مجزرة في تاشع العكاريّة.. والوزير ياسين لموقعنا: سيتم تحويل الملف إلى القضاء

خاص- زيارة جزينية ممهورة بختم الثنائي

خاص- الضربة الإسرائيلية أربكت إيران

خاص - نبيل بدر.. رجل الحوار والمبادرات

خاص - الزبالة كترانة... والبلديات تتحرك!

خاص- "اللبنانيّة" يكشف تفاصيل خطيرة عن مراكب الهجرة إلى قبرص..إليكم ما حصل (صور)

خاص- هل يدفع لبنان ثمن التصعيد الإيراني الإسرائيلي؟

خاص - علقة بالبحر!