يومية سياسية مستقلة
بيروت / °19

عظام الحكّام فلترتجف

Friday, May 8, 2020 1:27:03 PM

بقلم عقل العويط

يكفي أن أقرأ التعميم "الداخليّ" الذي أرسله رئيس الجامعة الأميركيّة البروفسور فضلو خوري، الثلثاء 5/5/2020، إلى "أهل الجامعة"، في شأن الخطر الذي يتهدّد الجامعة، لكي ترتجف روحي الثقافيّة.
إنّي أرتجف، لأنّ هذا التعميم يقول لي بالكلام المباشر إنّ لبنان كلّه، تواجه كينونتُهُ الجوهريّة خطرًا مادّيًّا ومعنويًّا، غير مسبوق.
أسمح لنفسي، بل يمكنني أنْ أفترض، موضوعيًّا، وجود مثل هذا التعميم لدى كلّ المؤسّسات والصروح التاريخيّة، المهيبة والمحترمة، المعنيّة بلبنان الثقافيّ. أنوّه، بسبب ثقافتي الفرنسيّة، بالجامعة اليسوعيّة، تحديدًا وتخصيصًا، هذه التي توازي "الأميركيّة" عراقةً ومهابةً. وإذا لم يكن مثل هذا التعميم موجودًا، يمكنني، في الأقل، أنْ أفترض، وجود الأسباب نفسها، الداعية إلى إجراءٍ كهذا. على أساس هذا الافتراض، يجب أنْ ترتجف روحي الثقافيّة مرّتين. بل مرارًا وتكرارًا. بل يجب أنْ يرتجف كلّ لبنان. وهذا هو لبّ المقال، ومقصده.
أنْ يجد صرحٌ حضاريٌّ، كهذا الصرح، نفسه، في أزمةٍ اقتصاديّةٍ وماليّةٍ غير مسبوقةٍ منذ تاريخ تأسيسه (1866)، وأنْ يضطرّ إلى "تحجيم" أقسامه وفروعه و"تشحيل" بعضٍ من برامجه وهيئاته التعليميّة والإداريّة، فهذا يعني أنّ ما نمرّ به – وجوديًّا – أخطر بكثير ممّا واجه الجامعةَ هذه، وغيرها، في الحربَين العالميتَيّن، وفي الحروب والأزمات المصيريّة المتلاحقة.
يرتجف مثلي، ولا شكّ، كلّ مَن يعنيه شأن "لبنان الشاعر" (عنوان كتاب لصلاح لبكي)، أي لبنان القِيميّ – المعياريّ - الثقافيّ – الأدبيّ - العلميّ - الفكريّ – الجامعيّ – العقليّ – المعنويّ – الفلسفيّ – الإنسانويّ.
في الغالب الأعمّ، لن يرتجف من جرّاء هذا الأمر، رجلُ سلطةٍ، أو حكمٍ، أو مالٍ، أو بورصةٍ، أو جاهٍ، أو رجلُ سلاحٍ، أو متعهّدُ طوائف ومذاهب وغرائز وظلاميّات. وإذا ارتجفَ، فذلك يندرج، ليس إلّا، إمّا في باب الخديعة، وإمّا في باب الاستثناء الذي يؤكّد القاعدة. مَن يرتجف من هؤلاء، قلّةٌ نادرةٌ بل منقرضة. مكسيموم، واحدٌ في المئة. إذا بقي ثمّة واحدٌ في المئة.
أنا ترتجف روحي وعظامي، من جرّاء هذا الذي آل إليه لبنان، على أيدي أهل السلطة والسياسة هؤلاء، لأنّ نفسي تطلب منّي أنْ أكون مواطنًا أنتمي إلى هذا اللبنان الثقافيّ، وأنْ أنمّيه، وأخلص له، وأؤمن به، وأحرص على أنْ أحميه، وأصونه، وأفعل ما ينبغي لي أنْ أفعله، وما تمليه عليَّ موجباتي ومسؤوليّاتي الأخلاقيّة تجاهه وتجاه نفسي.
إنّي أرتجف من أقصايَ إلى أقصايَ، لحمًا وعظمًا وعقلًا باطنًا، لأنّي أرى ما أراه، ولأنّي أشهد ما أشهده، من انحطاطٍ سياسيٍّ لدى الطبقة السياسيّة الحاكمة، وهو انحطاطٌ غير مسبوقٍ في تاريخ لبنان الحديث. هذا انحطاطٌ غير مسبوقٍ، وهذا لا جدال فيه عندي.
لم يصل لبنان يومًا، ولا في الحربَين الكبريين، ولا في العام 1958، ولا خلال سنوات الحرب من العام 1975، ولا في الاجتياحات الإسرائيليّة الصهيونيّة، إلى ما وصل إليه من دركٍ مقيتٍ في أصول العمل السياسيّ والوطنيّ، وفي منطق المقايضة والمتاجرة والابتزاز والعهر والتعهير والبيع والشراء والاسترخاص والانتهاز والتسلّق والكذب والحقارة والدناءة واللصوصيّة والإرهاب والترهيب والعنف والإذلال والقهر والتجويع والتفقير والتيئيس.
لن يفهم المستولون على لبنان السياسيّ، خطورة هذا "التعميم الداخليّ" الذي أرسله رئيس الجامعة الأميركيّة إلى "أهل الجامعة". هذا التعميم، لا يعني الجامعة هذه وأهلها فحسب، بل يعني الركائز التي يقوم عليها لبنان. بل يعني لبنان برمّته، هذا البلد الأنيق الطيّب، الذي يتعرّض للقتل المنهجيّ على أيدي مسؤوليه وحكّامه وسياسيّيه، الذين تشبه عهودُهم الجرائمَ التسلسليّة المتناسل بعضها من بعض، والمتوافق بعضها مع بعض.
إنّي بارتجافة روحي، أدعو جميع مَن يعنيهم لبنان الثقافيّ، ولا سيّما منهم أصحاب الأيدي والجيوب النظيفة ممّن يملكون المليارات والملايين، إلى أنْ يفعلوا ما يجب أنْ يفعلوه، ردًّا لجميل هذه البلاد التي ينتمون إليها، وحفظًا لها من الزوال. الخطط الاقتصاديّة التي ستُنفَّذ قريبًا، على أيدي "زبدة" الطبقة السياسيّة، لن تُبقي ركيزةً واحدةً من ركائز "لبنان الكبير"، الجيوسياسيّ، ولا شيئًا يُذكَر من بيروت الثقافيّة، ولا من لبنان الثقافيّ. ولا من طبقاته غير الميسورة.
"التعميم الداخليّ" لرئيس الجامعة الأميركيّة، هو إنذارٌ علنيٌّ موصوفٌ بما ينتظر لبنان كلّه، وخصوصًا الطبقات المعدمة والفقيرة والمتوسّطة التي ينتمي إليها أكثر من ستّين في المئة من شعب لبنان.
الجبال تتزلزل حيال الانحطاط في أصول العمل السياسيّ والوطنيّ. فكيف لا تتزلزل الجامعات والصروح والركائز التي يقوم عليها لبنان.
يجب أن ترتجف عظام الحكّام. وإلّا على لبنان السلام!

يلفت موقع "اللبنانية" انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر الّا عن وجهة نظر كاتبه او مصدره.

 

مقالات مشابهة

خاص- هكذا تستهدف إسرائيل قدرات حزب الله

خاص- تغيير الوضع الراهن بين إسرائيل ولبنان: الخيارات الأمريكية

خاص- إيران تستعد للضربة المنتظرة ضد اسرائيل.. تقرير يكشف

خاص- عمليات حزب الله تحولت الى نوعية.. كم عسكري اسرائيلي قتلت؟

خاص- تقارب محتمل بين الإمارات وحزب الله؟

خاص- اقرأوا هذه التفاصيل.. هكذا تستعدّ إسرائيل للحرب مع "الحزب"

خاص- أسلحة أميركية جديدة إلى إسرائيل

خاص- الولايات المتحدة قلقة على لبنان من إسرائيل.. لماذا؟