يومية سياسية مستقلة
بيروت / °19
بين سعد وبهاء.. إنقلاب الشقيق على الشقيق آت لا محالة

Monday, April 27, 2020 9:25:04 AM

خاص "اللبنانية"

منذ ان رحل رفيق الحريري، لم تستوِ العلاقة بين افراد عائلته، خصوصا بعدما توزع الورثة الارث المالي مع ما رافقه من خلاف، ليظل الارث السياسي موضع إشكال بين سعد وبهاء الاخوين الشقيقين من الزوجة الاولى للراحل، بعدما تعذر على الاشقاء ايمن وفهد وهند من الزوجة الثانية نازك، والذين قيل يومها انهم "ابدوا زهدا" في الحصول على ارث سياسي من الوالد الراحل..
ايام وجوده في السلطة لم يظهر لدى انجال الحريري الوالد أي اهتمام بالسياسية او اي مظهر من مظاهر تحضير خليفة للرجل في الزعامة السياسية، فجميعهم اما كان لا يزال على مقاعد الدراسة (أيمن وفهد وهند) او يدير قسما من امبراطورية اعمال الوالد (سعد وبهاء) فمنهم من كان يحسن العمل ومنهم من كان يخطئه احياناً، ليتلقى التوبيخ من الوالد لكي لا يتكرر الخطأ مرة جديدة.
عند البحث في الوراثة السياسية للحريري الأب بعد وفاته نشب الخلاف على الخيار أيكون الوارث بهاء كونه الأبن البكر جريا على العادة اللبنانية والعربية في أن يكون البكر هو الوريث الاول اذا لم يكن فيه من عيب او معوّق؟ ام يكون من يمتلك الجدارة والحيوية المطلوبة؟ ولكن في لحظة ما ولاسباب ما وبفعل تدخل اصدقاء لصيقين بالعائلة إستبعد بهاء ليقع الخيار على سعد وتعلن العائلة هذا الخيار رسمياً ويكظم بهاء غيظه، وهو كان الوحيد من افراد العائلة الذي سمع الجميع صوته يوم تشييع الوالد الشهيد وهو يدعو المحتشدين حول الجثمان في وسط بيروت الى افساح المجال لتتم الصلاة عليه قبل مواراته في الثرى، مناديا بأعلى صوته: "يا قوم.. نريد ان نصلي عليه"، الى ان قرأ الرئيس فؤاد السنيورة صلاة الميت الذي ورث الحريرية السياسية وتولى رئاسة الحكومة ردحا من الزمن الى حين تحضير سعد لهذا المنصب ويتولاه في ظروف افضل حيث كان الاصطفاف السياسي الحاد في البلاد بين 8 و14 آذار والنزاع على المحكمة الدولية وحرب تموزوغيرها....
ومنذ توزيع الارث المالي، وبعد تولي بهاء الإرث السياسي، لم تستو العلاقة بينه وبين بهاء الذي ما انفك يوما عن انتقاد الاداء السياسي وغير السياسي لشقيقه ولكن العمة بهية الحريري التي تميل الى سعد ربيبها عندما كان في عمر الفتوة، كانت تمارس دوما دور اطفائي الخلافات بين الشقيقين، وهي التي كان ارثها المقعد النيابي في صيدا الذي كانت وما تزال تتولاه منذ ما قبل رحيل شقيقها رفيق يدعهما شقيقها شفيق، فهي أتت او جيء بها الى عالم السياسة وتعاطي الشأن العام ايام "ابي بهاء" من عالم التربية والتعليم..
لم يكن بهاء في المرحلة الأولى منزعجا من اخفاقات شقيقه الاصغر في السياسة، لأن طموحه السياسي لم يتوقف رغم اتفاق العائلة على ايكال الارث الى سعد، وعندما بدأ الاخير يعاني من ازمة مالية بسبب اوضاع شركة "سعودي أوجيه" وغيرها من المصالح، لم يبادر الى نجدته، بل انه رفض ان يقرضه اي مبلغ مالي لسد حاجته او جزءا من مستحقات ملحة لديه، الى درجة ان سعد وسّط في احد الايام صديقا مشتركا لإقناع بهاء بإقراضه ربع مليون دولار، فرض مؤكدا للوسيط ان شقيقه لن يتمكن من سداد هذا الدين لان كل املاكه مرهونة للمصارف.
ولكن بعد تدهور العلاقة بين سعد والقيادة السعودية وما آل اليه مصير شركة "سعودي أوجيه"، وبعد الاقامة الجبرية لنحو شهرين التي فرضت عليه في الرياض واجباره على اعلان استقالته من العاصمة السعودية، بدا سعوديون وغير سعوديين يتحدثون عن بهاء وامكانية ان يحل مكان سعد في رئاسة الحكومة وفي الزعامة السياسية السنية اللبنانية خصوصا ان الكيمياء لم "تشتغل" حتى الآن في العلاقة بينه وبين ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان.
ومنذ ذكرى 14 شباط الماضي، بل منذ ما قبلها، وفي ضوء التفسخ والتضعضع الذي يصيب تيار "المستقبل" وبيئته، بدأ بهاء يشعر ان إرث الوالد بات مهددا بالاندثار نتيجة سياسات شقيقه ودخوله في تحالفات معلومة ومكتومة مع قوى سياسية مغلبا مصلحته السياسية البقاء في رئاسة الحكومة على مصير الارث الذي يحمل، فقرر بهاء في هذه الحال الدخول الى الساحة على قاعدة ان يكون البديل الذي يستنقذ الارث السياسي والشعبي الحريري ويمده بجرعة من المضادات الحيوية التي من شأنها أن تعيد ألقه وتعيد ترسيخه في الوجدان اللبناني عموما وفي الوجدان السني والاسلامي خصوصا، وحاول بهاء ان تكون اطلالته في ذكرى رحيل الوالد التي كان مقررا ان تقام كالعادة في مجمع "بيال" وسط بيروت، وعندما علم سعد بالامر سارع الى نقل الاحتفال من ذلك المكان الفسيح الى منزله في "بيت الوسط" خصوصا من انقسام المستقبليين خلال الاحتفال بينه وبين شقيقه الآتي من غربة عمرها نحو 25 عاما، وقطع سعد في هذه الخطوة الطريق على بهاء الذي كان ينوي فعلا حضور الاحتفال في بيال، ولم يجد بهاء في هذه الحال اي حيلة الا العزوف عن العودة واصدار بيان عبر مصدر قريب منه ينفي نيته المجيء الى لبنان، فكظم الغيظ مرة جديدة ولكنه قرر في المقابل العمل ميدانيا وبتؤدة للوصول الى مبتغاه، مستعينا بالفريق الذي يشتبك مع الحريري او يعترض على نهجه داخل تيار "المستقبل" وحارجه والذي يتهمه بالتفريط بنهج الوالد ومشروعه السياسي. وهذا الفريق هو الذي يساعد بهاء الآن على الوصول الى ما يطمح اليه عبر كشف الثغرات ونقاط الضعف عند سعد، وهي متعددة لعل ابرزها النقمة الشمالية والعكارية تحديدا وكذلك في البقاع الغربي على سياسة سعد وطريقة تعاطيه مع ابناء هذه المناطق، حيث بدأ التواصل منذ اشهر مع القواعد الشعبية في تلك المناطق ومباشرا توزيع مساعدات مالية وعينية وتاليف تنسيقيات يشرف عليها معاونه نبيل الحلبي بتنسيق مع قيادات مستقبلية معارضة لسعد، فيما يحوط اللواء اشرف ريفي بعناية خاصة كونه ابرز الرموز الذين يعارضون سعد ويتهمونه بالمحيد عن النهج السياسي الحريري "والمستقبلي" والتفريط به وتقديم التنازلات في مجال صلاحيات رئاسة الحكومة مسايرة لعون وحلفائه لضمان بقائه في رئاسة الحكومة.
إذاً تخلى بهاء في ذكرى 14 شباط عن فكرة بدء الحراك ضد نهج سعد من قلب بيروت مؤثر ان يبدأه من الاطراف ليتجه منها لاحقا صوب المدن الكبرى ليصل أخيرا الى بيروت بعد ان يكون افقد شقيقه وجوده ونفوذه في المناطق. وهو ما يحصل الآن، الى درجة ان بعض الذين ينزلون الى الشوارع هذه الأيام يؤيدون بهاء الذي يعتقد جازما ان حضوره هو المخرج والحل الوحيد لإنقاذ الزعامة الحريرية وإعادة الوهج والحضور الفاعل لنهج الوالد، ويبدو انه يستمد لذلك تأييد بعض مراكز القوة في القيادة السعودية التي باتت تنظر الى سعد على انه فشل بكل المعايير والمراحل في ان يكون البديل الناجح لوالده، في الوقت الذي فقد اي تأييد او غطاء اميركي واوروبي.
لكن سعد الواقع تحت ازمة مالية خانقة كانت ولا تزال تجر بأذيالها عليه، وفيما لم تنته قضية "سعودي اوجيه" فصولا بين وبين السعوديين والوف العاملين فيها، لم يلق اسلحته بعد على ما يبدو، وسيحاول لمناسبة هجمتها الصاعقة والمفاجئة على حسان دياب وحكومته، اعادة استنهاض العصبية في شارعه محاولا اعادة بعض "الصقور المستقبليين" الذين تفرقوا عنه من مثل النائب نهاد المشنوقالى جانبه، ضاغطا في اتجاه اسقاط حكومة دياب من دون ان يدرك بديل دياب هذه المرة لن يكون هو حتى ولو دعمه الرئيس نبيه بري ووليد جنبلاط وسمير جعجع المتردد (رجل في البور ورجل في الفلاحة) وانما سيكون شخصية سياسية سنية أخرى لها حضورها الشعبي والسياسي ولديها مقبولية لدى الحراك الشعبي ولدى العواصم العربية والدولية الفاعلة، وهي شخصية غير متورطة في اي فساد داخليا وخارجياً وسيلمع نجمها في الوقت المناسب. فنادي رؤساء الحكومة السابقين متهم بكل اعضائه اما بالتورط في الفساد او بالسكوت عنها، بإعتراف المشنوق نفسه الذي قال من دار الفتوى ان الفساد والهدر حصل ايام رؤساء الحكومات السابقين مستثنيا منهم الحريري، يبدو انه استماله اليه مجددا حيث بعث له برسائل غزل اثر عودته الى بيروت أخيراً.
يراهن بهاء على خلافة سعد بقوة وقد حقق على ما يبدو بعض الاختراقات في صفوف فريق سعد بعضهم "خلايا نائمة" من نواب في كتلة "المستقبل" والبعض الآخر محازبون في تيار "المستقبل" او من القيادات والمحازبين الذين طردهم سعد إثر عودته الاولى من الخارج لتولي رئاسة الحكومة في بداية عهد عون، وقد بدأ سعد بعد عودته أخيرا التحري لمعرفة الموالين لبهاء تمهيدا لطردهم "من الهيكل المستقبلي" المتداعي في ظل التحضير لعقد المؤتمر العام للتيار الشهر المقبل. وعلم في هذا المجال ان بهاء يخطط من جهته لتحقيق اختراقات لمصلحته من خلال نتائج هذا المؤتمر تعاونه في ذلك جهات داخلية وخارجية مؤيدة لتوجهه، وسيكون لعامل المال تأثيره في هذا المجال.
لذلك، وفي ظل الانهيار الاقتصادي والمالي الذي تعيشه البلاد وينعكس ازمة معيشية خانقة على المستوى الشعبي، فان بهاء المحتفظ بثروة ضخمة زاد حجمها عما كان ورثه من الوالد( أكثر من ثلاثة مليارات دولار) يجد نفسه قادرا ماليا على استقطاب وجذب اعداد كبيرة من الموالين لسعد العاجز ماليا، فضلا عن اجتذاب محتاجين من القاعدة الشعبية السنيةوغير السنية، ما يعني انه يحضر لإنقلاب ابيض او رمادي على شقيقه هو "ابغض الحلال" بالنسبة اليه طالما ان الهدف منه الحفاظ على الارث السياسي للوالد الراحل واعادة تفعيل حضوره في الوجدان السني واللبناني عموما، على ما يرى هوشحصياً ويطمح، وهو ما لا يراه الآخرون الذين يعتبرون ان الارث الحريري و الحريرية السياسية دخلا في مرحلة الأفول...
انه نزاع بين الشقيقين على الإرث السياسي الوالدي، وعلى الزعامة السياسية بدأت تدور رحاه بينهما، وستتكشف فصوله في قابل الايام... وانقلاب الشقيق على الشقيق آتٍ لا محالة.

يلفت موقع "اللبنانية" انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر الّا عن وجهة نظر كاتبه او مصدره.

 

مقالات مشابهة

خاص - مجزرة في تاشع العكاريّة.. والوزير ياسين لموقعنا: سيتم تحويل الملف إلى القضاء

خاص- زيارة جزينية ممهورة بختم الثنائي

خاص- الضربة الإسرائيلية أربكت إيران

خاص - نبيل بدر.. رجل الحوار والمبادرات

خاص - الزبالة كترانة... والبلديات تتحرك!

خاص- "اللبنانيّة" يكشف تفاصيل خطيرة عن مراكب الهجرة إلى قبرص..إليكم ما حصل (صور)

خاص- هل يدفع لبنان ثمن التصعيد الإيراني الإسرائيلي؟

خاص - علقة بالبحر!