يومية سياسية مستقلة
بيروت / °19

مقارنة بين "التسويات" اللبنانية مع حزب الله ومعاهدة ميونيخ 1938

Saturday, March 28, 2020 2:27:38 PM

بقلم نوفل ضو - منسق التجمع من اجل السيادة
المصدر: مركز الشرق الاوسط وشمال افريقيا الجيو سياسي


يعيش لبنان منذ انسحاب الجيش السوري في ربيع العام 2005، مرحلة الهجمة الإيرانية المضادة على استقلاله وسيادته بهدف السيطرة على الدولة اللبنانية ومؤسساتها الدستورية وقراراتها السيادية في المجالات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية وغيرها...

وتميزت الفترة بين العامين 2005 و 2008 بنجاح حزب الله في امتصاص اندفاعة الموجة الاستقلالية والسيادية في لبنان واحتوائها، مستفيداً من:

النظرية التي أطلقها رئيس الحزب التقدمي الإِشتراكي النائب وليد جنبلاط بعيد انسحاب الجيش السوري من لبنان في 26 نيسان / أبريل 2005 والتي تقول بأن مشكلة سلاح حزب الله هي مشكلة داخلية يحلّها اللبنانيون في ما بينهم بالحوار، لتعطيل أي تدخل عربي ودولي ضاغط بهدف نزع هذا السلاح، (على غرار التدخل الذي أدى الى إخراج الجيش السوري من لبنان)، من خلال قرار مجلس الامن الدولي 1559 القاضي بنزع سلاح كل الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية وبسط سلطة الدولة اللبنانية على كل أراضيها بقواتها الشرعية حصراً.الاتفاق الرباعي بين كل من حزب الله وحركة أمل والحزب التقدمي الإشتراكي وتيار المستقبل على التحالف في خوض الانتخابات النيابية في حزيران / يونيو 2005 في بعض الأقضية اللبنانية من خلال لوائح مشتركة، مما سمح لحزب الله، وعلى الرغم من عدم تمكنه من الحصول على الأكثرية النيابية، من تأمين حضور مهم وفاعل في الحياة السياسية والنيابية، والأهم من ذلك انتزاع "غطاء وطني" و"براءة ذمة وطنية لبنانية" من أركان "الحركة السيادية" لمشروع حزب الله كما لو أنه مشروع لبناني داخلي لا جزءاً من مشروع احتلال وهيمنة إيرانية على لبنان والمنطقة.استدراج حزب الله "القوى السياسية والحزبية" يومها، بواسطة رئيس مجلس النواب نبيه بري، الى طاولة الحوار الوطني، حيث تحول موضوع نزع سلاح حزب الله الى البحث في "استراتيجية دفاعية" عن لبنان، قبل أن يورّط حزب الله لبنان في حرب تموز / يوليو 2006 مع إسرائيل التي انتهت بقرار مجلس الأمن الدولي 1701 الذي نص على تولي الجيش اللبناني وقوات الأمم المتحدة الموقتة في لبنان (يونيفيل) بعد تعزيزها، مسؤولية الأمن على طول الحدود وفي عمق الجنوب اللبناني، وهو ما كان يرفضه حزب الله قبل الحرب بحجة عدم تأمين الحماية الشرعية اللبنانية لحدود إسرائيل!بعد حرب تموز / يوليو 2006 التي اضطر حزب الله بنتيجتها للقبول بالقرار 1701 لوقف الحرب، ارتد الحزب الى الداخل اللبناني بحجة "محاسبة" الحكومة والقوى السياسية والحزبية التي "تآمرت" عليه خلال الحرب من خلال تواطئها وانسجام مواقفها مع العرب والولايات المتحدة الأميركية والغرب. فكانت الاعتصامات وإقفال وسط بيروت، ومنع انتخاب رئيس جديد للجمهورية بعد انتهاء ولاية العماد إميل لحود، ومحاصرة السراي الحكومي ومحاولة تعطيل عمل حكومة الرئيس فؤاد السنيورة من خلال إفقادها النصاب باستقالة الوزراء الشيعة منها، وباغتيال ومحاولة اغتيال وزرائها، وإقفال مجلس النواب، وقلب موازين الأكثرية النيابية باغتيال نواب من "قوى 14 آذار"، ومحاولة منع تمرير قرار إنشاء المحكمة الدولية الخاصة بلبنان لمحاكمة مرتكبي جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه والجرائم المتصلة بها، مما اضطر مجلس الأمن الدولي لإصدار القرار 1757 (31 أيار / مايو 2007) بإنشائها تحت الفصل السابع، وصولاً الى 7 ايار 2008 عندما احتل حزب الله بيروت وهاجم الجبل لفرض أمر واقع سياسي جديد وقلب موازين القوى والغاء المفاعيل السياسية والدستورية لانتخابات النيابية للعام 2005 بالقوة العسكرية!جاء "اتفاق الدوحة" في أيار / مايو 2008 ليكرس سياسيا النتائج العسكرية ل 7 ايار. منذ ذلك التاريخ تم إسقاط الفرصة التي أتاحها انسحاب الجيش السوري من لبنان لإحياء الدستور (اتفاق الطائف) بنصه وروحه، ودخل لبنان مرحلة حكم "موازين القوى" العسكرية على حساب "قوة توازن" التي تنتجها الممارسة الديموقراطية الصحيحة والسليمة المتمثلة في فصل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية وتوازنها.

صحيح أن "اتفاق الدوحة" لم يكن المرة الأولى التي يتم فيها إسقاط الدستور اللبناني منذ خروج لبنان من حربه في العام 1989 بعد اتفاق الطائف. فمع "التفسير السوري" لهذا الإتفاق وتطبيقه وفقا لهذا التفسير اعتبارا من 13 تشرين الأول (أكتوبر) 1990 تاريخ العملية العسكرية التي دخل في خلالها الجيش السوري الى القصر الجمهوري في بعبدا حيث كان يتحصن يومها العماد ميشال عون كرئيس للحكومة الإنتقالية رافضا الإعتراف باتفاق الطائف وبشرعية الرئيس الياس الهراوي، سقطت نصوص الإتفاق وروحه مع رفض النظام السوري اعادة نشر جيشه حتى البقاع خلال سنتين، ومع تولي رئيس جهاز الأمن والإستخبارات في الجيش السوري العامل في لبنان اللواء غازي كنعان، ومن بعده العميد رستم غزالة، "صلاحيات" تفسير الدستور والإدارة الفعلية للمؤسسات الدستورية وإرساء "التوازنات" في ما بينها. يومها باسم الحفاظ على الإستقرار غُيِّب الدستور واغتيلت الديموقراطية وتعطل الإنتاج الفعلي للسلطة التي تمثل اللبنانيين، واكتفى اللبنانيون بالعمل على الهامش الإقتصادي والإجتماعي الذي سمح فيه النظام السوري في محاولة للحفاظ على الحد الأدنى من مقومات "الأمن الإجتماعي" بعدما صادرت دمشق القرارات العسكرية والسياسية الإستراتيجية وحتى الإدارية للدولة اللبنانية، وعملت في هذا الإطار بالتعاون مع إيران على تقوية نفوذ حزب الله لاستخدامه كورقة مشتركة سورية – إيرانية في المعادلات الإقليمية والدولية. 

لكن، وبعد سقوط النظام الأمني اللبناني – السوري في 14 آذار/ مارس 2005، بدأت إيران تدريجياً من خلال حزب الله بالعمل على ممارسة "سلطة" عنجر (مقر جهاز الأمن والإستخبارات السورية في لبنان) في تعطيل اتفاق الطائف والدستور اللبناني، من حارة حريك في الضاحية الجنوبية لبيروت (مقر الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله). ويمكن التوقف في هذا الإطار عند المحطات الآتية:

بدعة "الثلث المعطل" في الحكومات التي تعتبر من صلب ما نص عليه "اتفاق الدوحة" خلافاً لنصوص الدستور اللبناني. وهو ما سمح لحزب الله وحلفائه بالإمساك ليس فقط بقرارات السلطة التنفيذية، وإنما أيضا بمبدأ انعقاد جلسات الحكومة، وبمصير الحكومات. وعلى مدى ثماني سنوات بين 2008 و2016 عمل حزب الله على قضم مؤسسات الدولة والمواقع القيادية فيها، وشدد من قبضته على الأمن والإدارة والقضاء والسياسة الداخلية والسياسة الخارجية والإعلام والدورة الاقتصادية والمالية الخ وزج بمصالح لبنان في الحرب السورية معرضاً علاقات لبنان العربية والدولية لأفدح الأخطار السياسية والاقتصادية...بدعة "الحفاظ على الإستقرار" التي تحججت بها معظم القوى السياسية والحزبية في لبنان لتبرير مشاركتها في الحكم على قاعدة الشراكة مع حزب الله القائمة على التغاضي عن الملفات السيادية التي يصادرها حزب الله، في مقابل المواقع الرئاسية والحكومية والنيابية. وقد توجت هذه البدعة بتفاهمين ثنائيين الأول بين تيار المستقبل والتيار الوطني الحر، والثاني بين القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر، امتدادا للتفاهم القديم بين حزب الله والتيار الوطني الحر مما سمح بإيصال مرشح حزب الله الأوحد لرئاسة الجمهورية العماد ميشال عون الى قصر بعبدا عام 2016 على قاعدة المحاصصة في السلطة بحيث يكون رئيس تيار المستقبل سعد الحريري رئيسا للحكومة، ويتقاسم التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية المناصب الوزارية والأدارية والنيابية المسيحية، وهو ما سمح باستكمال مشروع حزب الله لتغيير هوية لبنان التاريخية وضرب علاقاته العربية والدولية وإلحاقه بالمشروع الإيراني.بدعة "تصحيح التمثيل الشعبي" في مؤسسات الدولة ولا سيما في مجلس النواب التي استخدمت ذريعة لقبول الكثير من الفرقاء السياسيين والحزبيين بقانون للأنتخاب على أساس النسبية الكاملة، وهو ما سمح لبعض هذه القوى بزيادة احجامها داخل طوائفها، على حساب الأكثرية النيابية التي تمكن حزب الله من الإمساك بها للمرة الأولى منذ العام 2005 بفعل إمساكه بالطائفة الشيعية بيد من حديد، واختراقاته للطوائف المسيحية والسنية والدرزية. وهكذا فقد تمكن حزب الله، بعدما أمسك بموقع رئاسة الجمهورية، من الإمساك بالأكثرية النيابية مضافة الى موقع رئاسة مجلس النواب، وبالتالي من فرض تركيبة حكومية خالصة لمصلحته ومصلحة مشروعه الإيراني مستعنياً بذلك عن "خدمات" القوات اللبنانية وتيار المستقبل اللذين أصبحا خارج الحكم.بدعة "الإصلاح الإقتصادي ومحاربة الفساد" التي استخدمت غطاء لتقاسم الصفقات والمحاصصات والتعيينات في المواقع القضائية والإدارية الحساسة، وهو ما سمح حزب الله بإرضاء حلفائه وشركائه وإسكاتهم، وبالحصول على المواقع التي تضمن له المزيد من الإمساك بكل مفاصل الدولة ولا سيما منها تلك التي تساعده على التخفيف من آثار العقوبات الأميركية عليه وعلى إيران، واستمرار تأمين الموارد المالية المطلوبة لتسيير مشروعه ومؤسساته وتمويل حروبه، ومساعدة إيران والنظام السوري على خرق العقوبات الأميركية والعربية والدولية على الرغم من المقاومة التي أبداها والتي لا يزال يبديها القطاع المصرفي اللبناني في مواجهة سعي حزب الله لوضع يده على مصرف لبنان وفرض إرادته على المصارف التجارية.  

 

ولأن ما نعيشه في لبنان منذ سنوات هو جزء مما تعيشه المنطقة من محاولات إيرانية للتمدد والسيطرة ونشر الفوضى وعدم الإستقرار واستهداف الأنظمة والدساتير، فلا بد من الإستفادة من تجارب الآخرين في المواجهة لنستخلص العبر ونسترشد بالمسارات الواجب اعتمادها لوضع حد لما نحن عليه، والإنتقال بلبنان الى حالة من الإستقرار السياسي والدستوري الحقيقي المبني على "قوة التوازن الديموقراطي" بعيدا عن "موازين القوى العسكرية" التي تسعى إيران من خلالها لفرض سيطرتها على أكثر من دولة عربية!

يشكل الاتفاق النووي الذي وقعته إيران مع المجتمع الدولي قبل أن يعلق الرئيس الأميركي دونالد ترامب تنفيذه، نموذجا للاتفاقات التي تسعى إيران من خلالها لكسب الوقت بهدف تطوير قدراتها العسكرية وتوسيع نفوذها في الدول العربية بقوة السلاح والميليشيات التي ترعاها. وقد كان ولي عهد المملكة العربية السعودية الأمير محمد بن سلمان موفّقاً في تشبيهه أبعاد المشروع الإيراني من خلال الاتفاق النووي، بأبعاد الأطماع النازية من معاهدة ميونيخ التي وقعتها فرنسا وبريطانيا وايطاليا مع المانيا النازية في العام 1938 على أمل تلافي المواجهة الناجمة عن طموحات هتلر التوسعية، والتي استفاد منها الزعيم النازي لكسب الوقت والإعداد للحرب العالمية الثانية التي اندلعت في العام 1939!

أما التسويات الداخلية المتلاحقة مع حزب الله، منذ التحالف الرباعي (2005) الى اتفاق الدوحة (2008) الى تسوية انتخاب العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية (2016) فتشكل بمفاعيلها السياسية نموذجا مصغرا وموازياً لمفاعيل الاتفاق النووي الذي استغلته إيران من خلال حزب الله لبسط سيطرتها على لبنان أرضا ومؤسسات دستورية وقرارات استراتيجية كجزء من مشروعها التوسعي في الدول العربية.

إن مواجهة هذا الواقع تتطلب ارتفاع أصوات لبنانية تدعو للخروج من المفاعيل العملية السياسية والعسكرية لهذه التسويات الداخلية مع حزب الله، والعودة الى التطبيق الفعلي والكامل والحرفي ل"اتفاق الطائف" في شقه السيادي، وللدستور اللبناني في كامل بنوده، ولقرارات مجلس الأمن الدولي الخاصة بلبنان، كما سبق للرئيس الأميركي دونالد ترامب ان انسحب من الاتفاق النووي الايراني قبل أشهر وكما سبق له أن أعلن عن استعداده للتوصل الى اتفاق جدي مع إيران يحفظ أمن المنطقة واستقرارها الحقيقين بعيدا عن تهديدات الأسلحة النووية والصاروخية الإيرانية وعن دور أذرع إيران في زعزعة استقرار دول المنطقة لا سيما العربية منها وفي مقدمها لبنان.

لقد أثبت سياسة "التسويات" مع حزب الله بمفاعيلها الميدانية والسياسية اللبنانية أنها نموذج مصغر عن الاتفاق النووي الإيراني (2015) بالنسبة الى المنطقة العربية، ومعاهدة ميونيخ (1938) بالنسبة لأوروبا والعالم...

فهل من بين القادة اللبنانيين من يجرؤ على تبني هذه المقاربة، فيجاهر بضرورة رفض الاستسلام للأمر الواقع والعمل على بناء التحالفات والشراكات العربية والدولية المطلوبة التي تضمن تحرير لبنان من الارتهان للمشروع الإيراني وإعادته الى موقعه التاريخي والى هويته العربية وعلاقاته الدولية المعروفة؟

يلفت موقع "اللبنانية" انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر الّا عن وجهة نظر كاتبه او مصدره.

 

مقالات مشابهة

خاص- هكذا تستهدف إسرائيل قدرات حزب الله

خاص- تغيير الوضع الراهن بين إسرائيل ولبنان: الخيارات الأمريكية

خاص- إيران تستعد للضربة المنتظرة ضد اسرائيل.. تقرير يكشف

خاص- عمليات حزب الله تحولت الى نوعية.. كم عسكري اسرائيلي قتلت؟

خاص- تقارب محتمل بين الإمارات وحزب الله؟

خاص- اقرأوا هذه التفاصيل.. هكذا تستعدّ إسرائيل للحرب مع "الحزب"

خاص- أسلحة أميركية جديدة إلى إسرائيل

خاص- الولايات المتحدة قلقة على لبنان من إسرائيل.. لماذا؟