يومية سياسية مستقلة
بيروت / °19

في الكوارث لا خلاص فرديا للبشر

Friday, March 27, 2020 9:32:47 AM

بقلم النائب الدكتور فريد البستاني - النهار


عندما تعصف الأزمات بالمجتمعات من كل حدب وصوب، تزداد المطالب وتتراجع المكاسب، يصعب على الدولة تلبية الحاجات، وتتراكم عليها الأزمات، فيستعيد المجتمع قيم التكافل، وتسقط قيمة المال الفردي أمام خطر داهم يهدد الجماعة، فتفتح الناس بيوتها لبعضها البعض، وتفرج عما في خزائنها كما في زمن المجاعة والحرب.
قبل أزمة الكورونا كان لبنان في حال من الضيق، وكانت الأرزاق في تراجع، وكان الفقر يدق الأبواب، والبطالة تتسع بين الشيب والشباب، وكانت ضغوطات التأزم هي التي دفعت بالشعب الغاضب إلى الساحات والشوارع، فكيف وقد فرضت علينا إستحقاقات الأزمة العالمية التي تتهدد البشر بلا تمييز بين عرق ولون وجنس وجنسية وطبقة وجيل، مع جرثومة عمياء يتعب العقل البشري في مكابدتها، وفرضت العزلة على الملايين في بيوتهم، وسكتت معها المصانع وتوقفت الأعمال، وصار شفاء العالم وقفا على إلتزام الناس في بيوتها.
المعادلة اللبنانية اليوم فوق السياسة، ومدعاة لرمي الخلافات والكيديات والمزايدات جانيا، بعدما صارت السياسة اقرب للتفاهة، ما لم تلتحم بالوطنية والإنسانية بصفاء روحي واجتماعي يسمو ويعلو عن الصغائر، فالكل مهدد، ولن تحمي البروج المحصنة أحد ولا الأموال الوفيرة ستفيد، ما لم يتضامن المجتمع أولا باعتزال منضبط صارم داخل المنازل، بحيث يؤدي الفقراء ضريبة شفاء المجتمع بإمتناعهم عن السعي وراء لقمة عيشهم، فماذا عسى الأغنياء يقدمون ؟
الجواب يبدأ من التساؤل عن الحال إذا ما فرض الجوع على المعتزلين الخروج هائمين على وجوههم، يبحثون عن لقمة لعيالهم، وسقطت إجراءات الوقاية بالضربة القاضية، واختلط الحابل بالنابل، وفلت الحبل على الغارب، فسقطت الدولة كناظم إجتماعي عام، وضرورة للخلاص الجامع لأبناء البلد ؟
الحال شديدة الخطورة، وتستدعي تضافر جهود عابرة للمجتمعين الرسمي والأهلي، لاينفع معها التربص بالحكومة بانتظار إعلان فشلها، والحمل أكبر من مقدراتها، لكن حمل فشلها أكبر من قدرة الموالاة والمعارضة على التحمل، فلدينا قرابة ربع مليون عائلة تحتاج موردا لحياة الحد الأدنى يلتزمها المجتمع تجاهها، كي تلتزم تجاهه العزلة، راضية بكفاف عيشها، لقاء حماية مجتمعها من انفراط عقده، وانهيار سلامه، وتدمير صحة أبنائه، فهل نستطيع تدبر الحال ؟
الأمر ليس مجرد إحساس بالآخر، وهو واجب وطني وديني وإنساني، بل الأمر إستثمار في الأمن الاجتماعي الذي صار محور الأمن الشخصي، الذي بدوره يعني جميعنا، ولا يستثني منا أحدا .
الدولة لا تقدر وحدها على حمل الأعباء، وقد كانت أعجز من حملها قبل الفصل الأخير الأشد صعوبة، مع تفشي وباء الكورونا وتداعياته، لكن الدولة كانت وستبقى ويجب أن تبقى محور العمل الجماعي والإجتماعي المطلوب، ولهذا ندعو لتشكيل صندوق تعاضد واحد تساهم فيه الدولة ويساهم فيه المجتمع، ويثق الجميع بشفافية ونزاهة القيمين عليه، من أهل الكف النظيف، وليكن الصليب الأحمر اللبناني نواة هذه المبادرة الجامعة، الذي أظهرت المبادرات الفردية والمؤسساتية والخيرية التي عبر من خلالها المجتمع عن نبضه الحي في التكافل، وجمع التبرعات، أنها موضع إجماع .
إن خطوة أولى تتمثل بمساهمة الدولة التأسيسية لهذا الصندوق، بإقتطاع 10% من رواتب القطاع العام، خصوصا الموظفين الذين طالهم التوقف عن العمل، بما يوفر مبلغا لا يقل عن 50 مليار ليرة شهريا، توفر فرصة توزيع 500 ألف ليرة على مئة ألف عائلة، وتستقطب مثلها أضعافا من المتمولين والمقتدرين وأصحاب النخوة من المقيمين والمغتربين، وتستقطب مثلها تبرعات عينية، فتعمل كل المؤسسات الخيرية والتي لا تبغي الربح تحت عباءة وإشراف وتدقيق الصليب الأحمر، لتأمين مطابخ، ربما يستطيع الجيش المساعدة في تأمينها وتأمين توزيع وجبات الطعام للأحياء الفقيرة ليحصل عليها المحتاجون، و تتولى البلديات وشرطتها توزيع حصص غذائية لذوي الحاجات الملحة.
إنها واحدة من ساعات الحقيقة الإنسانية، وساعات الله بين البشر، تنكشف فيها النفس الإنسانية لحقيقة أنها نفس إجتماعية، لا فرص أمامها بخلاص فردي، فيدرك الناس أنهم ملزمون وملتزمون في السراء والضراء.

يلفت موقع "اللبنانية" انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر الّا عن وجهة نظر كاتبه او مصدره.

 

مقالات مشابهة

خاص- هكذا تستهدف إسرائيل قدرات حزب الله

خاص- تغيير الوضع الراهن بين إسرائيل ولبنان: الخيارات الأمريكية

خاص- إيران تستعد للضربة المنتظرة ضد اسرائيل.. تقرير يكشف

خاص- عمليات حزب الله تحولت الى نوعية.. كم عسكري اسرائيلي قتلت؟

خاص- تقارب محتمل بين الإمارات وحزب الله؟

خاص- اقرأوا هذه التفاصيل.. هكذا تستعدّ إسرائيل للحرب مع "الحزب"

خاص- أسلحة أميركية جديدة إلى إسرائيل

خاص- الولايات المتحدة قلقة على لبنان من إسرائيل.. لماذا؟