يومية سياسية مستقلة
بيروت / °19

الحريري.. لن يكون أبَا لملّته مَن خالف عهدَ أبيه

Wednesday, March 4, 2020 11:04:48 AM

خاص "اللبنانية"
زهير فاضل

عند قيامه بترميم سراي بيروت الكبير وتحديثه وتأهيله، أصرّ الرئيس الشهيد رفيق الحريري على أن تعلو المدخل الأساسي للواجهة الشماليّة لوحة عليها عبارة تقول: "لو دامت لغيرك لما وصلت إليك."
وها هو اليوم ابنه سعد لا يتقبّل واقعًا مستجدًّا يؤكّد أنّ رئاسة الحكومة ليست ملكًا له.
هذا الإرهاص بالسلطة صار ينعكس في الصحافة غير المعادية للتيّار الأزرق على شكل أوصاف تتناول الرئيس الشابّ ناسبةً إليه "الكيد الولّادي" أو (بالفصحى) "المكر الصبياني".
ميزة لمسناها منذ سقوط حكومة سعد الحريري الأولى وتولّي الرئيس نجيب ميقاتي تشكيل حكومة بديلة بإشراف ومباركة من حزب الله وحلفائه (وهذا ما فعله سعد الحريري لاحقًا حين شكّل حكومته الأخيرة).
فقد انطبعت في الوجدان العامّ صورة الشيخ سعد مستقبلًا خليفته في الزيارة التقليديّة ، كما يخاصم الولد "الحردان" زميله في الملعب أو في المدرسة، ثمّ يتدخّل الناظر لإجبار كلّ صبي على قبول الآخر وإن على مضض.
ثمّ استمرّت المواقف والمناورات والمناكفات والتحالفات الغريبة، حتّى بات من الواضح أنّ الحريري الابن يريد أن يكون الأب الشرعيّ لملّته بلا منازع.
لعلّها العدوى في عصر يتحفنا بتسميات من نوع "كبيرنا"، "تاج راسنا" و"بيّ الكل"...
أو هي نتيجة طبيعيّة لنظام المحاصصة الذي يجعل من زعماء الطوائف نسخة طبق الأصل عن رؤوس العائلات في مجتمعات المافيا.
وهي كذلك نتيجة ضياع أمام تحرّكات شعبيّة لم تكن في الحسبان.
لقد ناور الرئيس الحريري منذ بدء الحراك الشعبي فخذلته الورقة الإصلاحيّة حين اصطدمت بشارع لا "يتحلّى" بالسذاجة المطلوبة لتمرير حيلة كهذه على الناس.
ثمّ استقال بإيقاع دراميّ على أمل أن تتحرّك الساحة السنّيّة مستنكرة ومتّهمة سائر الطوائف بالتآمر عليها، فخذلته اللُحمة الأصيلة والعميقة بين الطوائف جميعًا رغم عدم تنكّر أحد لانتمائه الروحيّ.
وبدأت محرقة الأسماء.
نذكر كم مسترئسًا تحوّل وقودًا لرحلة سعد الحريري نحو استرجاع "دميته"، ملكيّته الخاصّة، رئاسة الحكومة التي –في نظره- لا يمكن ألّا تدوم له.
واليوم يستمرّ "صاحب الدمية" في التذاكي واستنهاض الوتر المذهبي وتحفيز الأتباع والأزلام ليتسلّق على غضب الرعيّة، ولكن...
شيء ما تبدّل.
ليس الحريري من سيمسك بزمام تاريخ جامح نحو الحريّة، ولا غيره من متسلّقي الغضب القبلي أو صنيعة هذا الفريق أو ذاك من المستقتلين على دخول نادي "دولة الرئيس".
ما تحقّق منذ 17 تشرين في نفوس اللبنانيّين، وأهلُ السنّة في الطليعة، أبطل سحر التعويذة التي دفعت بلبنان إلى أسفل طبقات التخلّف.
ألطائفة السنّيّة لا تبحث عن أب، بل كغيرها تبحث عن وطن.
والنظام الأبوي البطريركيّ الغاشم زال من الوجود لغير رجعة.
ألوطن بكلّ ملله يحتاج إلى قادة يخافون الله في شعبه، ويملكون برامج ورؤى واضحة الأهداف الصادقة والأساليب الناجعة.
هكذا نظر اللبنانيّون إلى رفيق الحريري حين عمل للوطن كلّه عابرًا كلّ العوائق المذهبيّة، مدافعًا عن المقاومة في المحافل الدوليّة، مبديًا جزيل احترامه وشغفه لقداسة البابا إن في بيروت أو في الفاتيكان.
لم يحاول الحريري الأب أن يكون أبًا لبعض شعبه في السياسة حيث يرتبط مفهوم الأبوّة ببعد سلطويّ جائر.
كان في عزّ تألّقه حين حمّل لوحة السراي الكبير اعترافه بتداول السلطة، وبحقّ غيره في خدمة وطنه من أيّ موقع يملك معطياته.
فكيف يتوقّع الحريري الابن أن يمتلك ما لم يطمع به أبوه مناقضًا بنزعته الفرديّة مبادئ الأب المؤسّس وأبسط مسلّمات الديموقراطيّة الحقّة.
وفي جميع الأحوال، لا يَصلح أبًا صالحًا من لا يصون عهد أبيه.

يلفت موقع "اللبنانية" انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر الّا عن وجهة نظر كاتبه او مصدره.

 

مقالات مشابهة

خاص - ظاهرة خطيرة تضرب المجتمع.. جاد غاريوس يحاضر بالعفة

خاص- 1701 واقع لا مفرّ منه

خاص - مراقبو وزارة الاقتصاد بلا آليات نقل ومؤازرة أمنية

خاص - مجزرة في تاشع العكاريّة.. والوزير ياسين لموقعنا: سيتم تحويل الملف إلى القضاء

خاص- زيارة جزينية ممهورة بختم الثنائي

خاص- الضربة الإسرائيلية أربكت إيران

خاص - نبيل بدر.. رجل الحوار والمبادرات

خاص - الزبالة كترانة... والبلديات تتحرك!