يومية سياسية مستقلة
بيروت / °19

رياض سلامة الرقم الصعب في المعادلة الدولية

Friday, January 24, 2020 8:43:31 PM

بقلم المحامي لوسيان عون

يوم بعد يوم يتضح أكثر فأكثر أن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة لم يكن موظف الصدفة الذي تنعم بجنة التمديد اسوة برئيس مجلس النواب نبيه بري لعقود من الزمن

يوم بعد يوم ثبت أن الرجل مهما قيل عنه أنه مرّر وحاك سياسات نقدية ومالية رغم كل المتغيرات التي طرأت على السياسات الدولية والحروب التي خاضتها منطقة الشرق الاوسط والتي كانت لتشتعل على خلفية أطماع اقتصادية في منطقة تعج بآبار النفط من أفغانستان الى البحر الابيض المتوسط

يوم بعد يوم يتضح أن رياض سلامة الذي عيّن عُيّن حاكما لمصرف لبنان في الأول من آب 1993 لمدة 6 سنوات . وأُعيد تعيينه لثلاث ولايات متتالية في 1999 و2005 و2011 والذي  يترأس الهيئات التالية: المجلس المركزي لمصرف لبنان، الهيئة المصرفية العليا، هيئة التحقيق الخاصة المعنية بمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب وهيئة الأسواق المالية وهو عضو في مجلس محافظي صندوق النقد الدولي وصندوق النقد العربي. في العام 2012، و ترأس  اجتماعات مجلسي محافظي البنك الدولي وصندوق النقد الدولي في طوكيو. منذ الأول من تموز 2013،وبات رئيسا مشاركا في مجلس الاستقرار المالي لمنطقة دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لمدة عامين. كما ترأس مجلس محافظي صندوق النقد العربي لسنة 2013   لم يكن شخصية عادية عابرة في حقبة صراعات مريرة وقاسية خاضتها المنطقة ، بل كان رجل المهمات الصعبة الذي ارتضى تنفيذ قرارات صعبة وتاريخية على مستوى قوانين كانت تصدرها على التوالي الولايات المتحدة الاميريكية ، وهو وضع نفسه في مواجهة كل من ايران وحزب الله وسوريا في المنطقة ، وتلقف – رغم عدم امتلاكه أي حزب أم منظمة – كل المواجهات والتهديدات التي كانت تطلق سهامها باتجاهه لا سيما في الاعوام الثلاثة الاخيرة ، ومن عداد من تصدى له ، نظام لبناني تبنى نظرية ” المقاومة ” في بياناته الوزارية ، وهو خاض – أي النظام – معركة ضروس بمواجهة الولايات المتحدة الاميريكية التي دأبت على تجفيف مصادر تمويل حزب الله ، فشكل سلامة الذراع الايمن لها في الاذعان لقراراتها وتوجيهاتها التي صدرت على شكل قوانين صارمة .

من راقب سلامة ظوال الاعوام القليلة الماضية كان يلاحظ تركيز الرجل على أمرين خلال تردده الى القصر الجمهوري والسراي الكبير أسبوعياً ويشدد على أن الليرة اللبنانية متينة فضلأً عن توجيه تأكيد وتطمينات للدارة الاميريكية بأن لبنان – من خلال مصرف لبنان طبعاً – يلتزم تطبيق قوانين العقوبات الاميريكية .

هذه المواقف لم تكن تعجب حز الله بطبيعة الحال ، وهو ( أي الاخير ) المستهدف الاول من تلك الاجراءات العقابية ، لكن سلامة وهو الاشبه برجل الاميريكيين في لبنان كان يؤكد على الدوام السير بهذه السياسة ، الى أن وصل به المطاف بمفاجأة اللبنانيين في الاسبوع الاول من الثورة في تشرين الاول عندما اتخذ الاجراءات التاريخية بحق المودعين وعملاء المصارف ، فكانت تلك الاجراءات لتشكل المقص الذي طال الحركة الاقتصادية برمكتها سواء في الداخل أم بين الداخل وسوريا .

ولان قانون النقد والتسليف وقوانين مصرف لبنان والمالية العامة تعطي الحاكم أوسع صلاحيات في مضمار السياسة المالية ، فكان أن شكل سلامة الذراع اليمنى الاميريكية في لبنان التي شكلت قبضة الى جانب قبضة الثورة ، وان كان بين القبضتين تفاوت واختلاف من حيث الاهداف والمرامي ، لكن ثمة تقاطع بين الاثنين تجلى بضبط ايقاع حزب الله وقطع الطريق أمام التهريب والفوضى وان على الصعيد المالي والتبادل بين التجار ، رغم كل القساوة والاضرار التي اصابت القطاعات التجارية والصناعية والافراد .

منذ تسلم رياض سلامة مقاليد الحاكمية ، شهد لبنان تقلبات وتبديل في الانظمة والخيارات والحكومات والسياسات ، الا أنه التزم في الاعوام الستة اخيرة تنفيذ قوانين العقوبات الاميريكية بحذافيرها ، فكانت المصارف ترزح تحت سكين القوانين الصادرة عن الادارة الاميريكية بكافة بنودها ومعاييرها كما كان القضاء المالي يلتزم بتطبيق هذه القوانين بدءا من قوانين تبييض الاموال ومكافحته وقوانين الارهاب بكامل بنودها ، وكان يجبر العميل المصرفي توقيع موجبات فرضتها قوانين ” الفاتكا ” بحيث كان يخير من قبل ادارات المصارف بين توقيعها وبين اقفال حساباته اللبنانية ، وهذا ما كان يسعد طبعاً ويفرح قلب الاميريكيين قلباً وروحاً لتوفر موظف كبير لبناني يطبق قوانين أميركا وشروطها في لبنان رغم تمتع حزب الله بهوامش كبرى في التحرك الميداني العسكري داخل لبنان وخارجه ، لكن الحظر المفروض على المصارف وعملائها أرعب عملاء حزب الله وأجبرهم على الابتعاد عن كل ما يشكل تعاملاً مع هذه المصارف أو شبهة قد تتسبب بحجز أموالهم .

اليوم رياض سلامة يدفع ثمناً كبيراً لتنفيذه سياسات أميريكية مالية في لبنان ثابر على تطبيقها الى حدها الاقصى وحرفياً وهي بالتالي مكنتها من تحقيق اجتياح سياسي – مالي – اقتصادي قوض جزئيا نفوذ حزب الله وقلّب بعضاً من الراي العام ضده ، وهو لو خضع لتوصياته ولم يتصدى له لكان الامر مختلفاً ، لكن الثمن الذي يدفعه اللبنانيون اليوم من جراء التململ الذي أحدثه من هجرة وبطالة وصرف مستخدمين واقفال شركات ومؤسسات تجارية دفع بالعديد من المتضررين افراديا كما على مستوى بعض القوى السياسية  الى مواجهة المؤسسات المصرفية الى حد احداث التخريب فيها بعدما تمنعت رغم مضي ثلاثة أشهر على بدء الثورة عن تسليم الودائع لاصحابها والاكتفاء بجرعات خجولة لا تكفي البعض لملىء خزانات وقودهم والتنقل بين منطقة وأخرى .

اليوم يقف رياض سلامة في الواجهة وهو تلقف بصدره كل الاتهامات بأنه نفذ سياسة الولايات المتحدة الاميريكية بتجفيف ايرادات حزب الله والتضييق على اللبنانيين ، لكن يتضح كل يوم بعد يوم أن خنق الدولار في مهده وتقطير تسليمه لعملاء المصارف لم يقتصر أثره على الداخل اللبناني بل تخطاه الى الداخل السوري حيث انهارت العملة السورية الى مستويات قياسية حيث تخطى سعر الدولار الواحد 1300 ليرة سورية قبل أن يمنع الرئيس السوري التعامل بالدولار الاميريكي لايقاف النزيف الاقتصادي والمالي السوري ،

انها الولايات المتحدة التي تطبق حروبها باسلحة اقتصادية وغير تقليدية في بلدان يتمترس فيها خصومها ، من ايران الى تركيا الى سوريا فالعراق فلبنان ،

لن تخسر جندياً واحداً في معاركها بعد اليوم ،

لم تعد تخوض معارك كالتي خاضتها في الفلوجة وبغداد والموصل وسائر المحافظات السورية ، كما لم تعد بحاجة لنيوجرسي ،

لقد اكتفت بأذرع على غرار رياض سلامة فكان لها ما أرادت دون خسارة جندي واحد ، مع طمأنتها مراراً  تكرارا بأنه جار تطبيق قوانين العقوبات الاميريكية بحذافيرها طالما أن مصرف لبنان يبقى وفق القوانين اللبناني جسر عبور لكافة العمليات المصرفية التي تجريها المصارف المعتمدة .

يلفت موقع "اللبنانية" انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر الّا عن وجهة نظر كاتبه او مصدره.

 

مقالات مشابهة

خاص- تغيير الوضع الراهن بين إسرائيل ولبنان: الخيارات الأمريكية

خاص- إيران تستعد للضربة المنتظرة ضد اسرائيل.. تقرير يكشف

خاص- عمليات حزب الله تحولت الى نوعية.. كم عسكري اسرائيلي قتلت؟

خاص- تقارب محتمل بين الإمارات وحزب الله؟

خاص- اقرأوا هذه التفاصيل.. هكذا تستعدّ إسرائيل للحرب مع "الحزب"

خاص- أسلحة أميركية جديدة إلى إسرائيل

خاص- الولايات المتحدة قلقة على لبنان من إسرائيل.. لماذا؟

خاص- كيف ساعدت الدول العربية في التوصل إلى قرار لوقف إطلاق النار في غزة؟