بقلم حبيب البستاني

وتأجلت الاستشارات النيابية الملزمة إلى الخميس المقبل مع التشديد عن أن لا تأجيل جديد، واللافت أن هذا التأجيل جاء تلبية لرغبة رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري وليس لرغبة من الرئيس، هكذا حسمت بعبدا موضوع الاستشارات وعينت لها موعداً جديداً، وهذا إن دل على شيء فإنه يدل عن مدى تعلق فخامة الرئيس بالأصول الدستورية لإتمام هذه الاستشارات كسبيل وحيد لتسمية رئيس الحكومة العتيد. لقد تبين بما لا يحمل الشك أن ما قام به فخامته من مشاورات واتصالات مع مختلف الأطراف السياسية كان الهدف منه حصول عملية التكليف وتعبيد الطريق وإزالة المعوقات من أمام التاليف، وقد شهدنا كلنا على الاتهامات الباطلة التي طالت الرئاسة الأولى وصولاً إلى حد اتهامها بمصادرة صلاحيات الرئاسة الثالثة وتحديداً رئيس الحكومة الذي هبت جماعته منادية ب " يا غيرة الدين ".
واليوم انقلب السحر على الساحر فالذي كان ينادي البارحة بضرورة الإسراع بإجراء الاستشارات أصبح اليوم يطالب بتأجيلها، لأنه لمس لمس اليد أنه لا يمكن لأي كان أن يتفرد بحكم البلد وفرض إرادته وشروطه على الآخرين، واضعاً معايير جديدة وممارسات ظاهرها لمصلحة الناس وباطنها محاولة وضع اليد بالكامل على السلطة الإجرائية، فلا يكتفي بتسمية كل الوزراء بل بالحصول على صلاحيات تشريعية إستثنائية " Pleins Pouvoirs " هذه الصلاحيات التي يُستحصل عليها عادة في الأنظمة الديكتاتورية، فعلى سبيل المثال لا الحصر فقد استحصل عليها Adolf Hitler في 24 آذار 1933 والذي تمكن فيما بعد من الحكم بواسطة المراسيم الوزارية دون العودة إلى البرلمان، كذلك فإن Philippe Pétain قد استحصل عليها في 10 تموز 1940 .

أحلام الليل يمحوها النهار
لقد اعتقد رئيس حكومة تصريف الأعمال أنه ونظراً للأوضاع السائدة في البلد والمشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي يتخبط فيها الناس، والتي لا مجال لذكر الخيارات الاقتصادية والمالية التي تم اتباعها منذ أكثر من ثلاثين عاماً ولا عن المسؤولين عنها والتي أدت إلى ما أدت إليه، أنه يمكنه في هذه اللحظة المفصلية من الإمساك كلياً بمفاصل السلطة، إنما وصبيحة يوم الامتحان ومعمودية النار اكتشف أن لا احد يسير معه في هذا المخطط، فلا الثنائي الشيعي وتحديداً حزب الله هو على استعداد لتسليم رقبته وبهذه السهولة ووضعها بتصرف رئيس الحكومة، ولا التيار الوطني الحر يستطيع التخلي عن تمثيله "المسيحي" الواسع ليضع كل أوراقه بيد رئيس حكومة تصريف الأعمال، وحتى الشركاء "الاستراتيجيين" كالقوات اللبنانية بمقدورهم تأييده والخروج عما أعلنوه سابقاً وعلناً من ضرورة تشكيل حكومة أخصائيين بالكامل. وهكذا بادر الرئيس الحريري لطلب تأجيل الاستشارات، لمزيد من الاتصالات على حد قوله.

الشارع واللعبة القذرة
ان ما جرى في الشارع في اليومين الماضيين من عنف واعتداءات على القوى الأمنية والذي جرى عن سابق تصور وتصميم هوأكثر من معبر ويحمل في طياته أكثر من علامة استفهام إن لناحية هوية الأشخاص الذين قاموا به وإن لناحية التوقيت وإن لناحية الأهداف، وهنا لا بد من طرح عدة تساؤلات.
ما الهدف من استعمال العنف المفرط تجاه القوى الأمنية؟
ما المغذى من حصول هذا الشغب عشية الاستشارات النيابية الملزمة، وعشية زيارة مساعد وزير الخاجية الأميركي دايفيد هيل إلى بيروت؟
لقد استشف أكثر من مراقب وبدون أدنى شك أنه كان المطلوب هو الوصول إلى إراقة الدماء في الشارع بحيث يتأزم الوضع ويصعب خروج المتظاهرين منه، وهذه الممارسات العنفية سبق أن استعملت في الثورات السورية والعراقية وفي هونغ كونغ، وما بين أن هذه الاعتداءات كانت عن سابق تصور وتصميم استعمال نفس التكنولوجيا المستعملة في هونغ كونغ فتم تجهيز المتظاهرين بأجهزة إضاءة تعرف بالليزر والتي تعمل على تعمية القوى الأمنية ومنعها بالتالي من إتمام عملها بالتصدي وتحديد الهدف.
أما التوقيت فهو من جهة لخلق أمر واقع ووضع الموفد الأميركي أمامه فيتشدد في إملاءاته ومطالبه وكذلك يأتي في ظل عملية تكليف مأزومة تكشفت خفاياها اليوم.

أمر العمليات أم الاستشارات؟
الأنظار تشخص في اليومين المقبلين لحركة الاتصالات التي سيقوم بها رئيس حكومة تصريف الأعمال وإلى الحركة التي يمكن أن يضطلع بها دولة رئيس المجلس والثنائي الشيعي، والتي يأمل اللبنانيون أن تعطي ثمارها فيصار إلى احترام قواعد اللعبة السياسية بعيداً عن البهلوانيات والشعبوية التي لا يمكن أن تؤدي إلى أي مكان، وأنه على الذي وكما يقول المثل الجنوبي الدارج " اللي طلع الحمار إلى المئذنة خليه ينزلو ".