يومية سياسية مستقلة
بيروت / °19

الحريري في مرفأ بيروت.. مَنْ يُسَائِل وَ مَنْ يُسَاءَل؟

Saturday, September 7, 2019 12:15:05 PM

خاص "اللبنانية"
زهير فاضل

زيارة دولة رئيس مجلس الوزراء الشيخ سعد الحريري لمرفأ بيروت يوم أمس استوقفتني بما سبقها وما تخلّلها وما تلاها، لتطرح مسألةً أكبر وأهمّ من المناسبة والموضوع.

وإليكم موجبات الدهشة والتساؤلات.
أن يحرّف المَرءُ أصول الديموقراطية ويكيّفَها على هواه مسألةٌ قد تقودُنا إلى الفوضى والتخلّف والعبث بالمبادئ والمصائر وسعادة البشر.

عوامل كثيرة من صنف المحاصصة والميثاقيّة والتوافقيّة و"الحكومة المرآة" التي تعكس صورة البرلمان تمامًا، أضيفت إلى الحياة السياسيّة في بلدنا فحوًلتها بقوّة التشرذم الفئوي والعشائري والمصلحي من حُكمٍ ديموقراطي Democracy (حكم الشعب) إلى حكم ميديوقراطي Mediocracy (حكم الناس الأقلّ من عاديّين)، والتسمية الأكثر تعبيرًا عن نظامنا الحالي، للأسف، باتت مزيجًا هجينًا ما بين الـ Kakistocracy (حكم المفتقرين إلى الكفاءة) والـ Plutocracy (حكم الأفراد والأسر الأكثر ثراءً).

ففي الديموقراطيّة السليمة، على السلطة التشريعيّة (إلى جانب التشريع والمصادقة على الموازنة العامّة) أن تحاسب السلطة التنفيذيّة وتسائلها... فكيف جاءت زيارة الرئيس الحريري هذه بالنسبة إلى أصول اللعبة الديموقراطيّة؟

"قام رئيس مجلس الوزراء (السلطة التنفيذيّة) بزيارة تفقّديّة لمرفأ بيروت حيث استقبله رئيس مجلس إدارة واستثمار المرفأ السيّد حسن قريطم."

خبر يكاد يكون رتيبًا وغير ذي شأن في سلّم اهتمامات المواطنين لو لم يكن البلد على أعصابه من جرّاء الأزمة الماليّة والاقتصاديّة التي تلاحقنا بلا انقطاع بقرارات وتهديدات محليّة وإقليميّة ودوليّة كلّ يوم بل في كلّ شطر من كلّ يوم.

والشائع بين الناس أنّ الفساد المعشّش في مرافق الدولة ومعابرها -التي من أهمّها مرفأ بيروت- يشكّل عاملًا أساسيًّا من مجموعة العوامل التي أوصلت البلد إلى كلّ هذا الانحطاط. ومن شأن معالجة أوضاعه التخفيف من خطورة الهدر والسرقة والإفقار الممنهج.

في جوّ كهذا يكون المواطن متعطّشًا لسماع وعد بحلول أو على الأقلّ تفسير واعٍ ومسؤول لخطورة ما يحصل وإمكانيّة تحسين الأوضاع.
فهل سمع اللبنانيّون شيئًا من هذا؟

خلص رئيس مجلس الوزراء من زيارته ومن لقائه المسؤول الأوّل عن المرفق الحيويّ ذي الوضع المثير للجدل، أوّلًا إلى استنتاج يردّده الجميع: لا بدّ من رفع يد السياسة والسياسيّين عن مصالح البلد الحيويّة. وثانيًا إلى رفع مسؤوليّة ضبط التهريب عن الجهات الإدارية والإيحاء بتقصير لدى الأجهزة الأمنيّة المسؤولة عن ضبط التهريب.

اتّهامان سمعناهما من رئيس الحكومة، ألمتّهم الأوّل هو الطقم السياسي الذي يتبع له وينتمي إليه الرئيس الحريري بل يقود معظمه ويحالف الباقين في تسوية راسخة بوجه العواصف، والمتّهم الثاني، وإن بطريقة غير مباشرة في سياق رفع المسؤولية عن اللجنة الموقّتة، تابع لوزارة الداخليّة التي تُسنَد حقيبتُها إلى تيّار رئيس الحكومة وهي جزء من حكومة شكّلَها ويرأسُها هذا الرئيس.

رئيس الحكومة يتّهم نفسَه ورفاقَه وحُلفاءَه وأجهزة تابعة لوَزارة في حكومته مبرّئًا مجلس الإدارة الذي لا ندّعي من جهتنا حقًّا في تثمين دوره بثناء أو ملامة.

والإعلام أو السلطة الرابعة التي تُعَدُّ مكمّلةً لباقي السلطات في الصرح الديموقراطيّ الحيويّ، لم تجد ما يدعو إلى الاستغراب في شكوى الحاكم الموجّهة إلى الحكم ووسائله.

هذا عمّا تضمّنته الزيارة وما تلاها من اتّهام. فماذا عمّا سبقها؟

في 19 حزيران الماضي حصلت زيارة للموقع نفسه وللأشخاص المعنيّين عينهم إذ استقبل السيد قريطم في مرفأ بيروت وفدًا من حزب الحوار الوطني برئاسة النائب فؤاد مخزومي، لغرض إطلاعه بشكلٍ مفصّل وجليّ على حقيقة وضع هذا المرفق الحيويّ.

وبعد الزيارة شرح النائب مخزومي ما تبيَّنَ له من ظروفِ المرفأ وأوضاعِه وضرورةِ استكمالِ دورِه التجاري إلى جانبِ تطويرِ مرفأ جونيه بالاتّجاهِ السياحيّ وصولًا إلى إنشاءِ منطقةٍ متكاملة لاحتواء هذا القطاع.

سمعنا من النائب قبل شهرين ونيّف، شرحًا مفصَّلًا للأوضاع الإداريّة والمصاعب والحلول المقترحة في ما يخصّ مرفأ بيروت ومستقبله، وهذا ما ينتظره الناس عمومًا من أهل الحكم.

ثمّ سمعنا في الأمس من رئيس الحكومة ما يشبه خطاب مساءلة واتّهامات غالبًا ما يدلي بمثلها النوّاب في مواجهة الحكومات تثبيتًا لثقة الناس بأدائهم ووفائهم للناخبين.

وماذا كانت النتيجة؟

إحدى وسائل الإعلام "المعروفة" هاجمت النائب في حينه لمجرّد قيامه بالزيارة من دون أن يدين رئيس مجلس الإدارة الذي استقبله، واتّهمته بتعويم السيّد قريطم (من دون التقدّم بأيّ دليل على ما يبرّر الحاجة إلى التعويم). والوسيلة نفسها نقلت زيارة الرئيس الحريري للشخص "المعوَّم" ناقلةً كلامه الإيجابيّ عن أدائه من دون أيّ انتقاد أو ظنّ أو ارتياب.

عجيب أمر المساءلة الديموقراطيّة في بلدنا.

فالحاكم يشكو ويتّهم زملاءه ووزارته ويدلّ على أجهزته... مشكورًا.

والنائب يحاكَم إن قام بواجبه سواء أكان صارمًا بوجه الخطأ أم منصفًا في ذكر الصواب.

إنّها حقًّا لَـمــيديوقراطيّةٌ بلهاء.

يلفت موقع "اللبنانية" انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر الّا عن وجهة نظر كاتبه او مصدره.

 

مقالات مشابهة

خاص - نبيل بدر.. رجل الحوار والمبادرات

خاص - تحرّك في عكّار

خاص - الزبالة كترانة... والبلديات تتحرك!

خاص - محطات مشوشة!

خاص- بعد إغلاق المطار..هذا ما ينتظر الرحلات المتبقية في مطار بيروت

خاص - ثروة داني خوري تطرح علامات استفهام..

خاص- شراء العقارات شغّال من قبل هؤلاء!

خاص- تحركات القادة تغيرت